يعد موضوع التعلم في القرآن، موضوع ذو باع طويل، لكن أهمية دراسته ومعرفة سبله وأساليبه؛ مهم جدا في الاستفادة منه في الواقع العملي المعيش خصوصا وأنه مستوحى من المنهج الرباني الذي لا يدخله التحريف ولا التزييف.
ودراسة الإنسان لمثل هذه المواضع من القرآن تشكل لديه وعيا حقيقيا عن مدى أهمية دراسة القرآن الكريم من جميع جوانبه؛ خصوصا وأن منزله هو القائل {ما فرطنا في الكتاب من شيء}، ذلك أن هذا القرآن هو منهج حياة، منه ننطلق، وإليه نعود في جميع مناحي حياتنا.
الآيات المؤسسة للنظام التعليمي التعلمي في القرآن الكريم:
- قال الله تعالى بعد بسم الله الرحمان الرحيم {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ } [العلق].
- قال تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ 33}[البقرة].
- وقال سبحانه: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر].
- وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة] .
- {وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً} [طه،114].
- ويقول الحق جل في علاه: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا، وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ، وَالْأَبْصَارَ، وَالْأَفْئِدَةَ، لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: 78].
- وقال عز وجل: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا} [الإسراء:85].
أولا: طرق وأساليب نظرية التعلم في القرآن الكريم
لنظرية التعلم طرق وأساليب كثيرة في الكتاب، لكن أهمها يرجع إلى ما يلي:
- التعلم بالتدرج والتدريج: وهذه الطريقة هي أفضل طريقة في التعلم القرآني؛ بحيث إن القرآن في بداية نزوله كان ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم حسب الحوادث تدريجا وتدرجا؛ ليسهل على الناس حفظه، وفهمه، وتطبيقه.
ويجب أن ينتقل هذا اللون من التعلم إلى جميع العلوم لتكون عملية التعلم سهلة سلسة، ويقول العلامة ابن خلدون: (اعلم أن تلقين العلوم للمتعلمين إنما يكون مفيدا إذا كان شيئا فشيئا وقليلا قليلا…)[1]. ليكون الأمر أسهل وأفيد على المتعلم، وليتدرج من الأسهل إلى السهل، ومن السهل إلى الصعب، ومن الصعب إلى الأصعب، حتى حصول الملكة.
- التعلم بالتقليد والمحاكاة: من ذلك مثلا قول الحق جل في علاه: {فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ} [المائدة،31]. فهذا غراب علم قابل دفن أخيه هابل عندما لم يجد ما يفعل به عندما قتله. قال سيد قطب: (وتقول بعض الروايات: إن الغراب قتل غراباً آخر، أو وجد جثة غراب، أو جاء ومعه جثة غراب، فجعل يحفر في الأرض، ثم واراه وأهال عليه التراب.. فقال القاتل قولته. وفعل مثلما رأى الغراب يفعل..[2]. أي: قلده ليتعلم منه.
- التعلم بالمحاولة والخطأ: من ذلك مثلا: قوله سبحانه: {يريدون أن يخرجوا من النار وماهم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم} [المائدة، 37].
- التعلم بالتكرار: ومن ذلك مثلا قول الحق تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (27) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (28) يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (29) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (30)} [الرحمان]. والتكرار عملية من عمليات ترسيخ المعلومة؛ إذ بالتكرار يسهل الحفظ والفهم ولا بد للمدرس أن يكرر أحيانا المعلومة لترسخ في ذهن المتعلم.
- التعلم بالقدوة والأسوة الحسنة: حيث جاءت رسالتنا السماوية خاتمة الرسالات ومحمد صلى الله عليه وسلم هو بدوره خاتم النبيئين {مَا كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ”} [الأحزاب: 40]. ونحن المتبعين له يجب علينا أن نقتدي به في أفعاله وأقواله وتقريراته، تعليما وتعلما؛ انطلاقا من قول الحق سبحانه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب:21].وهنا ينبغي للمتعلم أن يقتدي بأستاذه إن كان كفئا أما إذا لم يكن كذلك فلا.
——————————————-
[1] مقدمة ابن خلدون ص: 684، دار الفجر للتراث، القاهرة، ط:الأولى، 1425هـ / 2004م، تحقيق: حامد أحمد الطاهر.
[2] في ظلال القرآن لسيد قطب ج:2، ص: 877.