أسس الصحة النفسية في القرءان الكريم د. إبراهيم والعيز. باحث في الدراسات الإسلامية

القرءان الكريم كتاب الإسلام الخالد، وهو كتاب هداية وإرشاد، من قرأه بتدبر وتأمل يجده يطرق ويعالج موضوعات متنوعة، ومن بينها؛ موضوع الصحة في بعديها البدني والنفسي.
غير أن المسلمين لما تنزل بهم مصيبة أو يحل بهم بلاء نجدهم يجربون لعلاج ذلك كل التجارب والوصفات رغم تكاليفها المكلفة في الكثير من الأحيان، ويغفلون عن تجربة وصفات الذكر الحكيم والسنة المطهرة بالرغم من كونها مجانية لا مقابل يؤدى فيها، وأن مفعولها الإيجابي مضمون إن تم احترام ضوابط وشروط تطبيقها، لأن الله سبحانه وتعالى هو الخالق، وهو الخبير بمن خلق وبخباياه واحتياجاته وبما يصلح شأنه وحاله. قال الله تعالى: (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) .
ولما نعود إلى المرض النفسي الذي قد يصاب به الإنسان في مراحل عمره المبكرة، نجد الإسلام في نصوصه يوليه عناية خاصة، ويقدم مقترحات لعلاجه، إن لم تكن هي العلاج الأنجع فهي على الأقل تبقى واحدة من المقاربات والوصفات الفعالة لعلاج الأمراض النفسية، وتحقيق السعادة للإنسان كيفما كان مستواه العمري والثقافي والاجتماعي.
وفي القرءان الكريم آية عجيبة في باب تحقيق الصحة النفسية وعلاج أمراض النفس، وتحقيق الصلاح للإنسان في الحال والسعادة في المآل، وهي قوله تعالى: (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) . نلاحظ في الآية أن الحياة الطيبة في الدنيا والتي يؤول معناها إلى نشاط في النفس يصيبها ويعطيها القوة والحيوية والسعادة هي أثر أو نتيجة لأساسين اثنين:
-1- الإيمان القوي بالله، وهو الاعتقاد الجازم أن النافع والضار والمدبر لشؤون الخلائق كلها من البداية إلى النهاية هو الله وحده لا شريك له. قال الله تعالى: (وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم) ، والإيمان بهذا المعنى، تستخلص منه جملة من القواعد كلها تسعف الإنسان المسلم على أن يتغلب على مختلف الوساوس والهموم التي هي أصل الأمراض النفسية، ومن تلك القواعد:
* الرضى بقضاء الله وقدره خيره وشره، هذا الرضى يجعل حياة الإنسان المؤمن متأرجحة بين الصبر على النقم والشكر على النعم. كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له” . والصبر في موطنه والشكر في مكانه خلقان دالان على التوازن النفسي والاعتدال السلوكي.
* الاعتماد على الله والتوكل عليه وحده سبحانه وتعالى، فهو وحده قاضي الحوائج ومفرج الكروب والهموم عن عباده المصابين والمبتلين، وقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم هذه القاعدة لما طلب مولاه في حديث صحيح أن يتولى تفريج همومه وكروبه، واستعاذ به من ذلك فقال؛ “اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والبخل والجبن وضلع الدين وغلبة الرجال” . لأن الإنسان كما نعلم ضعيف يحتاج إلى المساندة، ولا سند لضعفه سوى التوكل على الله والاعتماد عليه في السراء والضراء.
-2- العمل الصالح، وهو الأساس الثاني وهو مبني على الأساس الأول، وميزانه أن يكون موافقا لشريعة الإسلام، وشرطه؛ قصد وجه الله تعالى عند أدائه والقيام به.
وإذا حقق الإنسان في حياته أساسي الإيمان والعمل الصالح تحقق له الوعد الإلهي وهو أن يحييه الله حياة طيبة، ويشهد لهذا قول ربنا سبحانه: (فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا) ، وقوله جل في علاه: (ومن يعش عن ذكر الرحمان نقيض له شيطانا فهو له قرين) . ومن العمل الصالح المحقق للصحة النفسيه:
* مجاهدة النفس وتربيتها وحملها على فعل الصالحات وترك السيئات. قال تعالى: (قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها) .
* تقوى الله عز وجل واستحضار مراقبته والخشية منه والاستعداد للقائه. قال الله تعالى: (ومن يتق الله يجعل مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب) .
* المواظبة على الذكر وقراءة القرءان الكريم والدعاء. قال تعالى: (الذين ءامنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب) ، وقال سبحانه؛ (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض) .
* التوبة والرجوع إلى الله، والإقلاع عن جميع الذنوب والمعاصي، ذلك أن الله تعالى ربط في محكم كتابه الفلاح وهو آية الصحة النفسية بالتوبة والرجوع إليه فقال: (وتوبوا إلى الله جميع أيه المؤمنون لعلكم تفلحون) .
* الصبر ومواجهة مشكلات الحياة الدنيا بالمرونة واللين، مع زرع الآمال في النفس واستحضار العفو الإلهي للتغلب على اليأس والقنوط. قال تعالى: (قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميع إنه هو الغفور الرحيم) .
انتهى المقصود والمراد، وعلى الله الاعتماد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *