في الوقت الذي نتلمس فيه الحلول لمشاكل الأسرة في التعديلات القانونية، وفي الوقت الذي توهمنا فيه بعض الجهات بأن مشاكلنا الحقيقية تكمن في عدم استجابة أحكام الإرث لفلسفة المساواة المطلقة، وانتشار زواج القاصرات، وإباحة التعدد.. إلـخ.
يقذف المجتمع في وجوهنا بواقع يكذب ذلك كله وأمثاله من الأطروحات التي تتلى علينا بكرة وأصيلا، ولا تصدر عن رغبة صادقة وصحيحة في الإصلاح، بقدر ما أنها تمثل خدمة للعولمة الاجتماعية الغربية من أجل التمكين لها في مجتمعاتنا الإسلامية.
أجل؛ لم يزل الواقع -ولا يزال- يؤكد بأن أساس مشكلتنا يكمن في استفحال الفساد بكل صوره وأشكاله، وبكل مقوماته وأسبابه.
وإلا فمتى كنا نسمع في المجتمع المغربي بمثل هذه الجرائم التي يقف لها الشعر، ويقشعر لها الجلد.
فبالأمس القريب أطلق شرطي عندنا هنا في مراكش النار على زوجته، وها هي اليوم امرأة مراكشية أيضا تذبح وتسلخ وتقطع زوجها إربا.
أليس هذا غريبا في المجتمع المغربي؟
ألا يدل ارتفاع الجريمة على خطأ الاتجاه المصر على تحجيم الخطاب الديني الإصلاحي وفتح الأبواب شارعة أمام الفكر والممارسات العَلمانية الإباحية؟
أحداث هذه القصة الفظيعة جرت في مراكش، وأبطالها: حارس مرقص، وزوجته الراقصة، وعشيقها البائع، وأمها الأمية، ثم عشيقة الحارس التي أدخلت في التحقيق.
ومجمل القصة؛ أن حارس المرقص هيأ لخدينته (صديقته) الأسباب لتعمل راقصة في مرقص، وقد حملت من السفاح (الزنا) الذي كان بينهما، وبعد ذلك تزوجها بالتهديد وقد كانت راغبة في عشيق غيره، وبعد الزواج أمرها بترك الرقص ووعدها أن ينفق عليها وعلى أسرتها، فأخلف الوعد وجعل يسهر الليالي في معاقرة الخمور والزنا، بل كان يكلم العشيقات أمامها ويستصحب بعضهن إلى بيتها، فارتمت هي بدورها في أحضان عشيقها، الذي كانت تشكو له سوء معاملة زوجها لها ولأسرتها سيما أمها، فما كان من هذا الأخير إلا أن أعطاها دواء لتخديره، فلما أغمي عليه جعل يضربه بحديدة على رأسه حتى قتله، وهنا أسقط في يد الزوجة ولم تدر ما تفعل، فاتصلت بأمها التي حضرت وقطعته إربا، ووزعتا قطع لحمه برميها في أماكن متباعدة، واجتهدتا في إخفاء كل أثر لهذه الجريمة البشعة، لكن الله كشفها لتكون آية للمفسدين والمنحرفين المعتبرين، فاكتشفت قطع الجثة السبعة عشر، وألقي القبض على الزوجة التي أجهضت ولدها الثاني، وانتحرت الأم بشرب (الماء القاطع).. إلـخ. إلـخ.
أيها القراء الكرام؛ إن هذه القصة -على فظاعتها- تمثل حلقة صغيرة في سلسلة ضخمة من الفساد والانحراف طوقت واقع مجتمعنا المغربي، ويعلم الله كم خفي من هذا الشر المستطير، الذي لا يمكن أن نتصور في المسؤولين من يريده ويسعى إليه، ولكنهم مقصرون في تفادي أسبابه، بل يُمكِّنون لأسبابه باسم التفتح والعصرانية ونبذ التزمت والظلامية.
أجل (التزمت والظلامية)؛ هذا ما يرمى به دعاة الإصلاح الذين بحت حلوقهم وهم ينادون بترك المنكرات والاستقامة على أحكام الشريعة وآدابها..
وقد صاروا أضحوكة للناس، يتنكتون بهم، ويقولون: اسمعوا إلى هؤلاء المتزمتين؛ كل شيء عندهم حرام: الاختلاط حرام، التدخين حرام، قليل من البيرا حرام، الصداقة بين الفتى والفتاة حرام، …
وما علم هؤلاء المساكين أن هذه الأمور حرمت بنصوص من القرآن والسنة، وحرمت لسد الطريق الموصلة إلى تلك الشرور، وفي الحلال ما يغني عن الحرام.
وليس من العقل أن نستنكر مثل تلك الجريمة ونغض الطرف عن أسبابها التالية:
1- إباحة المراقص.
2- إباحة الخمارات.
3- إباحة الزنا المتراضى عليه.
4- تشجيع العلاقة بين الرجال والنساء خارج مؤسسة الزواج.
5- تشجيع التبرج واللباس الفاحش والزينة الفاتنة.
وإذا كانت هذه المحرمات قد أدت إلى ما جاء في القصة، فإن ما تؤدي إليه في قصص مجهولة لا يعد ولا يحصى.
وها هي ذي قضية المجرم المعروف عندنا في مراكش بـ”نينجا” الذي كان يقطع طريق النساء خاصة ويسرقهن ثم يشوه معالم وجوههن بالسكين، وقد بلغ عدد ضحاياه: 26 فتاة؛ إنما كانت مشكلته -في الأصل- جنسية وَرَّثته عقدة جعلت منه مجرما خطيرا.
ولم يكد يلقى خلف قضبان السجن بعد الحكم عليه بعشر سنوات، حتى اتصل ببرنامج (بصراحة) الذي أذيع بإذاعة مراكش الجهوية؛ مجرم ثانٍ قال بأنه (نينجا 2)، وأن عنده عقدة من الفتيات، ولذلك سيواصل مسيرة سابقه..
ولا إخال أجهزة الأمن تعتقله حتى يوقع ضحايا كثيرين، فإذا أضفنا إليهم ضحايا مجرمين آخرين، علمنا أن المقاربة الأمنية لا تكفي في إصلاح هذا الوضع الخطير، وأن حال رجال الأمن على حد قول الشاعر:
لو كان سهما واحدا لاتقيته ولكنه سهم وثانٍ وثالثُ
فلا بد من تقوية الوازع الديني لدى المواطنين من خلال تضمين مقررات التعليم بثقافة الخوف من الله ومراقبته في السر والعلن، فذلك من شأنه أن يكفل الأمن والسلامة، وينشر في المجتمع الطمأنينة والاستقرار:
قال الله تعالى: {الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام/82].
والمؤسف حقا؛ أن هذا التوجه يحاربه حملة الفكر العلماني الذين لا يروقهم انتشار التدين في مجتمعنا المغربي..، فمن المسؤول عن تدهور الوضع الأمني في مجتمعنا؟