تحدث السفير العراقي في الرياض ذات مرة بحرقة ومرارة عن أحد المشاهد التي أصبحت شبه يومية في العراق، حيث صلى شاب خلف عالم من علماء العراق العشاء حتى إذا انتهت الصلاة قابل هذا الشاب الإمام العالم عند باب المسجد، ووضع السلاح (المسدس) على رأسه وقال له: تشهد، بعد ذلك أطلق الرصاص ومضى.
قتل الشاب هذا العالم بعد أن صلى خلفه بل أمره بالنطق بالشهادة قبل أن يقتله، ثم مضى وهو مقتنع تمام الاقتناع أنه قام بعمل يثاب عليه.
نعم .. هكذا أصبحت كلمة: لا إله إلا الله، التي من المفترض أن تعصم الناس من الموت، لا قيمة لها عند هؤلاء، وإن كانت تلك الكلمة تعصم الكافر حين الخوف من الموت، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} (النساء:94) فهذا أمر بالتبين والتحقق في حال الجهاد الصريح والواضح، بل قال شيخ الإسلام ابن تيمية: “ولا خلاف بين المسلمين أن الحربي إذا أسلم عند رؤية السيف وهو مطلق أو مقيد يصح إسلامه وتقبل توبته من الكفر وإن كانت دلالة الحال تقتضي أن باطنه خلاف ظاهره” هذا الكلام عن الحربي المقاتل فكيف الحال بالمسلم!
لا مبرر للقتل، ولا مبرر للغدر، إن منطلقات هؤلاء ليست شرعية أبداً، إنها تنطلق من الهوى والحقد والتأويل الخاطئ للأدلة، واستعمالها في غير محلها، أما المصالح والمفاسد وتقديرها فلا مكان لها لديهم، حتى تغدو كل أدلة الكتاب الكريم والسنة المطهرة في النهي والتحذير والوعيد الشديد لقاتل المسلم لا قيمة لها عند هؤلاء، بل تستخدم الآيات والأحاديث التي تحث على الجهاد في سبيل الله في قتل المسلمين وتبرير الجرائم والتدمير، والنتيجة أن تخوض الأمة المعركة ضد نفسها لا ضد عدوها الحقيقي.
وبدلاً أن تتحد الأمة ضد أعدائها، وتتقوى في مختلف المجالات، لتنهض وتتقدم وترتقي، تغدو أسيرة معارك داخلية تستهلك فيها طاقتها وجهودها الإعلامية والثقافية والتربوية والسياسية والأمنية بل حتى دماء أبنائها.
إننا نحمد الله أن ذلك الفكر المنحرف دخيل على المجتمع، وأن في الناس من الوعي والإدراك ما يكفي لعدم انتشاره بل محاربته والوقوف ضده، إن ما يجري في بعض البلدان حولنا كفيل ببيان ما سيقع إن كانت هذه الفئة – والعياذ بالله – ذات قوة وانتشار، إلا أننا بحاجة إلى المزيد من الجهود التوعوية والتربوية والإعلامية لتعزيز العلم الشرعي والفهم الصحيح للأدلة، وحماية الشباب من مثل هذه الأفكار التي تفتك بالأمة تحت غطاء نصرتها.