حمل المغاربة على فتح صدورهم لمالك والأشعري والجنيد الحلقة السابعة الدكتور محمد وراضي

إن كانت متابعة السنة ومراقبة الباطن، قاعدتين من قواعد طريقة الجنيد، فإننا لم نجد لدى أي متصوف مغربي معروف -وخاصة من كان شيخا لطائفة في الماضي والحاضر- من يلتزم بسنة المصطفى عليه الصلاة والسلام!
فالتصوف أولا علم حادث في الملة! وكل حادث فيها مبتدع فيه نظر متى انضاف إلى باب المعتقدات والعبادات! أما إن هو انضاف إلى باب المعاملات، فوصفه بالحادث المبتدع غير وارد، ما دام الترخيص بالاجتهاد في مجال الأحكام الشرعية العملية (=الفقهيات) من توقيع أبي القاسم أو من إمضائه!
ثم إننا ثانيا لم نقف -والمشايخ عندنا منذ أقدم العصور يشتغلون بالتصوف- على شيخ واحد لم يتجاوز خطى نبي الهدى والرحمة!
تقدم قولنا بأن مجموع الطوائف الصوفية المغربية قديما سبعة، وذهب الدكتور حسن جلاب إلى أن طائفتين: الشعيبية والأمغارية هما وحدهما على طريقة الجنيد! ثم أوضحنا -كنتيجة لهذا الطرح- كيف أن بقية الطوائف على طريقة الغزالي، دون أي تسليم منا بهذه القناعة. فحتى يتم لنا دحضها، فها هو المزيد من البراهين:
بما أن شيخ الطائفة الشعيبية هو أبو شعيب أيوب بن سعيد الصنهاجي الملقب بالسارية، والذي يقال إنه بدل (والبدل من يوجد في مكانين! هو هنا بصورته، وهو هناك بشخصه الحقيقي)! كان معلما للقرآن، وعاملا على تفادي الكسب الحرام، والأكل مما فيه شبهة؛ إضافة إلى ما حيك حوله من مسمى الكرامات؛ فإنني -وقد تناولته بالدراسة والنقد- خرجت بنتيجة جعلتني أعقد له ولتلميذه أبي يعزى مبحثا خاصا في كتابي “عرقلة الفكر الظلامي الديني للنهضة المغربية” عنوانه: “وليان كذابان جاهلان بالدين”! ولما برهنت على أنهما كذلك فأين هما إذن من الجنيد؟ بل وأين هما قبل كل شيء وبعد كل شيء من الدين؟
لقد رأى أبو شعيب “بقرة له أهوت بفيها في فدان جاره، فجرى إليها وأدخل يده في فيها، فأخرج منه النبات، وأمر أن ترد لداره ويجمع لها الحشيش، ولا تترك تخرج إلى المرعى ثلاثة أيام، وأن يتصدق بلبنها في تلك الأيام!!!
إنها أقصوصة تؤكد لنا جهل الرجل فعلا بالدين، وأنه أبعد من أن يعد واحدا من علماء أو من فقهاء عصره! بينما الجنيد عالم فقيه على مذهب أبي ثور، ثم إنه يحدد ما تستدعيه حالة الراغب في الانضمام إلى الصوفية.
قال: “الطرق كلها مسدودة على الخلق، إلا على من اقتفى أثر الرسول عليه الصلاة والسلام”!
وقال: “من لم يحفظ القرآن الكريم، ولم يكتب الحديث، لا يقتدى به في هذا الأمر، لأن علمنا هذا (= التصوف) مقيد بالكتاب والسنة”!
وأبو شعيب لم يحفظ القرآن، لأنه إنما وقف عند حد استظهاره، بينما المقصود بحفظه عند الجنيد، يتجاوز استظهاره إلى استيعاب مختلف مضامينه أو معانيه!
ثم إن أبا شعيب من جهة أخرى لم يكتب الحديث، أي أنه ليس على علم به رواية ودراية! فصح أنه رجل شبه أمي لا يقتدى به!
وربما نظر بعضهم إلى تصرف أبي شعيب مع بقرته وكأنه إيغال منه في التقوى والورع. وقد يكون لا شك من ضمن هذا البعض وزير الأوقاف الحالي أحمد التوفيق الذي تولى تحقيق كتاب “التشوف إلى رجال التصوف”! وليس هذا فحسب، فقد غض بصره عن مئات من الكرامات الواردة في نفس الكتاب، وهي في مجملها أساطير وظلاميات لا رأس لها ولا ذنب! لأنه عند نفسه صوفي على خطى شيخ عانق ويعانق الأوهام والخرافات!
نقول نحن؛ إن أخرج الولي الدكالي الزموري النبات من فم بقرته، تجنبا للمزيد من الحرام الذي تناولته في نظره! فعمله غير فقهي بالمرة! ونفس الشيء بالنسبة لحليبها الذي تصدق به على مدى ثلاثة أيام متتالية، كتكفير منه على ما يبدو، عن جرم ارتكبته أو ارتكبه هو كمسؤول على معرفة تامة بأن بقرته تعدت حدود أرضه إلى أرض جاره!
والبقرة للتذكير، بهيمة عجماء غير مسؤولة لأنها غير واعية. وإخراج العشب من فمها لا يجدي بالنسبة إليها فتيلا، إن أريد به معاقبتها أو تأديبها! فقد سبقه عشب آخر لا شك إلى معدتها، إن لم تكن على وشك الشبع!
والحديث إنما يكون مع الجار صاحب الحقل الذي تناولت فيه بعض العشب! فهو الذي كان على البدل (الجنيدي الطريقة!!!) الاعتذار إليه! غير أننا لم نسمع هذا الاعتذار الذي هو مفتاح مقبول لتجاوز مشكل الاعتداء على ملك الغير! إن كان هناك في فعل بقرته مفهوم للاعتداء!
فيكون المعتدى عليه هو صاحب الحقل، والحليب الذي تصدق به أبو شعيب ثلاثة أيام، هو في اعتقاده نتيجة العشب الذي تناولته بقرته في حقل جاره، وعليه حرمه على نفسه وعلى أهله (إنه حرام)! وهذا التفكير منه غاية في الخطأ. فهو من جهة لا يريد تناول ما أصبح حراما في نظره! وهو من جهة أخرى يتصدق بالحرام ولا حرج عليه إن هو قدمه إلى غيره كي يتناوله! وهو من جهة ثالثة يحرم صاحب الحق من حقه! فقد كان عليه أن يقدم الاعتذار للمتضرر، ويعرض عليه بالتالي حليب البقرة لثلاثة أيام، فيكون بذلك قد أراح ضميره وربما سمع السماح الصادق من جاره، فتناول هو وأهله ذلك الحليب هنيئا مريئا!
ولما لم يفعل، وتصرف كما تصرف، تأكد لدينا كيف أنه ليس بفقيه، ولا بعالم، ولا بصوفي، ولا بجنيدي الطريقة! إذ ما أبعده عن التصوف الذي ترسو دعائمه على الكتاب والسنة من حيث الأقوال ومن حيث الأفعال أو الممارسات.
وللتدليل أكثر على جهل الرجل بالدين إلى حد يمكن عنده أن يكون مسخرة، قال مالك بن تاماجورت: “تزوج صاحب من أصحاب أبي يعزى، فطلبت منه زوجته مملوكة (= خادمة)، ولم تكن عنده فقال له أبو يعزى: أنا أنوب مناب المملوكة، وكان أسود لا شعر بوجهه (= أمرد) فتزيا بزي المملوكة، وأقام يخدمه وزوجه عاما كاملا، فيطحن ويعجن ويخبز، ويسقي الماء بالليل، ويتفرغ بالنهار للعبادة في المسجد. فلما كمل العام قالت الزوجة لزوجها: ما رأيت كهذه المملوكة، تعمل بالليل جميع ما يعمل بالنهار! ولا تظهر بالنهار! فأعرض وتغافل عن جوابها. فما زالت تسأله إلى أن قال لها: ما خدمك إلا أبو ونلكوط، وليس مملوكة! فعلمت أنه أبو يعزى فقالت: والله لا خدمني بعد هذا أبدا ولأخدمن نفسي، فجعلت تخدم نفسها من حينئذ”!
أضاف الراوي: وحدثني غير واحد أن ذلك الصاحب الذي خدمه أبو يعزى على أنه مملوكة هو الشيخ أبو شعيب السارية، وأنه لما أخبر زوجته بخدمة أبي يعزى لها، دخل المسجد على أبي يعزى وهو يبتسم. فقال له أبو يعزى: ما لك تبتسم؟ فأخبره بما كان بينه وبين زوجته، فقال له أبو يعزى: ولم أخبرتها؟ فهلا تركتني أخدمكما كما كنت”؟
إنها أقصوصة في دقيقة، مر عليها أحمد التوفيق الوزير مرور الكرام! دون أن يلتفت على الأقل إلى أنها من علامات جهل صاحبها بالدين! أما نحن فنستخلص منها ما يلي:
1- إن صح أن أبا شعيب شيخ من شيوخ أبي يعزى، لزم الحاكي أن يقول: تزوج شيخ من شيوخ أبي يعزى، لا تزوج صاحب من أصحاب أبي يعزى، وكأن أبا يعزى أستاذ، وأبا شعيب تلميذه!
2- يصح الجزم هنا بأن الشيخ ومريده كذابان، والحال أن أحدهما “بدل” وأن ثانيهما “قطب” مع ملاحظة أن الشيخ دون مرتبة مريده!
3- هل يصدق الناس بأنهما اليوم يزاران ويقام لهما موسم سنوي، وتذبح عند ضريحيهما الذبائح، ويجري التوسل بهما لقضاء الحاجات، وهما كما تحقق لدينا كذابان جاهلان بالدين؟
4- والحال أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن بناء الأضرحة ورفع القباب عليها، وكيف بزيارتها والذبح عندها والاستعانة بأصحابها؟
5- لقد كذب الشيخ ومريده على الزوجة لعام كامل! ثم كيف بالزوجة المخدوعة إن هي أدركت في النهاية كيف أن من يخدمها لم يكن غير رجل كذاب ساقط المروءة من منظور أكثر من حديث نبوي شريف؟ إذ كيف يقبل ممثل الخادمة وشيخه الذي وظفه أن يختلي بامرأة أستاذه؟ أو لا يمكن -ولا حياء في الدين- للزوجة أن تصل إلى حد التعري أمامه لاعتقادها الراسخ بأنه مملوكة؟
وهل هذه الفكرة لم تخطر في بال من أصبح الآن قبلة لزوار جهلهم بالدين يفسره قدومهم أولا عليه، وتقبيلهم ثانيا لدربوزه المغطى بثوب مزركش يتم استبداله مرة في السنة أو مرتين حسب الأكرمين الذين يتبرعون بشرائه؟
فهل نعتقد بعد كل الذي تقدم بأن أبا شعيب، وتلميذه أبا يعزى الغارق في الجهل بالدين ينتسبان إلى طريقة شيخ مجهول عندهم شخصه، ومجهولة عندهم طريقته، نقصد الجنيد بن محمد القواريري البغدادي؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *