قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} .
إن عدة الوفاة هي الفترة الزمنية التي شرعها الله بعد زواج انتهى بوفاة الزوج، والمتوفى عنها زوجها اختصها الله تعالى بأربعة أشهر وعشر لحكم جليلة نجملها فيما يلي:
1- إظهار الحزن والتفجع على الزوج بعد الوفاة اعترافا بالفضل والجميل لمن كان شريكا في الحياة، واحتراما للرابطة المقدسة (رابطة الزواج).
2- معرفة براءة الرحم حتى لا تختلط الأنساب بعضها ببعض فالجنين يتكون في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم أربعين يوما علقة، ثم أربعين يوما مضغة، كما دل على ذلك الحديث الصريح الصحيح، فهذه مائة وعشرون يوما، ثم تنفخ فيه الروح بعد هذه المدة، فزيدت العشر لذلك، وقد سئل أبو العالية، لم ضمت العشر إلى الأربعة أشهر؟ فقال: لأن الروح فيها تنفخ.
ولقد كانت العدة في الجاهلية حولا كاملا، وكانت المرأة تحد على زوجها شرّ حداد وأقبحه، فتلبس شر ملابسها، وتسكن شر الغرف وتترك الزينة والتطيب والطهارة، فلا تمس ماء، ولا تقلم ظفرا، ولا تزيل شعرا، ولا تبدو للناس في مجتمعهم، فإذا انتهى العام خرجت بأقبح منظر، وأنتن رائحة، فتنتظر مرور كلب لترمي عليه بعرة احتقارا لهذه المدة التي قضتها، وتعظيما لحق زوجها عليها.
روى ابن جرير الطبري عن أم سلمة رضي الله عنها، أن امرأة توفي عنها زوجها، واشتكت عينها، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم تستفتيه في الكحل فقال لها: “لقد كانت احداكن تكون في شر أحلاسها ، فتمكث في بيتها حولا إذا توفي زوجها، فيمر عليها الكلب فترميه بالبعرة، أفلا أربعة أشهر وعشرا؟!” .
فلما جاء الإسلام أصلح هذه الحال، وبين سنن وآداب الحداد وما ينبغي للزوجة فعله أو اجتنابه داخل العدة. وبيان ذلك في النقط الآتية:
– تحد المرأة على زوجها المتوفى مدة العدة وهي (أربعة أشهر وعشرا) ويجوز لها أن تحد على قريبها الميت ثلاثة أيام، ويحرم عليها أن تحد عليه فوق ذلك، لما روي في الصحيحين عن زينب بنت أم سلمة قالت: “دخلت على أم حبيبة حين توفي أبو سفيان (أبوها) فدعت أم حبيبة بطيب فيه صفرة خلوق وغيره فدهنت منه جارية ثم مست بعارضيها، ثم قالت: والله مالي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر: “لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا” .
– تترك المرأة (المتوفى عنها زوجها) الزينة، والتطيب، والخضاب، والتعرض لأنظار الخاطبين، ولا تخرج من بيت زوجها إلا لضرورة.
– يجوز لها الجلوس في كل مكان في البيت، والاجتماع مع النساء والمحارم من الرجال.
أما نساء المسلمين اليوم فلا يسرن على هدي الإسلام في الحداد، فقد ابتدعن للعدة بدعا ما أنزل الله بها من سلطان، ومن بين هذه البدع:
– المبالغة في الحداد، والنوح والندب والبكاء.
– الخروج على المألوف من العادات، في اللباس والطعام والشراب، فمنهن من تخصص لنفسها لباسا معينا يلبس في أوقات محددة وينزع في أوقات محددة ويغسل وينظف في أوقات محددة مرتين أو أكثر في الأسبوع كيوم الثلاثاء والسبت. ومنهن من تخصص لنفسها مجلسا معينا في البيت لا يجلس فيه غيرها.
– ومنهن من تغتسل في المكان الذي غسل فيه زوجها المتوفى.
– ومنهن من تمر تحت نعش زوجها حين يحمل ويشيع، وغير ذلك من المحدثات والأباطيل.
– ومنهن من تغتسل عند انتهاء عدتها، وتغتسل بعد غسلها كل شابة تريد الزواج. وغير ذلك من البدع والمحدثات.
ولا سبيل لإصلاح هذه العادات القبيحة في الحداد إلا بالعودة لأحكام الشرع بالحداد ثلاثة أيام على القريب، وأربعة أشهر وعشرا على الزوج، وجعل الحداد مقصورا على ترك الزينة والطيب والخروج من المنزل إلا لضرورة، فالخير في الاتباع والشر في الابتداع.