زيارة الرميد لـ”دار القرآن” وحسابات “الصحافة العلمانية” حماد القباج المنسق العام للتنسيقية المغربية لجمعيات دور القرآن

لقد أسفر السجال في موضوع دور القرآن عن حقائق موضوعية لم يعد يجادل فيها إلا من يؤمن بمنطق: “عنزة ولو طارت”.
وظهر لكل منصف أن قضية “زواج بنت التسع”؛ كانت قضية مفتعلة في سياق عهد طبعه الاستبداد والشطط في استعمال السلطة، وأن الدكتور المغراوي الذي نسب إليه الإفتاء بذلك؛ لم يخطر بباله يوما الدعوة إلى تزويج بنت التسع، وإنما نقل تفسير آية كما نقله كافة المفسرين بصفته أستاذ مادة التفسير في جامعة القرويين، مستشهدا للتفسير بزواج أم المؤمنين رضي الله عنها وهي بنت تسع..
وهذا سياق علمي نظري لا يترتب عليه عمل.
كما أن واقع دور القرآن لا يعرف شيئا اسمه زواج بنت التسع؛ بل روادها والمستفيدون من أنشطتها من البنات وغيرهن يتزوجون في ظل مدونة الأسرة، والتقارير الأمنية تثبت أنهم مواطنون متدينون بعيدون عن أي نزعة تهدد أمن واستقرار البلاد، خلافا لما ترميهم به “الصحافة العلمانية” من أنهم يحملون “فكرا متطرفا” وأن مدارسهم “تفرخ الإرهاب” وتهدد أمن المجتمع!!
هبت رياح “الربيع العربي”، فأسقطت الشجرة التي ظن العلمانيون أنها تغطي غابة استبدادهم، وكشفت أن إغلاق دور القرآن كان ضمن مخطط الحرب الأمريكية الجائرة على ما سمي بالإرهاب، والتي تستهدف بها السياسة الأمريكية: الإسلام والقرآن، والمدارس التي تعنى بخدمتهما والدعوة إليهما..
ومع إسفار صبح الحقيقة وانجلاء الغلس عن فجرها الساطع؛ يأبى إخوان الخفافيش، المتآمرون على النزاهة الإعلامية، والكاذبون على المغاربة في جرائدهم المأجورة..؛ يأبون إلا التمادي في نسج بيوت العنكبوت بخيوطهم الواهية: “زواج بنت التسع”؛ “التطرف”؛ “الانغلاق”؛ “الفقه الظلامي”.. إلـخ.
وفي هذا السياق؛ جاءت تصريحات ومزاعم الأكاديمي المغربي الذي “حذر من العودة إلى العصور الوسطى”.
..لما قرأت هذا العنوان؛ ظننت أن مؤشرات هذه العودة عند هذا (الأكاديمي) لها ارتباط بمزيد من “التدني في أداء المنظومة التعليمية” أو “انتكاسة في سير الأوراش التنموية” أو “ارتفاع في نسبة البطالة” أو “تصاعد في منحنى الفقر” أو “تراجع وزارة الصحة عن مشروعها للنهوض بالخدمات الصحية” أو “تخلي وزارة العدل عن “ميثاق العدالة الذي يهدف إلى ضمان المحاكمة العادلة” أو أو..
فإذا بي أفاجأ بأن مؤشر هذه العودة عند هذا الأكاديمي؛ هي زيارة وزير العدل والحريات لإحدى دور القرآن الكريم!!>
وقد تمادى (الأكاديمي) الناجي في مجازفاته المبالغ فيها، وذهب إلى حد اعتبار “ثناء ومديح الوزير للفقيه “الظلامي”! (الدكتور المغراوي) خطابا بشكل غير مباشر إلى الجماهير المنشغلة بالحداثة، ويكشف عبر ذلك الفقيه نظرته إلى المرأة”.
ولفت الناجي إلى أن شبح العصور الوسطى بدأ في الظهور نتيجة تعالي الشأن الديني على ما سواه، وقيادة كل شيء وتحديد كل شيء، مشيرا إلى أن هذا الحلم تحديدا هو الجزء المشترك بين العدالة والتنمية وباقي الأطياف الإسلامية بالمغرب.
وخلص (الأكاديمي) المغربي إلى أن ما حصل يتجاوز أن يكون مجرد زلات! لغوية، بقدر ما هي مؤشرات على تراجعات ثقافية يمكن أن تتكرس دائما في التربة المغربية، فهي تلوح بعودة العصور الوسطى، قبل أن يجزم بأن أفق الإسلاميين هو يوم القيامة ومعاقبة المذنب، وأكثر منه المذنبة، فهم مستعدون للتخلص كليا من الحداثة إذا أُتيحت لهم الفرصة”.
وهكذا يرجع (الأكاديمي) الألمعي ليعزف على وتر (الظلامية) و(التخلف) ليمرر خطابه الذي يطفح كراهية لكل ما هو ديني، وهي الموسيقى التي مجتها الأسماع، ولم يعد لها إطراب ولا إمتاع، بعد أن حز “الربيع العربي” أوتار “قيثارها” وخرق جلدة “دُفّها”..
ولا نملك أمام هذا التدني في الفكر والتصور والتحليل إلا أن نتساءل: متى سيحقق المغرب تنميته المنشودة وترقيه وإصلاحه؛ ما دام هذا هو مستوى من ينسبون فيه إلى “الأكاديمية” ويحسبون من “النخبة”؟؟
الرميد ودور القرآن:
إن أكاذيب وأراجيف “الصحافة العلمانية” عن وزير العدل والحريات؛ لا تعدو كونها تلال ثلج سرعان ما تذوب وتنصهر تحت أشعة الحقيقة التالية: وهي أن الأستاذ مصطفى الرميد ناصر قضية دور القرآن في أوج عهد الاستبداد الذي يظهر أن العلمانيين كانوا أكبر خاسر بذهابه وانكسار شوكته، ولو أنصف هؤلاء لشهدوا بأن الرميد أنكر إغلاق دور القرآن تحت قبة البرلمان ومن خلال منتدى الكرامة، وذلك قبل أن تجري السفن بما لا يشتهيه ملاحو الشطط السلطوي، وقبل أن يصير حلم وصول “العدالة والتنمية” إلى السلطة حقيقة، بل كان سدنة “الفساد السياسي” يرسمون خريطة يحصل فيها الحزب الإسلامي على أقل عدد ممكن من المقاعد في انتخابات 2012..
أجل؛ صرخ الرميد في وجه وزير الداخلية السابق مستنكرا قرار الإغلاق؛ في وقت لم يكن من الممكن وصف السلفيين بالخزان الانتخابي كما وصفتهم بذلك أسبوعية “الوطن الآن”، مما يؤكد تهافت تحليل من اعتبر زيارة الرميد لدار القرآن مجرد خطوة لضمان “الكتلة الانتخابية السلفية”..
إن موقف الأستاذ المناضل مصطفى الرميد؛ نابع من مبادئ نبيلة تتأسس على قناعات إيمانية تبعث على تعظيم القرآن وتبجيل أهله واعتبارهم في مقدمة المواطنين الذين ينبغي على الدولة تمتيعهم بحقهم في العدل والحرية..
وهذه معاني وأحوال يصعب فهمها ويعسر استيعابها من لدن من حرم لذة الإيمان وخفت في قلبه نور تعظيم القرآن، وأضحى لا يفسر المواقف ولا يحكم على التصرفات إلا بمعيار التنافس السياسي والصراع الحزبي..
وإن كان بعض هؤلاء يخفون فقرهم الإيماني في كلام من قبيل: “القرآن هو المشترك اليومي للمغاربة”، و”لا مزايدة في حب القرآن”..إلـخ.
وإذا كنا لا نتقن لغة نقنع بها كثيرين من هؤلاء بضرورة تعظيم القرآن وتوقير دور القرآن؛ فإننا نقول لهم بلغة السياسة:
وهل يعقل أن يمنح السلفيون أصواتهم لغير الحزب الذي يعتز بالمرجعية الإسلامية؟
وهل يتصور أن يتخلفوا عن دعم من أثبت مواقف صريحة في مواجهة الفساد والمفسدين، واستنكر شططهم في استعمال السلطة التي منحهم الشعب إياها (على فرض النزاهة)؟
وهل يتوقف دعمهم -والحال هذه- على زيارة وزير العدل لدار القرآن؟؟
إن التاريخ لا يحابي أحدا، وسيشهد على جور وظلم من أغلقوا دور القرآن أو حرضوا على ذلك بتهم مزورة (إرهاب؛ تطرف؛ قرون وسطى؛ زواج الصغيرة…).
كما سيشهد لصالح من سجل غيرته على القرآن وأهله ودُورِه..
وحتى لو انحرف قلم التاريخ متأثرا بتزوير “الصحافة العلمانية” -ولن يكون ذلك بإذن الله-؛ فإن الله تعالى أعلم شاهد وأعدل حاكم، وسيحكم بين الرميد ومناوئيه يوم تبلى السرائر، ويكشف الله مكنونات الضمائر.
وأسأل الله تعالى كما وفق وزير العدل لتشريف دور القرآن، وإرجاع الاعتبار إلى حملته ودعاته، ورفع الضيم عن المظلومين من حفظته وقرائه..؛ أسأله سبحانه أن يكسوه بذلك العمل يوم القيامة حلل الكرامة وتاج الوقار…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *