من مساوئ الكبر والعجب

 

 

الكبر والعجب آفتان عظيمتان مهلكتان لصاحبهما، يكفي في الدلالة على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: “لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَن كانَ في قَلْبِهِ مِثْقالُ ذَرَّةٍ مِن كِبْرٍ”. (رواه مسلم).

وفي آفة العجب قال صلى الله عليه وسلم: “ثلاثٌ مُنْجِيَاتٌ، وثلاثٌ مُهْلِكاتٌ: فأما المُنْجِياتُ: فتقوى اللهِ في السِّرِّ والعلانيةِ، والقولُ بالحقِّ في الرِّضَى والسَّخَطِ، والقَصْدُ في الغِنَى والفقرِ. وأما المُهْلِكاتُ: فهوًى مُتَّبَعٌ، وشُحٌّ مُطاعٌ، وإعجابُ المرءِ بنفسِهِ، وهي أَشَدُّهُنَّ”. (أخرجه البيهقي وحسنه الألباني لغيره).

والكبر والعجب يسلبان الفضائل، ويُكسبان الرذائل. وليس لمن استولى الكبر والعجب عليه إصغاء لنصح، ولا قبول لتأديب؛ لأنه يتكبر على الناس بمنزلته، ويُعجب بما يراه لنفسه من الفضيلة. فالمتكبر إذا رأى نفسه في منزلة أعلى من غيره فهل تراه ينتظم في سلك المتعلمين؟ والمعجب إذا كان يرى لنفسه فضلا على الآخرين فهل سيرى نفسه في حاجة إلى الاستزادة من آداب المتأدبين؟.

ولخطورة هاتين الآفتين وما تجلبانه من شرور وآفات على من اتصف بهما كان لزاما بيان بعض ما يترتب عليهما.

أما الكبر فإنه يُكسب صاحبه المقت ويلهي عن التألف ويوغر صدور الإخوان، وحسبك بذلك سوءا عن استقصاء ذمه. ولذلك قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: “إيَّاكم والكِبْرَ”. (رواه الطبراني).

وقال أزدشير بن بابك: ما الكبر إلا فضل حمق لم يدر صاحبه أين يذهب به فيصرفه إلى الكبر.

وحُكي عن مطرف بن عبد الله بن الشخير أنه نظر إلى المهلب بن أبي صفرة وعليه حُلة يسحبها ويمشي الخيلاء فقال: يا أبا عبد الله، ما هذه المشية التي يبغضها الله ورسوله؟ فقال المهلب: أما تعرفني؟ فقال: بلى أعرفك، أوَّلُك نطفة مذرة، وآخرك جيفة قذرة، وحشوك فيما بين ذلك بول وعذرة. فأخذ ابن عوف هذا الكلام فنظمه شعرا فقال:

عجبت من معجب بصورته … وكان بالأمس نطفة مذره

وفي غد بعد حسن صورته … يصير في اللحد جيفة قذره

وهو على تيهه ونخوته … ما بين ثوبيه يحمل العذره

قال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-: من تواضع لله تخشّعا رفعه الله يوم القيامة، ومن تطاول تعظّما وضعه الله يوم القيامة.

وقال محمّد بن الحسين بن عليّ: ما دخل قلب امرىء شيء من الكبر قطّ إلّا نقص من عقله بقدر ما دخل من ذلك، قلّ أو كثر.

ومن آفات الكبر أن صاحبه يكتب في الجبارين، فعن سلمة بن الأكوع- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “لا يزال الرّجل يذهب بنفسه (أي: يتكبر ويترفع) حتّى يكتب في الجبّارين فيصيبه ما أصابهم”. (الترمذي).

والله عز وجل لا ينظر يوم القيامة إلى المتكبرين، فقد ثبت عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: “لا ينظر الله إلى من جرّ ثوبه خيلاء”. (البخاري ومسلم).

وقد مرّ بالحسن البصريّ شابّ عليه بزّة له حسنة فدعاه فقال له: ابن آدم معجب بشبابه محبّ لشمائله. كأنّ القبر قد وارى بدنك وكأنّك قد لاقيت عملك، ويحك، داو قلبك فإنّ مُراد الله من العباد صلاح قلوبهم.

وليس إلى ما يُكسبه الكبر من المقت حد، ولا إلى ما ينتهي إليه العجب من الجهل غاية، حتى إنه ليطفئ من المحاسن ما انتشر، ويسلب من الفضائل ما اشتهر. وناهيك بسيئة تُحبط كل حسنة، وبمذمة تهدم كل فضيلة، مع ما يثيره من حنق ويكسبه من حقد.

وأحق الناس بمجانبة الكبر، ومباينة الإعجاب، مَن جَلَّ في الدنيا قدره، وعظم فيها خطره؛ لأنه قد يستقل بعالي همته كل كثير، ويستصغر معها كل كبير.

قال ابن السماك لعيسى بن موسى: تواضعك في شرفك أشرف لك من شرفك. وكان يقال: اسمان متضادان بمعنى واحد: التواضع والشرف.

وللكبر أسباب: فمن أقوى أسبابه علو اليد، ونفوذ الأمر، وقلة مخالطة الأكفاء. وحكي أن قوما مشوا خلف علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – فقال: أبعدوا عني خفق نعالكم فإنها مفسدة لقلوب نَوكَى الرجال (أي الحمقى). ومشوا خلف ابن مسعود رضي الله عنه فقال: ارجعوا فإنها ذلة للتابع وفتنة للمتبوع.

روي عن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – أنه نادى: الصلاة جامعة، فلما اجتمع الناس صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه – صلى الله عليه وسلم – ثم قال: أيها الناس لقد رأيتني أرعى على خالات لي من بني مخزوم فيقبض لي القبضة من التمر والزبيب فأظل اليوم وأي يوم. فقال له عبد الرحمن بن عوف والله يا أمير المؤمنين ما زدت على أن قصرت بنفسك. فقال عمر – رضي الله عنه -: ويحك يا ابن عوف إني خلوت فحدثتني نفسي، فقالت أنت أمير المؤمنين فمن ذا أفضل منك فأردت أن أعرفها نفسها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *