حواري مع صديقي الأعرابي ربيع السملالي

* سألتُ أعرابيًا أناخَ بمطيّه قرب بيتي يَلتمسُ زادًا يتبلّغ به في سفره غير القاصد: إلى أين تريد يا أعرابي ؟ فقال:
بلغني أنّ عالمًا عظيمًا عبقريًا بأرض الكِنانة المسلمة لا يعرف قيمته كثير من الدّهماء، يُدّرس البلاغة والإعجاز وله تواليفُ أوفى فيها على الغاية، اسمه الدكتور محمد محمد أبو موسى، وقد أقسمت أن أشدّ إليه الرّحال، وأضرب في سبيله كبدَ هذه النَّاقَة، لأسمع منه وأقبّل رأسه ويده تبرّكا بما منحه الله من علوم وفنون وآداب!.. وأرجو أن يجيزني في كتابه العِلْقِ النّفِيس (الإعجاز البلاغي)!
*****
* قلتُ لأعرابي مَحّضني نصحًا ولا تبالغ!
فقال بعدما مسّدَ لحيته المُهملة: عليك بكتاب (العلم الشّامخ في إيثار الحقّ على الآباء والمشايخ).
فقلت منفعلا: لمن هو جُعلتُ فِداك: فقال: لمولانا صالح بن مهدي المَقْبِلي!
قلت: زدني متّع الله أهلك ببقائك!
فقال: ارشُق أعداءَكَ بابتسامةٍ واتبعني!
*****
* قلتُ لأعرابي: ما رأيك في هذه الرسائل العلمية التي أصبحت تعجّ بها المكتبات بتجليد فاخر وورق أنيق؟
فابتسم ساخرًا وقال: مجرد قَص ولصق يا فتى.. ثمّ إنّ شخصية الكاتب غائبة تمامًا في أغلب هذه الرسائل!
*****
* قال لي صديقي الأعرابي: هل تعلم أنّ العلاَّمة عبد السلام هارون رائد فن تحقيق كتب التراث في عصرنا هو ابن خال الأستاذ الكبير محمود شاكر، وأخو زوجة الشّيخ العلاَّمة محمد محيي الدّين عبد الحميد؟!
فقلت: أعلم ذلك مُذ أميطَت عنّي التّمائمُ ونِيطَت بي العمائمُ، وضربت من الأدب بسهم!
*****
* قلت لصديقي الأعرابي اسمح لي أن أسألك أيضًا سؤالا مشابهًا لسؤالك!
فقال: هات ولا تُمْعِن في اختباري فليس لي من الأدب وأخبار أهله ما يجعلني أجيبك عن كلّ سؤال!
فقلت مبتسمًا: هل تعلم أنّ زوجة الأديب البارع مصطفى صادق الرّافعي هي أخت الأديب الكبير شارح ديوان المتنبي،وشارح ديوان حسان، وشارح تلخيص المفتاح، وصاحب كتاب الذخائر والعبقريات وصاحب مجلة البيان التي كان يكتب فيها عباقرة الأدب كالعقاد والمازني وشكري.. وغيرهم!
فقال الأعرابي: جُعِلْتُ فِداك عمّن تتحدّث يا فتى؟
فقلت واثقًا من نفسي: إنّه الأستاذ المُتفَنّن عبد الرحمن البرقوقي رحمه الله!
فحكّ الأعرابي رأسه وقال: وَيْحِي!
*****
* قال لي صديقي الأعرابي بعض الشباب يبحثون عن مقالات الرافعي المجهولة التي جمعها صديقك وليد كسّاب، وأغلبهم لم يقرأ مقالات الرافعي المعلومة في وحي القلم..!
فرفعت عيني عن كتاب كنت أنظر فيه ثم قلت: أقبل على شأنك وابقَ صامتًا!
فقال: أعتذر إليك..
*****
* قال لي الأعرابي: عِظْني فإنّي راغب في الوصول إلى المعالي، وَإِنِّي أحمل في صدري همّ هذه الأمّة التي تداعت عليها أمم الكفر من كل حدب وصوب؟
ففتحت له كتاب مسلكيات إبراهيم السكران ص:13، وقرأت عليه ما يلي:
(معالي الأمور، والطموحات الكبرى، في العلم والتّعليم والتأليف والإصلاح والتّغيير والنهضة بالأمّة لا تكشفُ وجهها لك، حتى تَمسح العرَقَ عن جبينك بيدٍ ترتعش من العناء)!
*****
* قلتُ لأعرابي: كيفَ وجدتَ مقالتي عن عبقرية الجاحظ؟ فقال: جيدة في العموم.. لكن ضقت بك ذرعًا حين وصفته بفساد العقيدة!
*****
* قلتُ لأعرابي: لماذا تعشق القراءة وتنفق أكثرَ وقتك في سبيلها!
فقال: لأنّ القراءة لا تخلو من مفاجآت!
*****
* قيل لأعرابي كم كتابًا ألّفتَ؟ فقال: تعاملتُ مع ناشر من ثلج فلما جاء الصّيفُ ذاب!
*****
* وجدتُ صديقي الأعرابي واجمًا جالسًا القُرفصاء، وواضعًا يده على خده.. فسألته ما خبرُك يا صاح!.. فقال ضاقت بي السبيل وكدت أتميّز من الغيظ ؟ فقلت: ويحك وما ذاك؟ فقال: بسبب هذه الرسائل التي لا تنقطع كل يوم من بداية هذا الشهر الفضيل.. حتى كدت أضمر شرا لأصحابها وأعجل لهم بالحظر والحجب، ولكن للأسف فيهم من ذوي القرابة وأهل القبيلة ما يجعلني أحجِم عن ذلك!..
فقلت: أوَ فعلوها معك أيضا! فاسمع مني: قبل يومين راسلتني صبية من صبايا حِمْيَر تريد مناقشتي في الفتاة التي التقاها الأصمعي ذات مرة فقالت له وكانت تحمل في يدها قِربة: يا عمّ أدرك فاها غلبني فوها ولا طاقة لي بفيها! تقول الصبية هل هذه الفتاة كانت مسلمة، فإذا كانت مسلمة فلماذا تركها والدها تسقي وتنطلق في هذه الطرقات لتصطدم بالرجال! وكانت الساعة قد تجاوزت الثانية صباحا حين راسلتني هذه الدّفنسُ الخرقاء وكنت متكئًا فجلست، ثم كتبت لها: لعل لها أبا شيخًا كبيرًا كما كان الرجل الصالح المذكور في سورة القصص إن كنت قرأت شيئا من القرآن!.. فلم تحِر جوابًا..ثم قالت: طيب هل تنصحني بكتاب (حياة الحيوان الكبرى) للدّميري؟ قلت لها طبعا أنصح به وَبكتاب (البِغال) للجاحظ و(عجائب المخلوقات) للقزويني!..
*****
* قلتُ لصاحبي الأعرابي احكِ لنا شيئا طريفًا نقطع به طريقنا إلى المسجد لصلاة التراويح..
فتفكّر قليلاً ثمّ قال:
لقد كان هنالك في ضاحية تطوان فلاح يعيش مع حماره الذي يحبّه، ولمـّا تُوفي الحمارُ دفنَه صاحبه وظلّ يزوره كلّ يوم ويبكي على قبْره. وحينما رآه النّاس على هذه الحال، ظنّوا أنّ الدّفين وليّ حقّا. فبنوا له قبّة وأسسوا زاوية وجعلوا لها (مقدّما) يشرف على أخذ الهبات والصّدقات. ولمّا جاء صاحبنا لزيارة حماره وجدَ الأمور قد تغيّرت. وبجانب القبر أموال كثيرة. حاولَ أخذها ولكن (المقدّم) نهرَه قائلا: كيف تجرؤ على أخذ مال (السّيد) ألا تخشى غضبَه ولعنتَه؟ وعبثًا حاول الرّجل أن يقنعَ (المقدّم) بأنّ الدّفين حيوان وليسَ بولي وبالتّالي فهو أحقّ بأخذ المال. وبعدَ أخذ وردّ ومناقشات طويلة تمّت عملية نبش القبر وظهرت الحقيقة!
*****
* قال لي أعرابي وأنا منهمك في كتابة مقالة جديدة: مَهْ! قد خرج علينا مرّة أخرى المغامسي، ليقول إنّ الشيعة إخوانه وهم مسلمون لاشك في ذلك! وها قد عرّض نفسه لما لا تحمد عقباه فجعل رواد تويتر يجلدونه ويقصفونه ما وسعهم القصفُ!
اللهم رحمتك نرجو لهذا الأمة التّائهة!
فقلت له: إذا كنت ترجو بقائي إلى جانبك فلا تخبرني بمثل هذه التّفاهات مرة أخرى!
فقال: أبشِر!
*****
* قلتُ لأعرابي: مَن أسوأ مَن رأيتَ في عصرنا الحاضر؟
فقال: رجل تخلَّى عن دينه ومبادئه مخافةَ أن يقال عنه أصولي، إرهابي، رِجعي، ظلامي، وهابي!
قلتُ: ومن النِّسَاء؟
قال: امرأة عنايتها بأظافر رِجليها أكثر من اعتنائها بكتاب رَبِّهَا!
*****
* قال لي أعرابي: بعضُ النِّسَاء كطبعات الكتب التّجاريّة الرّديئة تغريك بمظهرها وزينتها الخارجية، ولا تكتشف أخطاءها وعيوبها إلا بعد مرور الأيام وتعاقب اللّيالي!
*****
* رأيتُ صديقي الأعرابي ضئيلَ الجسم ضعيفَ البِنْيةِ قصيرًا كأنّه جرولُ بنُ أوس!.. فقلت له في ذلك بعدما ألقينا عصا التّجوال بعد يوم حافل بالتّعب!
فأنشدني:
تراه من الذّكاء نحيفَ جـسـم…وعـلـيه من تـوقّـده دلـيـلُ
إذا كان الفتى ضخمَ المعالي…فليس يضرّه الجسمُ النّحيلُ!
******
* قلتُ لأعرابي ما هي أمنيتك يا صاح؟.. فقال مبتسما كاشفًا عن أسنان شّوه بياضَها دخّانُ الكيف:
(إذا تمنّيتُ بِتُّ اللّيلَ مُغتبِطًا…إنّ المنى رأسُ أموال المفاليسِ)!
*****
* وجدتُ صديقي الأعرابي يتمشى في طرقات المدينة متفكّرًا فسألته: لم أرَك اليوم في المسجد، فما خطبك؟
فقال مستشهدًا بقول أحدهم: (أفضِّلُ المشيَ في الشّارع وأفكّر في الله، على أن أجلسَ في المسجد أفكّر في حذائي)!‬
*****
* قلتُ لصديقي الأعرابي كم صديقًا لديك؟
فقال: (لا أعلم، فالدّنيا مقبلة عليّ، والمال كثير، وإنّما أعرف ذلك لو زالت عنّي هذه الخيرات)!
*****
* الأعرابي اليوم أبى أن يحدّثني.. يفكّر طول الوقت في إخوانه الأعراب الذين خذلوا هذه الأمّة!
*****
* ما كتبته عن الأعرابي فهو حوار مُتخيَّل بارك الله فيكم..وهي سلسلة لي طويلة!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *