جاء في “الفصوص” المنسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ظلما وبهتانا: “وليس هذا العلم إلا لخاتم الرسل وخاتم الأولياء! وما يراه أحد من الأنبياء والرسل إلا من مشكاة الرسول الخاتم، ولا يراه أحد من الأولياء إلا من مشكاة الولي الخاتم! حتى إن الرسل لا يرونه -متى رأوه- إلا من مشكاة خاتم الأولياء.
فإن الرسالة والنبوة -أعني نبوة التشريع ورسالته- تنقطعان والولاية لا تنقطع أبدا. فالمرسلون من كونهم أولياء لا يرون ما ذكرناه إلا من مشكاة خاتم الأولياء، فكيف من دونهم من الأولياء؟
وإن كان خاتم الأولياء تابعا في الحكم لما جاء به خاتم الرسل من التشريع، فذلك لا يقدح في مقامه، ولا يناقض ما ذهبنا إليه. فإنه من وجه يكون أنزل، كما أنه من وجه يكون أعلى.
وقد ظهر في ظاهر شرعنا ما يؤيد ما ذهبنا إليه في فضل عمر في أسارى بدر بالحكم فيهم، وفي تأبير النخل. فما يلزم الكامل أن يكون له التقدم في كل شيء وفي كل مرتبة. وإنما نظر الرجال إلى التقدم في رتبة العلم بالله، هناك مطلبهم. وأما حوادث الأكوان، فلا تعلق لخواطرهم بها، فتحقق ما ذكرناه.
ولما مثل النبي النبوة بالحائط من اللبن وقد كمل سوى موضع لبنة، فكان صلى الله عليه وسلم تلك اللبنة، غير أنه صلى الله عليه وسلم لا يراها كما قال لبنة واحدة (يكذب على الرسول؟). وأما خاتم الأولياء فلا بد له من هذه الرؤية، فيرى ما مثله به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويرى في الحائط موضع لبنتين، واللبن من ذهب وفضة، فيرى اللبنتين اللتين تنقص الحائط عنهما وتكمل بهما، لبنة ذهب، ولبنة فضة.
فلا بد أن يرى نفسه في موضع تلك اللبنتين، فيكون خاتم الأولياء تينك اللبنتين، فيكمل الحائط، والسبب الموجب لكونه رآها لبنتين، أنه تابع لشرع خاتم الرسل في الظاهر، وهو موضع اللبنة الفضة، وهو ظاهره وما يتبعه فيه من الأحكام، كما هو آخذ عن الله في السر ما هو بالصورة الظاهرة متبع فيه، لأنه يرى الأمر على ما هو عليه، فلا بد أن يراه هكذا وهو موضع اللبنة الذهبية في الباطن.
فإنه أخذ عن المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يوحى به إلى الرسول، فإن فهمت ما أشرت به فقد حصل لك العلم النافع بكل شيء، فكل نبي من لدن آدم إلى آخر نبي، ما منهم أحد يأخذ إلا من مشكاة خاتم النبيئين، وإن تأخر وجود طينته، فإنه بحقيقته موجود، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: “كنت نبيا وآدم بين الطين والماء”. وغيره من الأنبياء ما كان نبيا إلا حين بعث، وكذلك خاتم الأولياء، كان وليا وآدم بين الماء والطين، وغيره من الأولياء ما كان وليا إلا بعد تحصيله شرائط الولاية في الأخلاق الإلهية في الاتصاف بها من كون الله تعالى تسمى ب”الولي الحميد”.
فخاتم الرسل من حيث ولايته، نسبته مع الخاتم للولاية نسبة الأنبياء والرسل معه. فإنه الولي الرسول النبي. وخاتم الأولياء الولي الوارث الآخذ عن الأصل المشاهد للمراتب، وهو حسنة من حسنات خاتم الرسل محمد صلى الله عليه وسلم، مقدم الجماعة وسيد ولد آدم في فتح باب الشفاعة”!!!
ولا ننسى الإشارة هنا إلى أن ابن عربي ميز بين “خاتم الولاية العامة” وبين “خاتم الولاية المحمدية الخاصة”.
قال بخصوص الأولى: “فكان من شرف النبي صلى الله عليه وسلم أن “ختم الأولياء” في أمته نبي رسول مكرم، وهو عيسى عليه السلام! وهو أفضل هذه الأمة المحمدية. وقد نبه عليه الترمذي الحكيم في كتاب “ختم الولاية”. وشهد له بالفضل على أبي بكر الصديق وغيره”!
وقال بخصوص الثاني: “وللولاية المحمدية المخصوص بهذا الشرع المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ختم خاص، هو في الرتبة دون عيسى عليه السلام، لكونه رسولا، وقد ولد في زماننا ورأيته أيضا، واجتمعت معه، ورأيت العلامة الختمية التي فيه! فلا ولي بعده إلا وهو راجع إليه، كما أنه لا نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم إلا وهو راجع إليه، كعيسى إذا نزل فنسبة كل ولي، يكون بعد هذا الختم إلى يوم القيامة هي نسبة كل نبي يكون بعد محمد صلى الله عليه وسلم في النبوة كإلياس وعيسى والخضر في هذه الأمة”.
فإن كان هناك خاتم الولاية العامة، وهو عيسى، وخاتم الولاية الخاصة وهو ابن عربي، وحتى إن كان يحاول خداع القارئ بقوله: “ورأيته واجتمعت معه، ورأيت العلامة التي فيه، فلا ولي بعده إلا وهو راجع إليه”، فإنه لا يعني غير نفسه! فقد صرح بأنه “رأى رؤيا مفادها أنه شاهد الكعبة وفيها موضع لبنتين ناقصتين، إحداهما من فضة والأخرى ذهبية. وأنه رأى نفسه انطبعت في موضع تلك اللبنتين، وأنه أول ذلك بأنه يرجو أن يكون ممن ختم الولاية بهم”! ثم إنه خرج من التلويح إلى التصريح حين قوله: “أنا خاتم الولاية دون شك”!
لكن الشيعة لم يسلموا لابن عربي ما ادعاه، إنهم يميزون بين خاتم الولاية المحمدية العامة، والذي هو نفسه خاتم الولاية المطلقة، وهو علي بن أبي طالب، وخاتم الولاية المحمدية الخاصة، وهو المهدي المنتظر.
كما ذهب ابن حمويه إلى أنه خاتم الأولياء! ثم ادعى التجاني لنفسه ما ادعاه سابقوه فقال: “إن مقامنا عند الله في الآخرة، لا يصله أحد من الأولياء ولا يقاربه من كبر شأنه ولا من صغر، وأن جميع الأولياء من عصر الصحابة إلى النفخ في الصور، ليس فيهم من يصل مقامنا”! ونفس ما ادعاه، ادعاه للأسف الشديد، أستاذنا الدكتور يوسف الكتاني لمؤسس الطريقة الكتانية محمد بن عبد الكبير الكتاني حين قال:
“أبو الفيض الختم المحمدي المجدد شيخ الطريقة الكتانية ومؤسسها وعماد الزاوية (…) فقد فتح عليه واجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم يقظة، وأخذ عنه طريقته الكتانية، وأذن له في الإرشاد والدعوة إلى الله”! ونحن نقول مستنكرين ما وقفنا عليه في هذه المقالة من ضلال وبهتان: “ألا لعنة الله على الكاذبين”!!!