الإساءة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تاج الوقار وذرة الشرف وعلم الكرامة لن تتوقف ما دام الليل والنهار محل صراع الحق والباطل الماضي إلى قيام الساعة، فهي إساءة ظهرت مع ظهور الرحمة المهداة، وما الفيلم الأمريكي القبطي اليهودي والرسوم الفرنسية، وقبلها الدانماركية وبعدها القادم الذي لا يعلمه إلا الله، ليس إلا نفثة من صدر مليء بالحقد على نبي الحق ورسول الهدى سيد الخلق، وليست إلا حلقة من مسلسل طويل عنوانه البغض والكراهية للإسلام ورسوله، وللمسلمين ونبيهم.
ومن تم فإننا لا نرجو منهم وقارا أو توقفا عن مثل هذه الأعمال الدنيئة دنائة أهلها، الوضيعة وضاعة منتجيها، الحقيرة حقارة ناشريها، الوقحة وقاحة المدافعين عنها، فلن يتوقفوا عن بثها إلا بعد أن تقوم للإسلام والمسلمين قائمة، لكنها ستبقى نارا تحرق قلوبهم تقتلهم غيظا وكمدا يتحينون لبثها الفرص واللحظات، ولن تنتهي بالمرة إلا إذا نفخ في الصور فصعقوا مع المصعوقين، وحشروا مع المحشورين لينالوا جزاء الفعل الأثيم، وبئس الجزاء.
إن الجرأة على رسول الله بهذا الشكل، لن تؤثر في جنابه الشريف، كما لم تؤثر فيه إساءات المشركين والمنافقين واليهود والنصارى وهو بين أظهرهم فالله يعصمه من الناس، والله يكفيه شر المسيئين، {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ}، بأن يجعل كيدهم في نحورهم، ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله، فينقلب السحر على الساحر، فإن قصدوا الوضع من مكانته عليه الصلاة والسلام فقد قضى الله قضاء لا يرد أن قال: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ}، وإن راموا تشويه أخلاقه فقد زكاه الله ولا راد لتزكيته، {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}، ولئن أرادوا تبخيس قدره عند المسلمين فما أحيوا في أنفسهم إلا حبه وشدة التعلق به، وأعظم من هذا أن حرصوا على تخويف شعوبهم منه وصد أهل مللهم عن اتباع دينه، فقد حصل من المكرمات ما يجعل المسلم يردد في سعادة غامرة {لا تَحْسَبُوهُ شَراً لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ}، وقد قالها الشاعر :
وإذا أراد الله نشر فضيلة طويت أتاح لها لسان حسود
فدونك الأرقام الصارخة عن الداخلين في الإسلام أفوجا، والسبب الإساءة لرسول الله فداه أبي وأمي، إنه إحسان وليست إساءة، فإن عاودوها فلن نقلق، فإنما يسبون مذمما وهو محمد، فليفتحوا أعين العمي على سيرة خير البشر، السيرة التي تأسر كل من قرأها بتجرد فلا يملك إن أن يكون من أتباع صاحبها عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم. والدليل واقع الحال لا كلمات المقال. ناهيكم عن نشاط الحركة العلمية والدعوية والمهرجانات الخطابية التي أعادت الربط بين المسليمن ورسول الإسلام، وأحيت في النفوس شوق الاتباع؛ ورغبة الانقياد؛ والحرص على التأسي والاقتداء.
في كل إساءة لرسولنا الكريم تنتفض الشعوب تتكشف لنا أشياء كثيرة، منها أن حمية تكتنف النفوس فيخرج الناس أفواجا يصرخون منددين تمتلئ بهم الساحات والأماكن العمومية، وآخرون اختاروا الرد بفيلم مماثل، وآخرون بنشيد، وآخرون بمقالة وقصيدة ومحاضرة، فيظن البعض أنه بهذا قد أبرأ الذمة وقدم واجب النصرة، لكن بالنظر إلى الأمر من زواية أخرى يتألم المرء حين يجد من يصرخ فداك رسول الله، لم يستطع أن يلبي نداءه ودعوته في أعظم ركن ألا وهو الصلاة، كيف يعقل لمسلمين ينتفضون حبا لرسول الله وهم يرتكبون مخالفات ومنكرات نهى عنها رسول الله كالشرك وشرب الخمر والزنا والاختلاط والتبرج وتضييع الصلاة… ما هكذا تورد الإبل.
في كل مرة يسيء الغربيون لأفضل الخلق محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم نقيم ضجيجا وعويلا، ويساء له من طرف المنتسبين للإسلام ولا نحرك ساكنا، فلم هذا الانفصام والتناقض؛ فصفحات الجرائد والمجلات، وبرامج الإذاعات والقنوات، ومواقع الشبكة العنكبوتية طافحة بالإساءة لمن يحسب على المسلمين، وممن يسمون بعبد الله ومحمد وأحمد أحيانا ويا للأسف، وتمر الأمور بسلام، ولا أدنى استنكار أو شجب، فما التفسير لهذا العجب!
أما بنو علمان فكم كانت لهم فرصة مواتية أن يتسلقوا حدث الإساءة وما صاحبه من إساءة في الاحتجاج، فتحولت أقلامهم للدفاع عن السفير المقتول والسفارة المحترقة، ولا تسمع إلا عبارات من قبل “أن الفيلم رديء” وكأنه لو كان ذا جودة لكان مقبولا، أو يقولون “نرفض الإساءة إلى الأنبياء” ويذكرون اسمه عليه الصلاة والسلام مجردا دون صلاة أو سلام، سحقا أيها البخلاء..
كما اتخذوا الحدث مطية لدعوة المسلمين بقبول الكفر إن أرادوا عدم الإساءة إلى دينهم، مساويين بين الحق والباطل، ومطالبين باحترام حرية التعبير، الحق الكوني لا الذي لا ينبغي أن تقف دونه أي قوة كيفما كانت، وأنه على المسلمين أن يبتعدوا عن العنتريات وأن ينظروا حواليهم إلى مشاكلهم، وأن يتركوا شأن محمد إلى البلد الذي يحمل جنسيته!!
وينسى الجهال الحاقدون من أهل الشقاق والنفاق أن نبي الرحمة عليه الصلاة والسلام يحمل جنسية عالمية أعطاها له رب الكون {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} فكفى أن يكون حادث الإساءة قد كشف جزء من نفاق بني علمان، وأنهم أشد عداوة لرسول الإسلام ما دام ظلم ذوي القربى أشد مضاضة.
وإن من الدواهي التي كشفتها الأحداث أن وزارة بالمغرب يقال لها وزارة الأوقاف، يسيرها وزير يقال إنه صوفي، والصوفية يزعمون أنهم أشد الناس حبا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لم تحرك ساكنا ودفنت رأسها في التراب وكأن الأمر لا يعنيها من قريب أو بعيد، فكان موظفوها من الخطباء يسبحون في خطبهم في عالم غير عالم الناس، ويتكلمون في مواضيع غير ما يشغل بال الناس، والعذر عند بعضهم أقبح من زلة، ألم يكن حريا بهم أن يوجهوا الناس الوجهة الصحيحة نحو النصرة الحقيقية بعيدا عن الغوغائية والضوضاء التي تثير الشفقة والاستهزاء في نفوس المسيئين.
ختاما تأكدوا أن مسلسل الإساءة لرسول الله سيستمر، وسنخرج لنصرخ ثم نعود، ثم يعودون ثم نعود، ثم يعودون ليقينهم أن المسلمين ليسوا من القوة التي تمنعهم عن فعلهم المقيت.
ولن تنتهي المهزلة إلا إذا التزمنا الشرع الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من ربه قولا وفعلا، شعوبا وحكومات، أفرادا وجماعات، {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}، عندها لن يقو حقير على أن يتطاول على أفضل الخلق، فيبقى مصان الجانب مهاب الشخصية كما كان على مر العصور التي لم تكن فيها الإساءة تتكرر، لقوة الرد وشدة البأس، فالمسلمون لن يرفع قدرهم إلا بإتباع مرفوع القدر رسول الله عليه الصلاة والسلام.
أذكر أنه إبان إساءة الدانمارك لنبينا عليه السلام، خرج الناس يتظاهرون في العالم، وفي الرباط أيضا، وبعد أن انتهى الصراخ تفرق الناس؛ فكان منهم من ولى وجهه نحو الحانة ومنهم من تأبط خليلته وتوجه قبل شاطئ البحر وهلم جرا..
أهذه هي النصرة؟!
عجبا لذلك عادوا من جديد.
لا يستهويني ما أراه من ضجيج أو صخب، فعودوا إلى شرع ربكم وسنة نبيكم هذه هي النصرة التي ليس بعدها هوان.
والله المستعان.