الأجوبة الشافية عن الأسئلة المصيرية -13- المطلب الثالث: هل أهان الإسلام المرأة؟ ذ. عبد اللطيف الخيالي

تقول زيجريد: إن القرآن الكريم بصفته الدستور الإلهي الذي ينص على التشريعات والحدود المنظمة لكافة المجالات الدينية والدنيوية الشخصية والعامة، إنما يؤكد أنه لا فرق بين الذكر والأنثى، لا في الجوهر ولا في التكريم، وساوى بينهما مساواة تامة في كافة العبادات وأمور العقيدة وفي الناحية الخلقية الإنسانية البحتة كما في الأمور المالية والاجتماعية… الأمر المغاير للطاعة ومبررها لدى “يهو” وبولس الرسول والقديس توماس ومارتن لوثر: إذ أن الطاعة لديهم جميعا تعني العقاب الإلهي للمرأة لارتكابها الخطيئة الأصلية الأولى، لأن حواء لديهم غوت وأغوت آدم فالمرأة في الإسلام ليست أم الخطيئة الأصلية وليست هي التي وسوست لآدم…1.
إن الإسلام لا يحمل المرأة مسؤولية المعصية التي ارتكبها أبونا آدم وأمنا حواء فكانت سبب خروجهما من الجنة.
يقول سبحانه وتعالى: “فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين” [البقرة 34- 35].
– “فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصى آدم ربه فغوى” [طه 117- 118].
لا توجد آية في القرآن أو حديث نبوي يحمل المرأة المسؤولية عن هذا الذنب، عكس ما هو موجود في بعض المراجع اليهودية والنصرانية.
لقد كرم الإسلام المرأة ودافع عن شرفها، ولم ينظر لها كجسد للمتعة، بل هي شقيقة الرجل، ولقد أثبت العلم الحديث أن كلا منهما جزء من الآخر.
أما جسد المرأة فقد شرفه الإسلام لدرجة أنه منعها من إظهاره لمن هب ودب، حتى لا يطمع في المتعة به بدون حق، فلا يحل لكل من يجوز له الزواج بامرأة أن يلمس شيئا من جسدها إلا إذا تزوجها.
لا يمكن لعاقل أن ينكر أن الإسلام أعطى للمرأة المكانة التي تستحقها بعد ما كانت متاعا يورث، وكانت البنت توأد خوفا من جلب العار… فجاء الدين الحنيف لتتمتع بحقوقها كاملة، في حين أن الحضارة المعاصرة وصلت بها إلى الحضيض، حيث انتشرت دور البغاء، واستعمل جسد المرأة في الوصلات الإشهارية لترويج السلع، وأدهى من ذلك وأمر استغل أبشع استغلال في إنتاج أفلام الخلاعة ومسلسلات الإغراء، وقضاء الليالي الحمراء، ومن ثُم نشر الرذيلة وتدمير القيم والأخلاق وتخريب عقول الشباب ذكورا وإناثا… من المستفيد من كل هذا؟ إنها لحرب معلنة على الدين، بل على القيم الإنسانية، وهو ما ينذر بزوال هذه الحضارة!
“سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا” [الأحزاب 62].
لقد استغل جسد المرأة بطريقة بشعة، ودمرت عفتها وكبرياؤها! فازدادت نسبة العنوسة وكثر أبناء الزنا وانتشرت الجريمة وملئت السجون… كل هذا باسم حقوق المرأة!
إن الإسلام دين ومنهاج حياة اهتم بالمرأة أما وزوجة وبنتا. أليست أم كل منا امرأة؟ هل تقبل لها الإهانة؟ فلا تهن امرأة قط!
الأم! ذاك الصدر الحنون، مصدر العطف، التي تفني عمرها كي يعيش فلذات كبدها! فهل كان لدين العدل والرحمة والإحسان أن يظلمها؟
قال سبحانه وتعالى: “ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير” [لقمان 13].
– “وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا” [الاسراء 23-24].
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا ينظر الله عز وجل إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه والمرأة المترجلة والديوث. وثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق لوالديه، والمدمن على الخمر، والمنان بما أعطى»2.
– عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك. قال ثم من؟ قال: ثم أمك. قال: ثم من؟ قال: ثم أمك. قال ثم من؟ قال: ثم أبوك»3.
إن أحق الناس بالبر والإحسان الأم، فهل يوجد تكريم للمرأة أعظم من هذا؟
أما الزوجة المسلمة المؤمنة فهي محبوبة من طرف الزوج المؤمن المخلص، الذي يجدها ينبوعا للمودة والرحمة ويبادلها ذلك، مصداقا لقوله تعالى:
“ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون” [الروم 20].
ويفديها بأغلى ما يملك، حتى لو تطلب الأمر حياته! فالمؤمن حق الإيمان يكون مستعدا للتضحية بالنفس والمال من أجل نصرة الدين وحماية المستضعفين، فهل يتهاون في ذلك إذا تعلق الأمر بمن تسخر عمرها لخدمته، وتسهر على تربية أبنائه؟
إن المسلم مطالب بمعاملة زوجته برفق ورحمة وأن يكرمها ولا يهينها، استجابة للأحاديث النبوية التي توجهه لذلك، حيث يقول صلى الله عليه وسلم:
– «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي»4.
– «…واستوصوا بالنساء خيرا، فإنهن خلقن من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرا»5. الحديث يوجه الرجل للعفو عن زلات المرأة، وإلى مداراة واستمالة النفوس وتألف القلوب.
إن الزوجة شريكة رئيسة في تربية الأبناء الذين سيكونون رجالا ونساء يتحملون المسؤولية، ويعول عليهم في بناء المجتمع ورعايته والحفاظ عليه؛ لذلك يجب أن نوفر لها الظروف المادية والمعنوية كي تقوم بهذا الدور على أحسن وجه؛ لأن أحسن خدمة تقدمها المرأة للمجتمع أبناء صالحين يساهمون في تقدمه ونشر الفضيلة والقيم والأخلاق الحسنة.
لو أن الكثير من الحكام والمفكرين والعلماء الذين باعوا دينهم وضمائرهم تلقوا تربية صحيحة وسليمة لما كانوا سببا في الويلات التي أذاقوها لشعوبهم وشعوب أخرى.
كيف تربي الأم أبناءها تربية حسنة إذا لم تشعر بالطمأنينة والأمان؟ وكيف تعطيهم العطف والحنان إذا كانت تفتقدهما من أقرب الناس إليها؟ إن الزوجة كالشجرة المثمرة، كلما لقيت الاهتمام المطلوب كلما أثمرت أكثر، لذلك يجب معاملتها معاملة حسنة وتقدير دورها في تربية الأبناء وتقديم يد العون لها ما أمكن ذلك.
إن المسلم مطالب بتحمل مسؤوليته كاملة داخل البيت وخارجه، وذلك بمساعدة زوجته في تربية الأبناء وتتبعهم وتوفير الظروف النفسية الملائمة لهم من حب وحنان وسكينة، كما يجب عليه تخصيص الوقت الكافي لهم، لأن في صلاحهم سعادته وسعادة البشرية!
المؤمن الذي يتحمل مسؤوليته لا يقضي وقته في اللعب واللهو في المقاهي، ويترك حبيبته تتحمل جميع أعباء المنزل وفلذات كبده تائهون في الشوارع، فعن أي حب نتكلم؟ لأن الذي يحب زوجته وأبناءه يفضل قربهم على غيرهم، أما الهروب من البيت بسبب إزعاج الأبناء فهو من علامات الفشل، بل يجب البحث عن علاج للمشكل حتى لا تتولد عنه مشاكل أكبر، وإلا ما الفائدة من الحياة إذا ضاع الأبناء؟
أما البنت فقد غدت في ظل الإسلام محببة مدللة عند والدها، الذي يجب عليه أن يغمرها بالعطف والحنان، ويكرمها ويربيها تربية حسنة، ويعلمها ليسعد بها في الدنيا ويكون من الفائزين في الآخرة. يقول صلى الله عليه وسلم: «من كان له ثلاث بنات يؤويهن ويكفيهن ويرحمهن فقد وجبت له الجنة ألبتة، فقال رجل من بعض القوم: وثنتين يا رسول الله؟ قال: وثنتين…»6.
……………………………………….
1- زيجريد هونكة، الله ليس كذلك، ص: 61- 62.
2- سنن النسائي، كتاب الزكاة، المنان بما أعطى (2562).
3- صحيح مسلم، كتاب البر والصلة، باب بر الوالدين (2548).
4- سنن الترمذي، كتاب المناقب، باب فضل زواج النبي  (3895)، صححه الشوكاني في فتح القدير، 635/1، والألباني في صحيح الجامع الصغير 3314.
5- صحيح البخاري، كتاب النكاح، باب الوصاة بالنساء (5186).
6- السلسلة الصحيحة 3/24، (1027)، صحيح على شرط مسلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *