السياسة والدين تكامل لا اجتزاء خالد اشعيب

من الناس من يرى أن الخوض في السياسة ذنب لا يغتفر، وزلة لا ترتحم. ومن الأقوال الجارية على اللسان، الضاربة في سقف الأخطاء، قول بعضهم أن السياسة ليست من الدين في شيء، مستثنيا بذلك أعظم ما قام به الأنبياء والرسل، وهو الدعوة إلى عبادة الله لا شريك له، يشرع الأحكام ليحقق بها مصالح الأنام، لتكون لهم طريقا وسبيلا في دنياهم قبل أخراهم، متى تمسكوا بها فازوا، ومتى نبذوها وراء ظهورهم خسروا وخابوا.
ومن جملة أحكامه ما اصطلح عليه عند ذوي الفن بالحدود والعقوبات والمعاملات، فإنها من جملة الأحكام السياسية التي لا ينكرها عاقل ولا فاهم.
ومن اعتقد أن الدين محصور في المسجد والعبادة فقد غوى، ولم يوتى من الدين إلا التقليد الأعمى، واتبع مذهب أصحاب الهوى، من العلمانيين والحاقدين على المصطفى -صلى الله عليه وسلم-.
وبعض الناس لمرض في نفوسهم، ولحقد يسري في دمائهم، ساروا في إثبات كل ما راج في أسواق العالم المتحضر، زاعمين أن ذلك خدمة جليلة، وكأن الإسلام جاء يتيما لن يتقوى إلا في حضن الأمم الغربية، ولذلك وجدنا من المسلمين من يساند مختلف المذاهب الظلامية.
إن الإسلام بأعمدته المتماسكة، وفروعه المتشابكة، قادر على مواجهة الأمم المتكالبة، رغم ضعف أفراده، وتآمر أعدائه، واتحاد مخالفيه، هذا موعود رسولنا -صلى الله عليه وسلم-.
ومن أهم أسباب النصرة سد باب الفردية الهدامة، فلا يتعدى الفرد بمصلحته الخاصة، بحيث يكون ضارا للجماعة ومصلحتها العامة، كما هو معروف في مذهب الشيوعية، ووريثة سرها العلمانية. فغاية الفرد هي غاية الجماعة بعينها، ففرض الله للفرد واجبات تتعلق بالجماعة، فيظهر التوافق.
عندما نتخلص من هذه الفردانية نكون في حالة أفضل لا محالة؛ لأن الخلاص الفردي وحده غير كاف في ديننا، بل ديننا رمزه الخلاص الجماعي؛ وقد تواترت في ذلك أدلة كثيرة من الوحيين، منها قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه..” الحديث.
ومن يرى أن الشريعة جاءت لإخراج المكلف عن داعية هواه حتى يكون عبدا لله اختيارا كما هو عبد له اضطرارا”، يدرك ذلك. وهذه المقولة للإمام الشاطبي، تحمل ما تحمله من معان الحرية والكرامة والتخلص من سجن الشهوات والملذات.
فأحكام الله كلها لصالح العباد في الدنيا والآخرة، ولذلك كل من اعتقد الحرية في غير أحكامه فقد أخطأ، وعليه بمراجعة المفاهيم قبل إطلاقها، فكثير من يعتقد أن التحرر من قيود الدين حرية، والأمر بخلاف ذلك لأنه:
1) ظلم نفسه وتعدى عليها لأن مآلها الخسران.
2) غلب مصلحته على مصلحة الدين، لأن ما تعيشه الأمة الآن من تشتت سببه اتباع الهوى.
3) صلاح مجموع الأفراد صلاح للأمة وفسادهم فساد لها.
4) ظلم الأمة بفساده؛ فإن فساده سيصيب أفرادها لا محالة.
فمن ينظر إلى الأمور بهذا الميزان يدرك قيمة نفسه، بعيدا عن تحقير الذات والأفعال، وبعيدا عن إطلاق أحكام القيمة، دون إدراك عواقبها ومآلاتها الفاسدة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *