تأديب الأطفال على خلق الأدب مع الله (1) خالد البليهد

من الظواهر السيئة المنتشرة في زماننا ضعف خلق الأدب مع الله سبحانه وتعالى لدى الأطفال ذكورا وإناثا، وهذا ظاهر جدا في تقصيرهم في العبادات الشرعية والأخلاق الدينية والتعامل مع الصالحين وغير ذلك.
ولهذا الخلق السيء مشاهد في واقعنا:
المشهد الأول: كثير من الصبيان يتساهلون في شرط الطهارة، فتراهم يصلون في المدارس والمساجد بلا وضوء، ويتظاهرون بالطهارة أمام أوليائهم.
المشهد الثاني: كثير من الصبيان يأتون للصلاة متأخرين، وإذا دخلوا المسجد اشتغلوا باللعب ولا يدخلون مع الإمام إلا إذا ركع، ومنهم من يلعب وراء المصلين فإذا أوشكت الصلاة على الانتهاء دخل معهم وتظاهر أنه صلاها كاملة مع الجماعة، ومنهم من يتحدث ويضحك مع صاحبه إذا كان في الصلاة.
المشهد الثالث: بعض الصبيان ينشغلون ويضحكون أثناء قراءة القرآن واستماعه في حلقات التحفيظ، ولا يلزمون الأدب الشرعي في الاستماع والإنصات إلى كلام الله، وإذا أخطأ أحد الطلاب ضحكوا عليه وتندروا به، وإذا مرت آية لم يفهموا معناها ضحكوا، وهذا من سوء الأدب مع أشرف كلام في الوجود.
المشهد الرابع: استخفافهم واستهزاؤهم بمظاهر الصلاح وزي الصالحين، فإذا شاهدوا رجلا ملتزما بإعفاء اللحية وتقصير الثوب سخروا منه ووصفوه بالألقاب السيئة وقالوا فيه النكت، والله المستعان.
المشهد الخامس: بعض الأولاد والبنات لا يعظمون الأذان، فتراهم يرفعون صوت الأغاني والمنكرات -مع حرمتها في كل وقت- أثناء قيام المؤذن بالأذان، ولا يقيمون وزنا لنداء الرحمن.
المشهد السادس: كثير من الأولاد يسب المسلمين ويلعنهم لأتفه الأسباب، واللعن والكلام الفاحش يجري على لسانه كشرب الماء.
المشهد السابع: إهانة المصاحف وكلام الله في الكتب المحترمة بإلقائها والعبث بها في الممرات داخل المدارس وخارجها بعد الفراغ من الامتحانات.
وهذه التصرفات تظهر من الولد والبنت لضعف أدبه الشرعي وتقصير ولي أمره في تربيته، ولو كان تلقى عنه الأدب الشرعي ونشأ على احترام الله وتوقيره وتعظيمه لما صدرت تلكم التصرفات منه.
إن هذه الأخطاء الجسيمة والآثام العظيمة يشترك في المسؤولية عنها كل من له ولاية على الأولاد من الأسرة والمدرسة، وإن كان المسؤول الأول هو الأب والأم، فلو أن الصبي شاهد أباه وأمه منذ الصغر وهما يعظمان الله ويوقرانه ولا يصدر منهما قول أو فعل يسيء إلى الله عز وجل لأصبح الولد متأدبا مع الله ومعظما لشعائره ومراعيا لحقوقه وحريصا على طاعته؛ وكثير من الآباء الصالحين يهمل هذا الجانب عند أولاده اعتمادا على دَور المدرسة والمسجد، فيضيع الولد وتصبح هويته فاسدة وثقافته منحرفة.
إن لتساهلنا الشديد في تربية الطفل على تعظيم الله وإجلاله آثار سيئة في المستقبل، إذ ينشأ في المجتمع المسلم جيل مستهين بعظمة الله، ومجترئ على حرمات الله، ومضيع لحقوق الله، ومتقبل لمظاهر الإلحاد والمذاهب المنحرفة؛ وهذا أمر مشهود للعيان في بعض المجتمعات التي شاع فيها -والعياذ بالله- سب الله تبارك وتعالى، وسب الدين في البيوت والأسواق والأعمال، وتقام فيها الحفلات الماجنة علنا من غير نكير، مع أنها تنتسب للإسلام، وهذه نتيجة حتمية لكل مجتمع تساهل في تربية أولاده وبناته على الأدب مع الله عز وجل، ولهذا قال العالم المربي ابن القيم: «من أهمل تعليم ولده ما ينفعه وتركه سدى فقد أساء إليه غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم لهم وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه» (تحفة المودود بأحكام المولود، ص: 229).
يتبع..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *