الالتزام الملكي الصريح والمتكرر بالوقوف عند الحلال والحرام، يحتم على كل المسؤولين في الدولة -سواء كانوا تشريعيين أو تنفيذيين أو قضائيين- أن يراعوا أحكام الشريعة ولا يتجاوزوها، لأنهم جميعا يمثلون جلالة الملك أمير المؤمنين، ويتصرفون باسمه..
في إطار الحديث عن تعديل مدونة الأسرة، والتوجيهات الملكية في هذا الشأن، ينتقد لادينيون المادة 400 من المدونة والتي تنص على أن: (كل ما لم يرد به نص في هذه المدونة، يرجع فيه إلى المذهب المالكي والاجتهاد الذي يراعى فيه تحقيق قيم الإسلام في العدل والمساواة والمعاشرة بالمعروف)، وذلك بدعوى أن الفقه اجتهاد بشري، مطالبين بالمقابل بضرورة الرجوع إلى ما صوت العقل والمواثيق الدولية التي وقع عليها المغرب.
وجوابا على هذا الكلام، أوضح الدكتور أحمد الريسوني أن المادة تحيل على المذهب المالكي وعلى الاجتهاد، بمعنى أن الاجتهاد موجود ومنصوص عليه فيها، هذا أولا.
وثانيا المذهب المالكي هو أوسع المذاهب في الاجتهاد وأصوله وقواعده. فالإحالة عليه هي إحالة أخرى على الاجتهاد الانتقائي من فقه المذهب، وعلى الاستفادة من أصوله وقواعده الاجتهادية الواسعة. ومعلوم أن هذه المادة كانت تنص في “مدونة الأحوال الشخصية” على الرجوع إلى المشهور أو الراجح من المذهب، فأصبحت الآن تحيل على المذهب فقط، أي دون هذا التقييد والتضييق. فإذن هذه المادة في توسعة وكفاية.
وفي ذات السياق شدد الرئيس السابق للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في تصريح للسبيل بأن الارتهان والاستسلام للمواثيق الدولية والتبعية العمياء لها، شأنُ العاجزين المفلسين، ممن ليس لهم شخصية ولا هوية ولا اجتهاد ولا فكر.
وجوابا على ما نصت عليه مضامين الخطاب الملكي بالوقوف عند النصوص القطعية وعدم تجاوز ما هو حلال صريح أو حرام صريح، مع فتح باب الاجتهاد ومقاصد الشريعة.. أوضح الفقيه المقاصدي أن هذا التزام ملكي صريح ومتكرر، يحتم على كل المسؤولين في الدولة – سواء كانوا تشريعيين أو تنفيذيين أو قضائيين – أن يراعوا أحكام الشريعة ولا يتجاوزوها، لأنهم جميعا يمثلون جلالة الملك أمير المؤمنين، ويتصرفون باسمه. فالاجتهاد التشريعي والقضائي والتنفيذي، يجب أن يكون في دائرة الشريعة، وألا يحل ما حرمته ولا يحرم ما أحلته.
وحول مطالب الفصيل اللاديني بتغيير نظام الارث أوضح الريسوني أن نظام الإرث يجب أن يكون فيه اجتهاد متجدد فيما هو اجتهادي منه، أما ثوابته وقطعياته فينطبق عليها الالتزام الملكي الذي ذكرناه آنفا.
وأقول بصراحة ووضوح: الطائفة العلمانية اللادينية تريد محو كل شيء فيه إسلام وقرآن وتراث لإسلامي، والإتيان بكل شيء مضاد للإسلام وشريعته.
وعلق الفقيه المغربي على الأرقام المخيفة المتعلقة بارتفاع نسب الطلاق وتدني معدلات الزواج، بقوله:
مشكلة ارتفاع الطلاق وانخفاض الزواج ليست مشكلة خاصة بالمغرب، والأسباب أيضا ليست خاصة بالمغرب..
لعلكم تذكرون أحد البهائم، ويقال له فنان، حين سئل هل سيتزوج؟ فقال: ما دام الحليب متاحا في كل مكان، فلماذا أقتني بقرة؟!
فأولا: هناك حرب عالمية – ثقافية إعلامية قانونية – ضد الأسرة وضد الزواج الشرعي وضد التعايش الزوجي والترابط العائلي.
وثانيا: إشاعة الزنى والشذوذ ومختلف العلاقات الجنسية المحرمة، تصب في تدمير الأسرة. ولعلكم تذكرون أحد البهائم، ويقال له فنان، حين سئل هل سيتزوج؟ فقال: ما دام الحليب متاحا في كل مكان، فلماذا أقتني بقرة؟!
وثالثا: تعقيد متطلبات الزواج قانونيا واجتماعيا يعيق بناء الأسرة ويدفع نحو مزيد من العنوسة وحياة العزوبة.
نحن في أمس الحاجة إلى حملات تثقيف وتكوين وتوعية شاملة دائمة، لنشر ثقافة الزواج الشرعي، وثقافة الأسرة والتعايش الأسري، ولترسيخ الوعي بالأهمية القصوى التي تجسدها الأسرة في مجتمعنا.
وأنا أعطيكم مثالا واحدا: ويتعلق بالمغاربة المهاجرين، السبب الوحيد والفعال الذي يربط هؤلاء المغاربة ببلدهم، ويجعلهم يحنُّون إليه، ويترددون عليه، ويحولون أموالهم ومدخراتهم إليه، ويستثمرون فيه، هو العلاقات والارتباطات العائلية..؛ هو الأب والأم، والزوجة، والأولاد، والنسيب والنسيبة، والأشقاء، والجد والجدة..
فأي خسارة اقتصادية واجتماعية ستصيب المغرب لو تلاشت واندثرت هذه الروابط؟