تعدد الزوجات أم تعدد الخليلات، أيهما أفضل؟ معزوز عبد الحق باحث في العلوم الشرعية

إن من الموضوعات الخصبة ومن القضايا المفتعلة التي يثير من حولها خصوم الإسلام -من العلمانيين والفرنكوفونيين والشيوعيين المدسوسين في بنية المؤسسات الرسمية والحزبية- الريبة والتشويه، قضية تعدد الزوجات، إذ يجدون في ذلك مرتعا غنيا ووترا رنانا يعزفون عليه نغماتهم الشيطانية بما يثير عواطف نساء متزوجات ويذكي فيهن روح الغيرة التي فطرت فيهن، ويحولها إلى حقد وبغض لحكم شرعي ثبت به النص القرآني والتواتر العملي بما لا يدع مجالا لمتأول أو جدالا لمتقول، ولذلك أحببت أن أتناول الموضوع بالبيان إعذارا إلى الله وتنبيها لإخواني وأخواتي في الله وذودا عن حياض شرع الله.
إن شريعة الإسلام لا يمكن أن تحل للناس شيئاً يضرهم، كما لا تحرم عليهم شيئاً ينفعهم، بل الثابت بالنص والاستقراء أنها لا تحل إلا الطيب النافع، ولا تحرم إلا الخبيث الضار. فكل ما أباحته الشريعة لابد أن تكون منفعته خالصة أو راجحة، وكل ما حرمته الشريعة لابد أن تكون مضرته خالصة أو راجحة، وفي إباحة التعدد من المصالح ما لا يخفى إلا على من قصر نظره وقل فقهه وضعف فهمه، أو ساءت طويته وفسدت سريرته، وفيما يلي البيان بما يسمح به المقام:
أولا: ليعلم أن تشريع التعدد كان شائعا في عامة الأديان والملل التي سبقت الإسلام، فلم يكن الإسلام أول من شرع هذه الشرعة، إذ الرسالات السماوية قبل الإسلام أباحته، ويكفي في إثبات ذلك أن نذكر أن العهد القديم الذي يؤمن به اليهود والنصارى يقر بأن إبراهيم عليه السلام كان متزوجا من ثلاث زوجات (سارة، هاجر، قطورة) وأما يعقوب عليه السلام فكان متزوجا من الأختين (ليئة وراحيل) والأمتين (زلفة وبلهة). ويذكر الكتاب المقدس أن داود عليه السلام كان له سبع زوجات، وابنه سليمان عليه السلام كانت له سبع مائة زوجة من السيدات وثلاث مائة من السراري فالتعدد مشروع في شرائع التوراة ومن غير ضوابط ولا شروط.
وقد بلغت الدعوة إلى إباحة التعدد مبلغا عظيما عند مفكري الغرب وعلمائه، وبخاصة بعد أن عانت أوربا من نقص شديد في عدد الرجال نتيجة للحربين العالميتين التي قتل فيهما أكثر من ثمانية وأربعين مليون رجل، وكذلك لانتشار الفواحش والزنا وزيادة عدد اللقطاء، حتى تظاهرت النساء مطالبات بالزواج بالمناوبة بين المتزوجات والعانسات.
ثانيا: إن التعدد كان شائعا أيضا عند العرب من غير ضوابط، فكان لبعضهم عشر زوجات، فقد أسلم غيلان بن سلمة الثقفي وتحته عشرة نسوة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: خذ منهن أربعا.
وعن قيس بن الحارث قال: أسلمت وعندي ثمان نسوة، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت ذلك له، فقال: اختر منهن أربعا. فالتعدد موجود قبل الإسلام وإنما جاء الشرع بضبطه وتحديده.
ثالثا: إن الشريعة قد أجازت التعدد وأباحته ولم تفرضه وتوجبه وتلزم الناس به إلزاما، وإن الذي يستطيع أن يعف نفسه بزوجة واحدة فله ذلك، وإن تناول الموضوع من قبل خصوم الإسلام وكأنه شعيرة من شعائر الإسلام، وواجب من واجباته، أو على الأقل مستحب من مستحباته، هو في الحقيقة نوع من الضلال أو التضليل، إذ الأصل الغالب أن يتزوج المسلم بامرأة واحدة تكون سكن نفسه، وأنس قلبه، وربة بيته، وموضع سره. ثم ما بال أدعياء الحرية الشخصية يعترضون على حرية من يرغب في التعدد، أو من ترغب في أن يتزوج زوجها بثانية وثالثة… على وفاق وتراض بينهما!
رابعا: إن حركة التعري التي تلتهم نارها اليوم الأخضر واليابس في المجتمعات المسلمة، والتي تشكلت على وفق الموضات والصيحات الإعلامية المتفجرة في معابد الشيطان في كل مكان، هذه الحركة تولد طغيانا شهوانيا جارفا وإباحية وتسيبا وانفلاتا وفوضى قيمية وأخلاقية من غير إحساس بوازع أو حساب، لا يطفئ نارها إلا أحد خيارين لا ثالث لهما:
_ إما أن يصير الواقع والمجتمع إباحيا تعمه الفوضى الجنسية حيث العهر والفواحش، من غير قانون يصد ذلك ولا أعراف ولا قيم، فلا حاجة للتعدد حينئذ.
_ وإما أن يقر التشريع الإسلامي الملائم للفطرة البشرية والذي يراعي طبائع الناس على اختلافها وتفاوتها ولا يخالفها في شيء من ميولاتها الذاتية ومركباتها الخلقية، فيرخص بالتعدد ويسمح به ويباح وفقا لما شرعه الله الحكيم العليم الخبير.
خامسا: إن تعدد الزوجات في الشرع الإسلامي ليس مجرد شهوة عابرة أو رغبة جامحة، بل هو مزيد من المسؤولية التي يجب على الزوج القيام بها والوفاء بكل متطلباتها المالية والاجتماعية والإنسانية.
سادسا: إن واقعية الإسلام في إباحة التعدد لم تخل بمثاليته في التشريع، فقد حدده الشرع بأربع زوجات فقط حتى يقدر الرجل على الوفاء بحقوقهن، وسيج هذه الشرعة وزانها بجملة من الآداب والضوابط التي تلزم المنصف بتبرئة الإسلام من مسؤولية الممارسات الخاطئة التي يقع فيها بعض المعددين الذين لم يتأدبوا بآدابه ولم يلتزموا بأحكامه.
وإن الخطأ في التنزيل والتطبيق والتنفيذ لا يلزم منه خطأ المبدأ والحكم والأصل. وإلا لألغينا كل الأحكام الشرعية تبعا لتصرفات أفراد وجماعات لم توت الحكمة التي تمثل حسن التنزيل في أرض الواقع حتى يحقق كل حكم حكمته ومقاصده.
سابعا: أليس من فقه الأولويات تشريع التعدد بدلا من زيادة نسبة الطلاق التي يشهدها العالم الإسلامي، فماذا يصنع من رغب في التعدد لمرض لحق زوجته أو عجز أصابها، أو عقم كان أو نزل بها، أو لفرط شهوته وخشيته على نفسه من الفاحشة… أو غير ذلك من الأسباب، فالزواج بأخرى أولى من طلاق الأولى وتشريدها، وأولى من العلاقة المحرمة وغير الشرعية. إن تعدد الزوجات يغلق الباب أمام تعدد العشيقات والخليلات الذي صار يجتاح المجتمعات الإسلامية، وما أيسر هذا عن ذاك، إذ لا تبعات ولا نفقات ولا مسؤوليات، والمحفوظ من حفظه الله تعالى.
ثامنا: هلا تساءلت هذه المنظمات الحقوقية والجمعيات النسائية والهيئات الحزبية والسياسية التي تنادي بمنع تعدد الزوجات عن مصير آلاف بل مئات الآلاف بل الملايين من الأرامل والمطلقات والعوانس ممن يرغبن في الزواج، ويعانين الحرمان بكل أنواعه، وإلا كن ضحايا يتصيدهن كل من لا هم له إلا قضاء وطره وشهوته، مستغلا في ذلك ما قد يكن فيه من ظروف قاسية عجاف من العوز والوحشة والفقر والفاقة، ولم لا ما يعانينه من الرغبة والشهوة.
إن النظرة المنصفة إلى الحكم المستفادة من تشريع تعدد الزوجات في الإسلام يحمل ذوي الضمائر والعقول السليمة على الرضا بحكم الله والتسليم لشرعه. إلا أن المثقفين بغير ثقافة الإسلام من مستشرقين ومستغربين لا يعبؤون بكل ما ذكر من حكم ومقاصد، ولا أجد من سبب يحملهم على جحود الموقف الإسلامي من المسألة إلا أنهم وجدوا البديل عن ذلك كله وهو الإباحية والفوضى الجنسية التي انسلخت فيها الطبائع من كل ضوابط الدين والأعراف والتقاليد، فجنحت النفوس إلى قضاء الشهوة في بيوت الزنا والمراقص والخمارات، بل في كل مكان.
وهي تنادي بالحريات الشخصية والمنظومة الحقوقية الكونية التي لا تجرم شيئا من ذلك إذ تعتبره ضربا من التصرف الشخصي المباح ما دام الأمر قد تحقق في غير قسر ولا إكراه أو اغتصاب…
وهذا كله اجتراء على شرع الله وعلى المنطق السليم، وتلويث للفطرة الإنسانية السوية، وإيغال فظيع في غياهب الدنس والعار والعهر والفاحشة.
فبالله عليكم أيهما أفضل تعدد الزوجات أم تعدد الخليلات؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *