بعد توالي حالات الاعتداء على الأطفال، كحالة عدنان بطنجة ونعيمة بزاكورة رحمهما الله، ما هي الأسباب التي أوصلت المجتمع المغربي لهذا الباب المسدود؟
ترجع الأسباب بالدرجة الأولى، لضعف “الحصانة القيمية” للمغرب والتي تحميه من قيم المد العولمي، التي جاء بها خيارالانفتاح. ما أدى إلى حدوث تحولات اجتماعية وقيمية عميقة في المجتمع المغربي، أسهمت في انهيار قيم المجتمع المتضامن والمتعاون. بالإضافة إلى انهيار مؤسسة الأسرة كمجال للرعاية الاجتماعية للطفل وحمايته من التهديدات التي لحقت ثقافتنا الأسرية.
دون إغفال دور الأجندات العولمية، التي تناقض هويتنا المغربية، وتسهم في ضرب مؤسسة الأسرة وقيمها، من خلال التشجيع على الإجهاض، وعلى الجنس خارج مؤسسة الأسرة، وزواج الشواذ…. وهذا ما يفتح المجال لوقوع الاعتداءات الجنسية في حق الأطفال بالمغرب في ظل الفوضى الجنسية.
وما يزيد الطينة بلة، هو عدم امتلاك الدولة لإستراتيجية حمائية واضحة للهوية الإسلامية المغربية باعتبارها خزانا للقيم الضامنة لتماسك المجتمع ومناعته ضد هذه الظواهر الغريبة. صحيح أن ظاهرة الاستغلال الجنسي كانت حاضرة على مر العصور ولكنها أصبحت جريمة مركبة يختلط فيها تحقيق الربح بإشباع الغريزة المنحرفة بالاتجار بالأعضاء أو بيع المشاهد بعد توثيقها إلى المواقع الإباحية على شبكة الأنترنيت وتنتهي في أغلب الحالات بارتكاب القتل في حق الضحية. إذن لم تعد جريمة فردية في غالب الأحيان بل تحتضنها مؤسسات وعصابات عابرة للقارات.
في عرضها للإنجازات تقدم وزارة التضامن والأسرة أرقام ومؤشرات على ما أنجزته في مجال حماية الأطفال، ما تقييمكم لهذه الإنجازات؟ وما هي الحلول التي ترونها مخرجا من هذه الأزمة التي يعيشها المجتمع المغربي؟
الحكومات المتعاقبة منذ انطلاق خطة عمل وطنية للطفولة 2006-2015 ” مغرب جديد بأطفاله”، مرورابإطلاق السياسة العمومية المندمجة لحماية الطفولة 2015-2025، وبرنامجها الوطني التنفيذي الذي يمتد من 2015 إلى 2020، حققت الدولة إنجازات وتقدما مشهودا سواء على المستوى القانوني من خلال العمل على تنزيل المجلس الاستشاري للأسرة والطفولة أو تمتيع حق الطفل في وضعية إعاقة من التمدرس وكذا نفقة الأطفال المكفولين مع منع تشغيل الأطفال وغيرها من الجهود المبذولة.
ولكن الملاحظ أن هذه الخطط تعرف ضعفا في النجاعة والفعالية لأنها تعاني من هوة بين السياسات والممارسات مع غياب الالتقائية والتنسيق بين مختلف المتدخلين، ودليل ذلك أن برنامج “مدن بدون أطفال شوارع” لم يحد من هذه الظاهرة رغم محاولات إصلاح مؤسسات الرعاية الاجتماعية وتقنينها فالعديد من الأطفال يلتحقوا بها في الصباح ويفضلوا العودة إلى الشارع في المساء مما يؤكد ضعف جاذبية هذه المؤسسات التي لايمكن أن تعوض الدفء الأسري.
ولكن تبقى الأجهزة الترابية المندمجة التي لم تر النور لحد الساعة هي المدخل الأنجع لتنزيل كل السياسات على أرض الواقع كي تنعكس علة الواقع المعيش للأطفال عبر خطط قرب إقليمية تحسن من خدمات الوقاية إذا ماتوافرت الإرادة مع تعزيز آليات التتبع والمراقبة والتقييم.
بالنظر للتحديات الجديدة التي يعيشها المجتمع، كانتشار شبكات الاتجار في البشر والسياحة الجنسية، والمستجدات الرقمية التي يعيش الطفل معها يوميا، ما هي الطريقة الأنسب للتصدي والمواكبة لهذه التحديات؟
بخصوص السياحة الجنسية، التي لاحظنا نوعا من إقبال شبكات تنشط في مجال تسخير الأطفال الصغار لهذه الأنشطة، حتى أصبحنا نتكلم عن “تسليع الأطفال”، وتحقيق عوائد ربحية لأسرهم أو لشبكاتهم نتيجة العمل في سوق الجنس، وهو عائد بالدرجة الأولى إلى غياب منظومة قانونية حمائية تشدد العقوبات وتساهل القضاء المغربي في معاقبة الجناة. مما شجع على تحويل المغرب إلى وجهة مفضلة للبيدوفيل، ومنهم من تحول من سائح عابر إلى مجرم مقيم. فهناك عدد من التقارير الدولية التي تصنف المغرب ضمن المناطق التي تعرف ازدهارا ملحوظا، وهذا ما يفرض تدخلا حازما للدولة، وتحمل السلطات لكافة مسؤوليتها، وإدخال تعديلات على القانون الجنائي تتسم بالزجر والضرب من حديد على أيدي المجرمين الذين يستغلون الأطفال أو الذين يتاجرون بهم، إضافة إلى تطوير سياحة أصيلة ومسؤولة تراعي القيم المغربية والهوية الوطنية الموحدة، كما جاء في الرسالة الملكية الموجهة للمشاركين في المناظرة الوطنية التاسعة للسياحة.
أما التحديات الرقمية التي يعيشها المجتمع المغربي، والتي أصبحنا نعيشها مع أطفالنا، نتيجة قربهم من الوسائل والأدوات الرقمية منذ نعومة الأظافر، خاصة مع ما يعرف باستدراج الأطفال للتطبيع مع ممارسة الجنس، أصبح من اللازم تصنيف هذا الاستدراج ضمن الجرائم الإلكترونية، التي تتعقبها مصالح الأمن الرقمي بالمغرب، من أجل ضمان فضاء رقمي آمن لأبنائنا خاصة مع مستجد التعليم عن بعد وزيادة إقبال الأطفال على عالم الأنترنيت. مع تقوية قدرات الأمهات والآباء وتعزيز النهوض بالثقافة الرقمية الأسرية، لأن الاستثمار في الأسرة هو الاستثمار الأساسي الذي يجب أن يكون في المجتمع، فالاستثمار فيها هو استثمار في الأمن والاقتصاد أيضا.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
*د.أحمد مزهار: رئيس اللجنة العلمية لرابطة الأمل للطفولة المغربية.