انتحار الأخلاق على أسوار المدارس ذ.أحمد اللويزة

بعد تدني المستوى المعرفي والمنهجي وتدهور القيم والأخلاق لدى تلاميذ مؤسسات وزارة التربية والتعليم، لم يبق للمسؤولين على القطاع إلا إعلان الإفلاس، وإغلاق المدارس، أو تفويتها لقطاع منتج.
هذه ليست صورة سوداوية مبالغ فيها، أو تشاؤم تجاوز الحد، أو مغالطة يتم ترويجها لأغراض مشبوهة، ولكنها الحقيقة الساطعة الثابتة بأكثر من برهان، المكشوفة للعيان، تنذر بمستقبل غير سار ينتظر البلد ممن يعتبرون رجال الغد وبناة المستقبل.
فالأخبار القادمة من هنا وهناك ومن جميع الجهات تتكلم عن حوادث تختلف كما وكيفا، تبث الرعب في النفوس، وتصيب بالدهشة والحيرة؛ قتل تلميذ لتلميذ، وذبح تلميذ لأستاذ، وضبط تلاميذ في حالة سكر أو ترويج للمخدرات بجميع أنواعها داخل المؤسسات وخارجها، ومنهم من ضبط وقد أدخل معه قنينة خمر، وضبط تلميذ وتلميذة في وضع مخل بالآداب، وتفكيك شبكات للدعارة أبطالها تلاميذ وتلميذات المدارس، ونشر فيدوهات لممارسات الخزي والعار… وهلم جرا، دون الحديث عن سلوكات لا تربوية من لدن بعض من تولى المهمة بدون شرف.
فإذا كان كل هذا يحصل في المؤسسات التعليمية التي تتولى مهمة تربية وتعليم النشء، فماذا ينتظر من جهات أخرى؟؟
فاللهم سلم سلم.
هذه الأحداث وإن كان يرى أنها قليلة فلا ينبغي الاستهانة بها نظرا لبشاعتها، ولا يجوز تجاوزها، فهي كقطرة الزيت التي تسقط على الثوب صغيرة فتتمدد بقعتها بشكل سريع وكبير، كما أنها وقائع تكشف المستوى الهزيل الذي صار عليه واقع التربية على القيم ببلدنا، مما ينذر بخطر عظيم لا نقوى على جمع أشتاته، ولا تقدر الدولة على اجتثاته، بل إنه واقع والعجز حاصل، بدليل أنه ما من عام إلا والذي بعده شر منه، رغم المخططات والمذكرات والبرامج، فلقد اتسع الخرق على الراقع.
إن مسألة الأخلاق والقيم التي لم يعد له وجود قوي على مستوى المنظومة التربوية، التي يتم تصريفها بشكل غير ذي جدوى، يحتاج إلى جهود متظافرة لعل وعسى أن يتحقق من ذلك شيء يسير، لأن ما أصعب البناء ما أسهل الهدم، لاسيما في وقت؛ الهدامون أكثر من البناءين، ويملكون من وسائل الخراب ما لا يملكه أهل الصلاح.
إذا كان عماد التنمية والنمو والازدهار والتقدم في أي بلد هو التعليم، فإن شيئا من هذا مجرد حلم في نوم عميق، وأمنية تراود الغيورين على حال ومستقبل هذا الوطن، لأن الفشل هو العنوان الأبرز لهذا الورش الكبير، وذلك راجع بالأساس إلى انعدام الإرادة الصادقة، وقصور الرؤية، وإقصاء المنهج الرباني في صناعة الإنسان وبناء العمران، وغياب الطرح الإسلامي في تدبير الشأن التربوي والعلمي، نظرا للتحكم الذي تمارسة الطغمة العلمانية المسيطرة على مفاصل التدبير والتسيير.
إن العلم في الإسلام سبيل التخلق والتحلي بالفضائل، ولا خير في معرفة لا يترتب عنها خلق ولا أدب، ورحم الله الإمام مالك صاحب مذهب أهل البلد يا حسرة! حين قال: “ليس العلم كثرة الرواية، إنما العلم الخشية”، كيف لا يقولها وهو الذي تربى في حضن امرأة عاقلة كانت تحرص على أن يتعلم الأدب قبل العلم حين كانت ترسله إلى ربيعة الرأي أستاذه وشيخه. بينما ديدن أكثر التلاميذ وأوليائهم اليوم هو الحصول على المعرفة التي تخول لهم النجاح والانتقال من مستوى إلى آخر دون أن يكون لذلك أثر في واقع حياتهم. إلى درجة أنه قد يحصل التلميذ على نقطة حسنة في موضوع العفة مثلا، لكنه في حياته لا يربطه بهذا الخلق أية رابطة.
سيبقى واقع التعليم شوكة في الحلق وأسى في القلب، لأن حال المتعلمين اليوم لا يبشر بخير في المدى القريب أو البعيد، لأنه لم يعد يشغل بالهم من المدرسة إلى المنافسة في اللباس والموضة وتقليعات الشعر، وكثرة العلاقات الغرامية وتبادل الرسائل وأرقام الهواتف.. ومحفظة مليئة بأدوات الزينة وحبوب منع الحمل عوض الكتب والأدوات، وأكاد أجزم أنه لم يسلم من هذا إلا القليل وهم على خطر عظيم، وفي النهاية يدورون على أساتذتهم يتسولون النقط قصد النجاح.
واقع جعل الخوف ليتملك بعضا من أولياء الأمور على فلذات أكبادهم، نظرا لخطورة ما يروه أو يسمعوه عن واقع أخلاق التلاميذ من الذكور والإناث، فكيف يطمئن الآباء على أبنائهم وبناتهم في ظل هذه الظروف المزرية، كيف يهنأ بال من يرسل ابنه أو ابنته وقد غرس فيهم بدور الأخلاق والمثل والفضائل إلى مدرسة قد تردهم إليه بغير ما يريد منهم، فلا على رأس المال حافظ، ولا على الربح حصل. فأين المفر؟
هذه صرخة تحذير وتنوير من مزاول لمهنة تعاني الإفلاس، وما سنراه ونسمعه في القادم من الأيام، سينسينا أحداث الآن، ولا حل إلا أن يفسح المجال للدين ليعمل عمله ويؤدي مهمته، لأنه لا سبيل لعودة الأخلاق إلا بالتحصين الاجتماعي والتربوي، ليصبح الخطاب المتردد في الأسماع دوما وأبدا وهو خطاب الأخلاق والقيم المستمدة من كتاب الله وسنة الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم.
ولتخسأ دعوات الإباحية والحرية الفردية، فإنه لم يجن منها المجتمع إلا الويلات، ومع كل هذا لم يرد دعاة الخنا أن يرعو أو يسكتوا رحمة بهم وبهذا الوطن العزيز، قبل أن يصبح في خبر كان، إن في هذا لعبرة والله من وراء القصد وإن غدا لناظره لقريب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *