“مَن صَلَّى الصُّبحَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ”

قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لأن أشهد صلاة الصبح في جماعة أحب إلي من أن أقوم ليلة. “الاستذكار” (2/147)

قال صلى الله عليه وسلم: (وَلَو يَعلَمُونَ مَا فِي العَتمَةِ وَالصُّبحِ لَأَتَوهُمَا وَلَو حَبوًا) البخاري ومسلم.

روى مسلم (657) عن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن صَلَّى الصُّبحَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ، فَلا يَطلُبَنَّكُمُ اللَّهُ مِن ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ فَيُدرِكَهُ فَيَكُبَّهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ).
قال النووي في “شرح مسلم” (5/158): “الذِّمَّة هنا: الضمان، وقيل الأمان” انتهى.
قال الطيبي رحمه الله: “وإنما خص صلاة الصبح بالذكر؛ لما فيها من الكلفة والمشقة، وأداؤها مظنة خلوص الرجل، ومنه إيمانه؛ ومن كان مؤمنا خالصا فهو في ذمة الله تعالى وعهده” شرح مشكاة المصابيح، للطيبي (2/184).
وفي المراد بالحديث قولان للعلماء:
الأول: أن يكون في الحديث نهي عن التعرض بالأذى لكل مسلم صلى صلاة الصبح، فإن من صلى صلاة الصبح فهو في أمان الله وضمانه، ولا يجوز لأحد أن يتعرض لِمَن أمَّنَه الله، ومن تعرض له، فقد أخفر ذمة الله وأمانه، أي أبطلها وأزالها، فيستحق عقاب الله له على إخفار ذمته، والعدوان على من في جواره. انظر: فيض القدير للمناوي (6/164).
ويدل لهذا المعنى ما رواه الطبراني في “المعجم الأوسط” (4/5) بسنده، وقال الألباني عنه في “صحيح الترغيب” (1/110): صحيح لغيره:
عن الأعمش قال: كان سالم بن عبد الله بن عمر قاعدا عند الحجاج، فقال له الحجاج: قم فاضرب عنق هذا، فأخذ سالم السيف، وأخذ الرجل، وتوجه باب القصر، فنظر إليه أبوه وهو يتوجه بالرجل، فقال: أتراه فاعلا؟! فردَّه مرتين أو ثلاثا، فلما خرج به قال له سالم: صليت الغداة؟ قال: نعم. قال: فخذ أي الطريق شئت، ثم جاء فطرح السيف، فقال له الحجاج: أضربت عنقه؟ قال: لا، قال: ولِمَ ذاك؟ قال: إني سمعت أبي هذا يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن صَلَّى الغَدَاةَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ حَتَّى يُمسِيَ)!!
والقول الثاني: أن يكون المقصود من الحديث التحذير من ترك صلاة الصبح والتهاون بها، فإن في تركها نقضا للعهد الذي بين العبد وربه، وهذا العهد هو الصلاة والمحافظة عليها.
قال البيضاوي: “ويحتمل أن المراد بالذمة الصلاة المقتضية للأمان، فالمعنى: لا تتركوا صلاة الصبح ولا تتهاونوا في شأنها، فينتقض العهد الذي بينكم وبين ربكم، فيطلبكم الله به، ومن طلبه الله للمؤاخذة بما فرط في حقه أدركه، ومن أدركه كبه على وجهه في النار، وذلك لأن صلاة الصبح فيها كلفة وتثاقل، فأداؤها مظنة إخلاص المصلي، والمخلص في أمان الله” انتهى. نقلا عن “فيض القدير” (6/164).
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن فضيلة الدخول في ذمة الله تعالى وجواره، المذكورة في هذا الحديث، إنما تثبت لمن صلى الصبح في جماعة؛ ولذلك بوب عليه النووي رحمه الله في تبويبه لصحيح مسلم: باب فضل صلاة العشاء والصبح في جماعة، وسبقه إلى ذلك المنذري رحمه الله، فذكر الحديث في كتابه: الترغيب والترهيب، باب: (الترغيب في صلاة الصبح والعشاء خاصة، في جماعة، والترهيب من التأخر عنهما).
بل إن هذا هو ظاهر صنيع الإمام مسلم؛ حيث روى قبل الحديث نحوا من عشرين حديثا، وبعده بضعة عشر حديثا، كلها تتحدث عن صلاة الجماعة، وما يتعلق بها.
ولذلك أورده الحافظ عبد الحق الأشبيلي في الجمع بين الصحيحين له، في باب: صلاة الجماعة (923).
واعتمده المباركفوري في شرح الترمذي. قال: “(من صلى الصبح) في جماعة”. انتهى. وقال ابن علان في دليل الفالحين (3/550): “أي: جماعة، كما في رواية أخرى”.
ويشهد لهذا التقييد -من حيث الرواية- حديث أبي بكرة رضي الله عنه: (من صلى الصبح في جماعة فهو في ذمة الله…) قال الهيثمي رحمه الله (2/29): رواه الطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح، وقال المنذري في الترغيب: “ورجال إسناده رجال الصحيح”، وقال الألباني: صحيح لغيره. انظر: صحيح الترغيب، رقم (461).
تنبيه: هذه الزيادة اعتمدها المناوي أيضا، ونسبها إلى مسلم. وهو وهم منه، فزيادة (جماعة ليست في مسلم، بل ولا في شيء من الكتب الستة).
وقيل: إن هذه الفضيلة تحصل لكل من صلى صلاة الصبح في وقتها، حتى ولو لم يدرك الجماعة، لعدم التقييد بذلك في رواية مسلم وغيره من أصحاب الكتب الستة.
وهذا هو الظاهر من تبويب ابن ماجة رحمه الله على هذا الحديث في سننه: باب: المسلمون في ذمة الله، من كتاب الفتن.
وعلى ذلك -أيضا- ابن حبان في صحيحه (5/36): “باب ذكر إثبات ذمة الله جل وعلا للمصلي صلاة الغداة”، هكذا بإطلاق المصلي.

ثانيا: الجماعة الشرعية التي جاء الأمر بها وترتيب الأجور عليها هي جماعة المسجد، وليست أي جماعة أخرى.

وفي خصوص فضل صلاة الصبح في جماعة جاءت بعض الأدلة:
فقد جاء في تفسير الطبري (3/270) في تفسير قوله تعالى (وَالمُستَغفِرِينَ بِالأَسحَارِ) عن زيد بن أسلم أنه قال: هم الذين يشهدون الصبح في جماعة.
وفي تفسير قوله تعالى: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُم عَنِ المَضَاجِعِ يَدعُونَ رَبَّهُم خَوفًا وَطَمَعًا) السجدة/16 قال أبو الدرداء والضحاك: صلاة العشاء والصبح في جماعة. انظر “زاد المسير” (6/339)
وفي صحيح مسلم (656) من حديث عثمان رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَن صَلَّى العِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصفَ الَّليلِ، وَمَن صَلَّى الصُّبحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى الَّليلَ كُلَّهُ).
وروى البخاري (615) ومسلم (437) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وَلَو يَعلَمُونَ مَا فِي العَتمَةِ وَالصُّبحِ لَأَتَوهُمَا وَلَو حَبوًا).
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لأن أشهد صلاة الصبح في جماعة أحب إلي من أن أقوم ليلة. “الاستذكار” (2/147)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *