يواصل ليوطنا “كلونيل ديرون” عرضه للوضعية التي يوجد عليها المغرب وقته، 1913م:
“هذا السؤال مطروح على المختصين منذ عشر سنوات، بالنسبة لشؤون إفريقيا الفرنسية، المناقشات المثارة عادة في المجلس وفي الصحافة؛ مناقشات القرض للمغرب أعاد الاهتمام بهذا السؤال مجددا بشكل انفعالي كبير في رأينا.
بالتأكيد المسألة لم تطرح مثل ما كان في 1903 مع الأسف، الجميع في فرنسا مجمع على التصريح بأنه ليس هناك أية قوة أوربية بإمكانها الحلول محلنا بالمغرب.
منذ حوالي عشر سنوات تم دخول المغرب عبر ملوية، مثلما وقع لاحقا من الدار البيضاء، التداعيات الناجمة عن قوة الأشياء المتحكمة وقتها، وما صاحب ذلك من ضغوطات، تبلورت في ما جرى بطنجة والجزيرة وأكادير والاتفاقات المتعاقبة بين ألمانيا وإسبانيا وفرنسا.
لفرنسا كامل الحق وعليها واجب العمل بين المغرب والجزائر، في وصل وضم حتمي للبلدين، وجوبا من أجل وقاية وحماية مصالحهما السخية، وتنمية في نفس الوقت للمصالح الاقتصادية للجزائر والمغرب وتونس الممكنة لنا بشمال إفريقيا الفرنسية.
علينا أن نضم فعالية الجزائر للمغرب، بتنظيم هذا البلد الفسيح وجعل ثرواته الطبيعية ذات قيمة في أقرب وقت ممكن.
بعد الحوادث المؤسفة بفاس، الحكومة الفرنسية عينت بالمغرب مقيما عاما بسلطات واسعة.
أواخر ماي 1912 وصل مقيمنا العام فاس في الوقت الذي أخمدت فيه الثورة، في هذه الآونة كان من اللازم مرافقة سرايا وكتائب لقوافل تموين القوات العاملة في مختلف النواحي أثناء تنقلها بين الدار البيضاء وفاس، ليس هذا فقط بل إن الشاوية وقع فيها اضطراب منذ سنة وهي الآن هادئة وصارت ذات قيمة.
بالتأكيد هناك حوادث هامة ظهرت منذ سنة بالمغرب، لكنها وجدت عندنا رجال أكفاء تحت رئاسة الجنرال ليوطي، قادوا عمليات عسكرية بسرعة وحيوية منذ بداية انضمام الجنرال كورو للعملية السياسية، بعد أن احتل سوق أربعاء تيسة مركزنا المتقدم ونحن قادمون من الغرب في اتجاه تازة، هذا المركز المحصن الذي لا يحتاج في الدفاع عنه لمعارك جدية.
لقد أقيم بمركز تيسة قاعدة عسكرية هامة، ومركز تمويني للقوات العاملة في النواحي المجاورة، ومركز إشعاع لنفوذنا السياسي الهادف للتقدم نحو تازة فيما بعد.
من جهة أخرى الجنرال أليكس احتل امسون وأقام بها مركزا لعمليات القوات القادمة من الشرق للتضييق على تازة مثل ما يفعل معها في الغرب، لأن احتلالها ضروري لإقامة ربط فعال بين المغرب والجزائر التي لم يعد سوى مسألة وقت للصبر على تنشيط إتمام مهمتنا في هذا المسعى، الذي يرجع أمر اختيار الوقت السانح لغزو هذه النقطة لمقيمنا العام، فهو الوحيد الذي له أمر تقدير الظرف المناسب الذي يسمح بذلك الاحتلال بأقل إراقة للدماء من هذه الجهة أو الأخرى.
في جنوب المغرب نحو مراكش ظهر حادث كبير تمثل في تركيز الهبة على تجميع حشد كبير من القبائل الغاضبة من نتائج تحركات قواتنا.
الجنوب مختلف تماما عن الشمال، مما يتطلب معه منا القيام بتضحيات جسيمة في الرجال والأموال من أجل احتلال المغرب الجنوبي، الأمر الذي يجعل من ضمه الآن أمرا ثانويا.
لقد ترك دخول منجان لمراكش واحتلالها صدمة قوية في أرجاء المغرب لا تقدر فرنسا قيمتها حق قدرها، ومنذ حلولنا بالجنوب للأبد، لا نريد القول بأنه ليس هناك بعض الثورات التي تقفز فجأة هنا أو هناك، وسيكون من السوء البين عدم معرفة الفرنسيين بالصعوبات التي يطرحها غزو واحتلال واستعمار هذه البلاد منذ أكثر من ثلاثين عاما خلت.
وأخيرا لدينا حادث آخر منذ ثمانية عشر شهرا، ملخصا في أنه في دجنبر 1912م تمت مباغتتنا بدار القاضي، وخلفت لنا خسارة فادحة بلغت 74 قتيلا وعددا مهما من الجرحى، لكن ذلك لم يكن إلا حادثا عارضا ملازما لكل غزو، ولن يكون بوجه آخر، سنرى لاحقا مثله كثيرا بكل تأكيد تماشيا مع ما تعرفه الوقائع الاستعمارية، حيث ترك الإطاليون مثلا في معركة 22 مارس1913 بجبل غريانة الليبي 300 قتيل و800 جريح.
منذ 17 أفريل 1912 فقدنا 400 قتيل و1500 جريح، وبذلت مجهودات ملموسة لتغيير هذه الخسائر لأدنى مستوى.
المهمة المنجزة منذ 18 شهرا بالمغرب واضحة للعيون الأقل تجربة، وكل الأشخاص المتوفرين على رأي مماثل لرأي المقيم العام.
في الوقت الحاضر ليس على الحكومة الفرنسية سوى أن تدعم بكل الوسائل مقيمنا العام لمتابعة وإتمام مهام المصلحة العليا للبلاد.
كيف سنقوم بذلك؟ أن نوافق على المقدرات الكفيلة بإنهاء البقع السوداء الضخمة المشروع فيها تحت إمرته الشخصية، وذلك وفق ثلاثة مستويات وهي:
الثقة والوسائل السياسية، المال الضروري، الموارد العسكرية الضرورية خاصة في الوقت الراهن.
الثقة والوسائل السياسية
الثقة الحكومية لم تنقطع منذ 18 شهرا، وتأكدت من خلال خط سلوك الجنرال ليوطي، وهي نقطة أساسية، لا بد من تسجيلها، ذلك أنه منذ استلام مهامه غيرت فرنسا الوزارة ثلاث مرات، وبقي هو في منصبه.
زيارة ملك إسبانيا لباريس حيث استقبل من قبل رئيس الجمهورية بحضور مقيمنا العام بالمغرب، واطلع على الاتفاق بين البلدين في مباشرة التعاون في مهامهما المشتركة بالنسبة لاحتلال المغرب وجعله ذا قيمة طبقا للاتفاق الدبلوماسي السابق بين البلدين دون خلفيات.
ربما الرأي العام الفرنسي لم يكن متأكدا من فحوى تلك الاتفاقيات وبالضبط مدى فائدتها وقيمتها، لكن الذين تم معاقبتهم بالمغرب من الأهالي والذين هم بالمئات كل يوم تقريبا من قبل عساكر الدولتين (وحسنا فعلوا) يبين تلك الفائدة ويترجم ذلك التعاون.
لقد فهم الأهالي الآن بأنه ليس هناك صراع بين مختلف القوى الأوربية حول المغرب كما كان في الماضي، لذلك سنجني نتائج مبهجة شيئا فشيئا كل يوم بهذا البلد لفائدة الديموقراطية والإنسانية عامة.
في فرنسا ثقة الحكومة والبرلمان والبلد عامة، سيترجم في مناقشة البرلمان للقرض المطلوب من الحماية للمغرب بالموافقة، خاصة وأن عددا من البرلمانيين زاروا المغرب وحرروا تقارير حول سير الحماية، وانتهوا لوجوب وضع كل الإمكانيات رهن إشارة المقيم العام لتنشيط مؤسسات الجمهورية الفرنسية بالمغرب، وتأكيد الثقة في المقيم العام.
المصادر المالية
يبلغ القرض المطلوب للحماية بالمغرب 230 مليونا من أجل الدفع بالمنجزات التي تريد توفيرها في البلد ليحلق بها عاليا، وسيصرف في إقامة عاصمة جديدة بالمغرب في مدينة الرباط حيث المقيم العام، وما تتطلبه من مؤسسات وبنايات، كما سيتم توسيع ميناء الدار البيضاء، إضافة لإنشاء الطرق والسكة الحديدية، وكل ذلك يتطلب مالا، ينبغي وضعه رهن إشارة الإقامة العامة.
الموارد العسكرية
يؤاخذ على المغرب بأنه امتص كثيرا من القوات العاملة في أنحائه، وللرد على هذا الانتقاد نستعرض تلك القوات بالأرقام:
هناك بالمغرب حاليا 85.000 رجل، بينهم 31.000 رجل من القوات الفرنسية، بقي 54.000 رجل توزع كالتالي: هناك 14.000 رجل سنغالي، و7000 رجل مغربي، بقي 33.000 رجل من القوات التونسية والجزائرية، تلك هي عدد القوات العاملة على تطبيق نظرية التهدئة المتبعة من قبل الجنرال ليوطي.
أن ننتقد القوات السوداء عين الخطأ، لأننا دائما نخلط الفعل بالسبب؛ الجنود السنغاليون هؤلاء هم جنود جيدون، لكنهم يتطلبون كثيرا من الأطر الفرنسية من أجل الإسراع في تدريبهم، فإذا كان هنا أحيانا بعض الأخطاء المؤسفة، فذلك راجع للنقص العام في الأطر الذي يحس به في كل القوات وخاصة في قوات الاستعمار، أيضا ضباط صف وضباط، وإذا ما أخذ بعين الاعتبار ما في هذا التقرير، فإن جنود القوات السود سيكونون أحسن بالمغرب.
في الخلاصة نقول: لندع كل المناقشات البيزنطية ونعطي لمقيمنا العام بالمغرب كل ما يطلب، لأن الجميع يضع فيه الثقة، وبحكمته صدقوني أن لديه سرا سهلا وسريعا واقتصاديا لاحتلال كل المغرب”.
(ليوطنا كلونيل ديرون؛ إفريقيا الفرنسية 1913؛ ص:450).