في ظـلال آيـة إبراهيم الصغير

قوله تعالى: {كلا إن الإنسان ليطغى (6) أن رآه استغنى (7) إن إلى ربك الرجعى (8) أرأيت الذي ينهى (9) عبدا إذا صلى (10) أرأيت إن كان على الهدى (11) أوأمر بالتقوى (12) أرأيت إن كذب وتولى (13) ألم يعلم بأن الله يرى (14) كلا لئن لم ينته لنسفعا بالناصية (15) ناصية كاذبة خاطئة (16) فليدع ناديه (17) سندع الزبانية (18) كلا لا تطعه واسجد واقترب (19)} سورة العلق.

قصة الآية:
كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب الصلاة والسجود لله أمام الكعبة، وكان كفار قريش يعادونه ويؤذونه في صلاته وعبادته، وعلى رأسهم أبو جهل بن هشام الذي كان من أشدهم عداوة له، ولفعله هذا.
فاستكبر وطغى وتجبر بأتباعه وهم بمنع النبي صلى الله عليه وسلم من السجود لله في هذا المقام المبارك ونهاه عن ذلك.
فأنزل الله هذه الآيات، توبيخا وردعا لأبي جهل وفعله الشنيع، وتثبيتا وتوجيها للنبي صلى الله عليه وسلم بمعصية أبي جهل ومواصلة السجود للاقتراب من الله وطاعته.
قال الطبري: ذكر أن هذه الآية وما بعدها نزلت في أبي جهل بن هشام، وذلك أنه قال فيما بلغنا: لئن رأيت محمدا يصلي، لأطأن رقبته، وكان فيما ذكر قد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلي، فقال الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: أرأيت يا محمد أبا جهل الذي ينهاك أن تصلي عند المقام، وهو معرض عن الحق، مكذب به. يعجب جل ثناؤه نبيه والمؤمنين من جهل أبي جهل، وجرأته على ربه، في نهيه محمدا عن الصلاة لربه، وهو مع أياديه عنده مكذب به.
الدروس والعبر المستفادة من الآية:
1- الاستغناء موجب للطغيان عند البعض:
الإنسان عندما تعتريه الغفلة ويستهويه الشيطان، وتحدثه نفسه بالكبر، يطغى وينسب كل ما يفتخر به إلى نفسه وينسى أن ما به من نعمة هي من عند الله، وهذا طريق الضلال المؤدي للهلاك والبعد عن الله، وهنا نتذكر قارون الذي قال: (إنما أوتيته على علم عندي) فكانت النتيجة (فخسفنا به وبداره الأرض) وغيره كثير من الأمم التي طغت وتجبرت فاستحقت عذاب الله وعقابه كما قص علينا القرآن الكريم.
كما أن الاعتراف بفضل الله وإرجاع النعم له سبحانه وشكره عليها طريق الحقيقة المؤدية إلى الحق. وفي هذا ذم للتكبر والكبر وتحذير شديد منه ومن عواقبه من خلال التوبيخ الشديد لفرعون هذه الأمة.
2- جريمة منع الناس من إقامة الصلاة، والدعوة إلى دين الله.
من أعظم الظلم منع المسلم من إقامة الصلاة، وعمارة المساجد، قال تعالى (ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه)، والآية وإن كانت تخص بالذكر أبا جهل ومنعه للنبي صلى الله عليه وسلم من السجود بين يدي الله في بيت الله، فإنها تعم إلى ما دونه بلا شك ولا ريب.
وهي جريمة تجمع بين التعدي على الغير، والتجرؤ على الحق سبحانه والاستهانة بمحارمه.
3- نصرة الله لرسوله صلى الله عليه وسلم:
عن ابن عباس: (قال أبو جهل لئن رأيت محمدا يصلي عند الكعبة لأطأن على عنقه فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال لو فعله لأخذته الملائكة) رواه البخاري.
فنصر الله نبيه وانتصر له بمؤازرته بملائكة من السماء، بعدما استقوى عليه أبو جهل بناديه وأتباعه.
4- استشعار رؤية الله:
فحقيقة العلم بأن الله يرى أعمال العباد ويجازي عليها، هي التي تدفع المسلم إلى الطاعة، وتمنعه من المعصية.
فالله يرانا، مطلعٌ علينا، سميعٌ لما نقول، عليمٌ بما يجول في خواطرنا، وسيجازينا على كل صغيرة وكبيرة.
فما بال كثير منا ينضبط في مكان مراقب بالكاميرات، ولا يستشعر رقابة الله سبحانه.
والخطاب موجه لكل متكبر متمادي في طغيانه، يستفسره ألا تعلم بأن الله يرى تظلمك وسيعاقبك عليه؟
5- عظمة جند الله:
لما هدد أبو جهل النبي صلى الله عليه وسلم بناديه وأتباعه من البشر جاء الرد من السماء بالتهديد بمؤازرة النبي ونصرته بالزبانية وهم ملائكة غلاظ شداد، قال ابن عباس: والله لودعا ناديه لأخذته زبانية العذاب من ساعته، وقد ذكر في وصفهم الشيء الكثير.
فما أعظم جند الله، (وما يعلم جنود ربك إلا هو).
6- لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق:
من الأصول العظيمة في شريعتنا المطهرة أن لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، يرشد إلى ذلك أمره تعالى نبيه بمخالفة نهي أبي جهل عن السجود لله، (كلا لا تطعه واسجد واقترب).
7- السجود باب القرب من الله:
الصلاة عمود الدين، ومكانة السجود فيها مكانة عظيمة، لما فيه من صور العبودية لله، وهو باب من أبواب القرب من الله.
ففي الحديث الصحيح، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء).
ومن الدروس المستفادة من هذه الآيات أيضا، مشروعية السجود عند نهاية هذه السورة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *