لقد أرسل الله نبيَّهُ محمدا صلى الله عليه وسلم ليرشد هذه الأمة لما فيه خيرها وصلاحها، فعَلَّم الله به الجاهل، وهدى به الضال، وأرشد به الحيران، فدل الأمة على خير ما يعلمه لها، وحذرها من شر ما يعلمه لها… شأنُه صلى الله عليه وسلم شأنَ إخوانه الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
فعن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلَّا كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ، وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ”( ).
وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: تَرَكْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا طَائِرٌ يُقَلِّبُ جَنَاحَيْهِ فِي الْهَوَاءِ، إِلَّا وَهُوَ يُذَكِّرُنَا مِنْهُ عِلْمًا، قَالَ: فَقَالَ: صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا بَقِيَ شَيْءٌ يُقَرِّبُ مِنَ الْجَنَّةِ، ويُبَاعِدُ مِنَ النَّارِ، إِلَّا وَقَدْ بُيِّنَ لَكُمْ»( ).
ثم إن الله تعالى لم يقبض نبيه صلى الله عليه وسلم حتى أكمل هذا الدين ورضيه وأتمَّ به نعمته على هذه الأمة. فكان كتاب الله، وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم هما النبعان الصافيان اللّذان لم يتركا في سبيل الهداية قولاً لقائل، ولم يدعا مجالاً لمشرِّع، العاقد عليهما بكلتا يديه، مستمسكٌ بالعروة الوثقى، ظافرٌ بخيري الدنيا والأخرى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلاَمَ دِيناً) [المائدة:3].
فترك النبي صلى الله عليه وسلم أمته على شريعة بيضاء ناصعة نقية واضحة، قال عنها كما في حديث العرباض: “قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ”( ).
وبقي الصحابة مجتمعين على دين واحد وعلى منهج واحد وعلى عقيدة واحدة، منبعها نصوص الوحيين مما تلقوه من فِيِّ النبي صلى الله عليه وسلم، فلم “يحدث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولا في عهد أبي بكر، وعمر وعثمان افتراق بين الأمة البتة، وما حدث بين الصحابة من اختلاف في بعض المسائل الكبرى -كموت النبي صلى الله عليه وسلم ودفنه، وقصة السقيفة، وحروب الردة، وفي بعض مسائل الأحكام والفرائض- كانت كلها خلافات تنتهي بلا افتراق…” ( ).
كما أخبر صلى الله عليه وسلم بأن هذه الأمة سيقع فيها الافتراق فقال: “إنه من يَعِشْ منكم بعدي فسيَرى اختلافًا كثيرًا”( ).
وقال: “افْتَرَقَتِ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى أَوْ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَتَفَرَّقَتِ النَّصَارَى عَلَى إِحْدَى أَوْ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً”( ).
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم أمته من هذا التفرق فقال: (وَأَنَّ هَـٰذَا صِرٰطِي مُسْتَقِيمًا فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذٰلِكُمْ وَصَّـٰكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [الأنعام:153].
وقال: (وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ. مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) [الروم31-32].
وقال: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [آل عمران:105].
وأمر بالاعتصام بحبله فقال: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) [آل عمران:103].
وحذر صلى الله عليه وسلم من الابتداع في الدين فقال: “إياكم ومُحدثاتِ الأمورِ، فإنَّ كلَّ مُحدثَةٍ بدْعةٌ، وكل بدْعَةٍ ضَلاَلَة”.
ومع هذا التبيان منه صلى الله عليه وسلم ما إن قتل ذو النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه حتى ظهرت الفتنة فوقع ما حذر النبي صلى الله عليه وسلم منه من الابتداع في الدين المفضي إلى الافتراق والابتعاد من منهج خير المرسلين.
وكان من أهم الفرق التي شاقت الله ورسوله فخالفت القطعيات من نصوص القرآن والسنة واتبعت غير سبيل المؤمنين فخرجت عن منهج الإسلام؛ فرقة الشيعة…
وقد كثُر الحديث في الآونة الأخيرة عن موضوع الشيعة وكثر السجال بشأنهم؛ سواء عبر المؤلفات والكتابات، أو عبر المنتديات وصفحات التواصل الاجتماعي والغرف الصوتية، فضلا عن الإعلام المرئي والمسموع…
كثر الحديث عن نشأة هذه الفرقة وعن علاقتها بالإسلام قربا أو بعدا، وعن أصولها وموقفها من أصول الإسلام كالقرآن الكريم والسنة المطهرة، وموقفها من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم وآل بيته وأزواجه أمهات المؤمنين وعن عقيدتهم في الإمامة والغيبة والرجعة والبداء والتقية وما ينسب لهم من مصحف فاطمة… إلخ.
وهل تمَّتَ فرق بين الشيعة القدامى والمعاصرين؟
وهل الشيعة المنتشرون في العالم الآن من الشيعة الاثني عشرية الغلاة أم أنهم أخف منهم وأقرب لمنهج أهل السنة منهم..؟
وما الخطر الذي يشكله هذا المنهج على شباب المغرب وبلدان شمال إفريقيا؟
وما السُبُل الناجعة لتحصين مجتمعنا ضد هذا الفكر؟؟
وما حقيقة ما نسمع عنه من بوادر نشر لهذا الفكر عن طريق ما يسمى “الخط الرسالي” وغيره من التنظيمات؟
كل هذا وغيره سنعرفه بنوع تفصيل عبر هذه السلسلة -إن شاء الله- وذلك بسبر أغوار هذا المنهج والغوص في كتبه ومراجعه المعتمدة عندهم قديما وحديثا مع توخي العدل والإنصاف والموضوعية، دون تأثر بواقع سياسي أو موجة حماسية، أو ردود أفعال متجاوِزة.
ولا شك أن هذا الأمر من الواجب الذي تأثم الأمة جميعها بتركه أو التفريط والتقصير فيه وهو أولى من العبادة القاصر فضلها على صاحبها قال شيخ الإسلام ابن تيمية عليه رحمة الله:
“ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة أو العبادات المخالفة للكتاب والسنة، فإن بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين حتى قيل لأحمد بن حنبل: الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحب إليك أو يتكلم في أهل البدع؟
فقال: إذا قام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه، وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين، هذا أفضل. فبين أن نفع هذا عام للمسلمين في دينهم من جنس الجهاد في سبيل الله، إذ تطهير سبل الله ودينه ومناهجه وشرعته ودفع بغي هؤلاء وعدوانهم على ذلك واجب على الكفاية باتفاق المسلمين، ولولا من يقيمه الله لدفع ضرر هؤلاء لفسد الدين وكان فساده أعظم من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب، فإن هؤلاء إذا استولوا لم يفسدوا القلوب وما فيها من الدين إلا تبعاً وأما أولئك فهم يفسدون القلوب ابتداء..” ( ).
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
يُتبع بحول الله تعالى..