عفوا؛ لكنك أخطأت يا فقيهنا المقاصدي أحمد الريسوني، حينما لم يأت كلامك موافقا لمن حضَر (آخر ساعة)، ولمَّا لم تكشف لمن يترصدون كلاماتك ليضعوها مبتورة في (كـُشك) عن عقلية متنورة تعلي من (من شأن قيم الاجتهاد والتفتح والانفتاح والتسامح والوسطية والاعتدال..)!!!
فلماذا لم تقل لهم أن (أحكام الإسلام ليست صالحة لكل زمان ومكان) ؟!
لماذا لم تعلن كغيرك أن (الحجاب عادة اجتماعية وليس عبادة)؟!
لماذا لم تطعن في منظومة الأحكام الشرعية وتصرح للعالم أجمع أنها تبيئ للفكر الداعشي المتطرف؟!
لماذا لم تطالب بإصدار قانون تجريم التكفير لتصادر الأقوال وتحجر على الهيئات والأشخاص؟!
لماذا لم تبح لهم التبضُّع من المتاجر التي تبيع الخمور للمسلمين وغير المسلمين؟!
لماذا أغلقت أمام وجوههم باب حرية الإجهاض وحمَّلتهم تبعات نزوات جنسية عابرة؟!
لماذا نغصت عليهم متعة الرقص واللهو والمجون في “موازين”؟!
لماذا خالفتهم ولم تتماهى مع طرحهم في مراجعة مقررات التربية الإسلامية؟!
لماذا لم تطاوعهم وتشارك معهم في ندوات (مؤمنون بلا حدود) ورفضت أن يدخل الدرهم الإماراتي إلى جيبك الضيق؟!
لماذا لم تجز لهم الاشتغال في مؤسسة أعلن منشؤها قبل مسيريها أنه جاء لمحاربة الإسلاميين، وقلت أنها أداة للتشويش والبلبلة؟!
عفوا فقيها المبجل؛ إنك إذ لم تفعل كل ذلك؛ ها هم قد غضبوا عليك، واجتمعوا على حربك، وأباحوا دمك، وسمحوا لأنفسهم أن يرموك بأقذع الأوصاف، وأشنع الصفات، ويلبسوك تهما جاهزة، فصرت بالنسبة لهم (النموذج الأبلغ تمثيلا لشيوخ التطرف والظلام والتخلف) الذي (يمارس التضليل والكذب “على عينيك آبن عدي”)، وصاحب التحريض المباشر والعلني على “التكفير” و”القتل”. ومن (تجار الدين) أيضا، و(سدنة التخلف والظلام، المنشغلين بالعهر والمؤخرات وتعدد الزوجات وزواج القاصرات وختان الإناث ورضاعة الكبير وبول البعير)!
وأكثر من ذلك فأنت صرت عندهم (فاجر.. مضل.. مفتري.. ملبس.. كذاب.. مطرود من رحمة الله.. ومنافق بلغة الفقهاء)؛ لا الأدباء أو الشعراء أو الكتاب والصحفيين.
لكن لحظة رجاء؛ ألم يسبق لهذا المنبر ومن يسيره أن أعلنوا أنهم ضد صيحات التكفير والتضليل؟ ألم يعلنوا أنهم جاؤوا لمناقشة الأفكار وأنهم بعيدون عن التعرض للأشخاص؟ ألم يعلنوا أنهم جاؤوا لمخاطبة العقول وليس شيئا آخر؟
فلماذا إذا وصفوا نائب رئيس اتحاد علماء المسلمين بـ(15) تهمة حداثية -حسب قولهم- و(7) تهم شرعية خطيرة، بلغت درجة وصف الريسوني بالمنافق المطرود من رحمة الله!!! (يا رب السلامة..).
فالمنافق في الدرك الأسف من النار، ومعلوم من خلال نصوص القرآن والسنة أنه سيلقى عقوبة تفوق عقوبة الكافر، فهذا اتهام أخطر من التكفير، وتحريض واضح على القتل والاغتيال، خاصة وأن الميلشيات اليسارية لم تمض سوى شهور على عمليتها الأخيرة والتي أجهزت من خلالها على الطالب عبد الرحيم الحسناوي رحمه الله تعالى.
لم أكن أعرف شخصيا أن الدكتور أحمد الريسوني يملك كل هذه القوة، وأن باستطاعته تحريك كل وسائل الإعلام لمجرد بضع كلمات يقولها أو موقف يتخذه، فمجرد إبداء رأيه حول منبر صحفي؛ قامت منابر كثير وكأنها كلها مؤسسة (آخر ساعة)، وربما هي كذلك وأنا (فدار غفلون)!!!
المشكل فيما يقع اليوم؛ أن هذه المنابر ما فتئت تصدع رؤوسنا كل مرة بضرورة النقد والشك؛ وفتح النقاش وطرح الأسئلة الملحة حول قضايا الواقع؛ لكن الظاهر أن هذه الأسئلة لا يحق أن تطرح -بالنسبة لها- سوى في اتجاه واحد وهو التشكيك في مسلمات الدين ومنظومة التشريع والأخلاق الإسلامية وما يلحق ذلك من أمور، وأما غير ما ذكر من القضايا من قبيل التساؤل حول مطالب تبديل حكم الله تعالى في تقسيم التركة (الإرث)، وخطر سب الله ورسوله وازدراء الدين والشرائع، والطريقة التي تجب بها مراجعة مقررات التربية الإسلامية، وإفرازات المنظومة العلمانية وخطرها على الفرد والمجتمع مثلا؛ فهذا “طابو” بل هو ثابت من ثوابت العقيدة عندهم، يحرم مسه أو حتى القرب منه.
وأظن أن هذا التناقض الصارخ بين التنظير والممارسة انحراف؛ بل داء عضال وورم خبيث؛ قد يأتي على هذا المنبر من أساسه كما أتى على منابر كثيرة من قبله.
هذي مخايِلُ رَعْدٍ خَلْفهُ غَرَقٌ – – – إشعالُ نارِ افتتانٍ خَلْفَها لَهَبُ