المخالفات الشرعية في مقررات اللغة العربية في التعليم الثانوي التأهيلي -3- ذ. محمد هرماش

بينت في الجزء الثاني من هذه السلسلة جوانب من المزالق العقدية المتواترة؛ كالسخرية بدين الإسلام وأهله وشرائعه. ووعدت بعرض نماذج للتصريح بالإلحاد مثلما نقرأ في قول المجاطي، في ختام تحليله لقصيدة “الدارة السوداء” التي ختمها صاحبها بعبارة (آه لا أدري ولكني أصلي)، يقول المجاطي: (هل نفهم من صلاة الشاعر أنه سلم أخيرا بجدوى الحل الميتافيزيقي؟ الواقع أن الإيقاع الشعوري والفكري للقصيدة يتنافى مع هذا التفسير، لاسيما بعد أن أعلن الشاعر أن الله قد مات [تعالى الله عما يقول الظالمون] وأن المسيح المخلص وخمرته المباركة لاوجود لهما على هذه الأرض) (ظاهرة الشعر الحديث، ص92).
وفضلا عن هذه الباقعة التي اقتحمها هذا الجاهل العربيد، عامله الله بما يستحق، في قوله: إن الله مات، فإنه يسيء إلى نبي الله عيسى، عليه وعلى نبينا السلام، في ترويج عقيدة الخلاص الصليبية، وفي إضافة الخمر، أم الخبائث، إليه، وحاشاه.
ومن إساءتهم إلى الأنبياء أيضا قول بلند الحيدري، في قصيدة عن القدس، (النجاح في اللغة العربية ص170):
ما أكثر الغزاة الذين سقطوا تحت أسوارك.
الملك داود.
ابنه سليمان.
ثم قورش…
ولكنك بقيت تلك المدينة التي هي أكبر من التاريخ.
أما هم… الفاتحون والقتلة والمجرمون فما زالوا.
أسرى جرائمهم في التاريخ.
فجعل الخبيث داودَ وسليمان، عليهما وعلى نبينا السلام، من المجرمين والقتلة.
وعلى هذا النحو كتب أمل دنقل قصيدة بعنوان: “مقابلة خاصة مع ابن نوح”؛ ذلك الذي كفر بربه، واعتصم بالجبل، وأبى أن يركب في السفينة. لكن الشاعر يعدّه بطلا، يرمز للنضال. بينما يرمز “صاحب السفينة” -وليس لها صاحب إلا نوح عليه وعلى نبينا السلام- للظلم والاستبداد، ولم يركب معه إلا الجبناء والمغنون والمُرابون وراقصة المعبد وعشيق الأميرة … ( الممتاز في اللغة العربية ص97).
ويلازم ماسبق غالبا ترويج العقائد الخرافية، كعقيدة الخلاص، وقد مرت معنا، في مقطع سابق. وعقيدة صلب المسيح، يقول المجاطي: (يهمنا من هذا المقطع، أن نشير إلى قوة الحياة التي يتمتع بها المسيح المصلوب) (ظاهرة .. ص160).
وعقيدة الفداء: (على أن الفداء يشمل شخص المسيح نفسه، الذي يؤكد أن حياته بعد الصلب ستكون أخصب وأعظم من حياته قبله) (ظاهرة ..ص161).
ويلازمه أيضا: تلميع المنحرفين من المنتسبين إلى أمة الإسلام، كما في قصيدة “عذاب الحلاج للبياتي، يصفه فيها بأنه مظلوم، وخصومه: السلطان المستبد وشهود الزور. وفي أثنائها يشيد بعقيدته في الحلول والاتحاد:
(ونِمتُ ليلتين
حلمتُ فيهما بأني لم أعد لفظتين
توحدتْ
تعانقتْ
وباركتْ ـ أنت أنا
تعاستي
ووحشتي…) (النجاح .. ص.148)
وبعد، فهذه نتف يسيرة، مما تضج به مؤلفات التعليم الثانوي التأهيلي ومقرراته، في المدارس المغربية. وقد يحتاج استقصاؤها وتتبعها إلى بحث أوسع، وأكثر تفصيلا… وفيما ذكر غنية تقوم بها الحاجة.
ومحال أن يكون هذا التواتر والإصرار في حشد صنوف الرذائل والمنكرات، وأقاويل الشرك والكفر؛ محال أن يكون على جهة الغفلة وعدم القصد. وإنما هي كما أسلفت، خطة مقصودة لغاية معلومة. فأي شيء تكون هذه الغاية؟
الغاية هي الترويج لفكرة “الحداثة”
لن يكون عسيرا أن نتبين أن الغاية المنشودة من وراء هذا كله هو: “تقليد” “الحداثة” الغربية وليس لمعنى كلمة تقليد إلا مدلولها السلبي، خاصة حين يرتضيه من يعُدون أنفسهم “نخبة مثقفة”. دليل ذلك أن صاحب “الحي اللاتيني” أقام روايته على المقابلة بين الشرق بإيمانه وشريعته وبين الغرب بإلحاده وإباحيته. فكان على طول الرواية يكيل السباب والشتائم لثقافة الشرق، ويعلن الانبهار والإعجاب بثقافة الغرب. كما هو واضح من قول أحدهم (أليس هو فتى من الشرق العربي؟ إنها رواسب أجيال طويلة من الحرمان والكبت والخوف من المرأة، تشده إلى ماضيه وتقاليده!) (ص.88)
وكذلك فعل طه حسين في المقارنة بين الأزهر والسوربون، وبين مصر وفرنسا كما في (ص.123ـ124 ) لكن ما مفهوم الحداثة عند القوم؟
ما أكثر ما كتب الحداثيون العرب في تعريفها، غيرأن كثيرين منهم تواطأوا على الغموض وتعمية الكلام وإطالته وليه. فيجهد القارئ نفسه ثم لا يخرج بعد العناء بفائدة ترضيه. كما في نص “رأي في الحداثة” للجابري (واحة اللغة العربية ص85) ونص “الحداثة في الفكر العربي” لمحمد برادة ( منار اللغة العربية ص8).
ومن أوضح ما كتب في هذا الشأن، مقال نَقل فيه بعضهم عن كاتب أوربي يقارن فيه بين “الإنسان المتديّن” و”الإنسان غير المتديّن” أي: الحديث والمتحرر، والذي لم يحقق حريته إلا بعد أن قتل الإلـه الأخير. في هذا المقال يرى الكاتب أن (( الطريق إلى الحضارة: ـ حضارة البعد الواحد [التي لا تومن إلا بالمادة] ـ …يمر عبر النموذج الأوربي، و”يتعمّد” به، فهو النموذج المحتذى الذي تمكن من محاصرة الإلـه الأخير وأعلن موته. وبذلك شهد السبيل إلى الحرية والتقدم. وسرعان ما يبدأ المثقفون العرب أبطال الإيديولوجية الثورية .. بكتابة الوصفات العلاجية للتخلص من هذا الداء العظيم ـداء التدين- لمحاصرته ومنع انتشار عدواه. وذلك في إطار التبشير باتجاه مجتمع مُعلْمن ينحي الدين وتجلياته من الحياة بكل أبعادها…) (تركي علي الربيعو، مجلة الوحدة س.الخامسة، ع.60 سبتمبر1989 ـ صفر1410 ص37).
وبهذا المعنى يصرح أدونيس: (إن كثيرا من الاتجاهات الفكرية الحديثة التي تدعو إلى فصل الدين عن السياسة والسلطة، تقوم على بنية فكرية مغلقة: فهي ترفض الدين الإلـهي، لكنها تحل محله دينا آخر وضعيا) (الشعرية ..ص96) فهو يرى أن بنية الفكر العربي السائد.. تتناقض جذريا مع الحداثة) (ص98).
ولايتناقض مع دين الله (الإسلام) إلا الكفر؛ فهو معنى الحداثة باختصار. وليست هي إلا قناعا تجميليا خادعا له.
إن الحداثة عند القوم دين وضعي يجب إحلاله محل الدين الإلـهي الذي يتحتم القضاء عليه واجتثاثه من الحياة. لهذا لا يستحيي “أدونيس” عندما يصفها بأوصاف لا تصدق إلا على الوحي، يقول: (إن الحداثة زمانية ولازمانية في آن: زمانية لأنها متأصلة في حركية التاريخ.. ومتواصلة في تطلع [الإنسان] وتجاوزه. ولازمنية لأنها رؤيا تحتضن الأزمنة كلها… إنها عمودية..) (الشعرية العربية، ص116) ومعنى هذا أن الحداثة فوق التاريخ؛ غير خاضعة لأبعاد الزمان والمكان. فهي عند أدعيائها “صالحة لكل زمان ومكان” وهذه كلمة لا تصدق عند المسلمين إلا على الوحيين.
إذا عرف أن هذا هو الهدف من وضع تلك المناهج الدراسية، بما حوته من المخالفات المتكاثرة لأصول الشريعة وفروعها، فقد زال العجب، وبان المقصود حينئذ. والله المستعان.
لكن كيف يروج الحداثيون لأفكارهم؟ هذا مانعرفه في اللقاء القادم بحول الله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *