كهنة الفكر المتمرد أحمد السالمي

قال المفكر والفيلسوف الاجتماعي الأمريكي الحائز على ميدالية الحرية الرئاسية “إيريك هوفر”: “إن أحد امتيازات المثقفين التي تدعوا للاستغراب هي أن يكونوا أحرارا في أن يكونوا بلهاء إلى حد كبير دون أن يضر ذلك بسمعتهم”.
فمفكري هذا الزمان لهم طرق ينتهجونها لكي يظهروا بسرعة ويبرزوا في عالم الفكر، فلكي تصبح (مفكرا مستقلا)، (مفكرا موضوعيا)! عليك أن تلتزم بقاعدة التمرد الفكري: “كن معارضا، كن غامضا، كن نسبيا”، التزم الاستقلال الفكري؟
قدس “نسبية الحقيقة” وإياك أن تستمر على مبدأ أو تدافع عنه؛ كما عبر (براند راسل) عن مبدأ “كن نسبيا” بقوله: “علينا ألا نكون واثقين من أي شيء، إن كنت واثقا فأنت مخطئ بالتأكيد، لأن لا شيء يستحق الوثوق”.
صرح بكراهية الدين والمتدينين، واسخر من بعض العلمانيين أحيانا، ونكت على الملاحدة، واستهزئ بدعاة حقوق المرأة، حاول أن تكون بلا ملامح بلا شخصية، وضع نصب عينيك شعار: “إنما جئت إلى هذا العالم لأحتج”، وإنما أنت لا تفهم شيئا في هذا العالم، ولا أحد في هذا العالم يفهم شيئا، فالعالم كله لا معنى له لا حقيقة له، قدس البلاهة، واللامعنى، وكن متلونا حربائيا لا تثبت على قول واحد بل غيِّر مواقفك بين كل لحظة، إن كنت تبحث عن الحقيقة، فعليك أن تقتحم كل محرم، كما يقول نيتشه: “إن ما هو محرم تحريما شديدا هو دائما الحقيقة” حتى تدخل في زمرة “كهنة الفكر المتمرد”.
فما يميز هؤلاء الكهنة هو اعتماد قاموس التعقيد اللغوي الذي يعزز عندهم مشاعر التقزز من مجتمعهم، كما قال الروائي الانجليزي “جورج أورويل”: “إن بعض الأفكار هي من الحماقة بمكان، بحيث إنه لا يمكن أن يصدقها إلا مثقف”؟! هي أفكار بلهاء لا تقبلها إلا عقول “كهنة الفكر المتمرد” أما عموم المجتمع فلا تجد إلى آذانهم طريقا على الإطلاق.
ويصل الحد بكهنة الفكر المتمرد إلى الامتلاء بالتحقير للناس كما يظهر في فلتات ألسنتهم وما تخطه أقلامهم، من قبيل: “شعب جاهل”، “عقلية القطيع”، “شعب متخلف”، “شعب غير ناضج”..إلى غير ذلك من ألفاظ الاستعلاء، والتحقير للغير. (انظر: كيف تصبح مفكراً متمرداً في 9 ساعات؛ أ.د. خالد الدريس).
فهم دائما يحاولون إقناع أنفسهم بأنهم الأفضل فهم ليسوا من الجمهور إنهم من “نخبة” متعالية مثقفة بالغرور والترفع، إنهم من ذوات الدم الأزرق، إنهم برجوازية من طبقة “الانتلجنسيا”=(المثقفين) على حد تعبير قاموسهم الخاص، يتسمون بالذوات المتضخمة اتجاه الهموم الشعبية “البروليتارية” الطبقة الكادحة.
إن كهنة الفكر يستهلكون أفكارا مستوردة، ولقد عبر سارتر عن هذه الصناعة الاستهلاكية بصراحة مدهشة فقال: “كما نضع في أعماق قلوبهم أوربا، والرغبة في تحويل بلادهم إلى أوربا، ثم نرسلهم إلى بلادهم حيث يرددون ما نقوله بالحرف تماماً مثل الثقب الذي يتدفق منه الماء في الحوض، هذه أصواتنا تخرج من أفواههم، وحينما كنا نصمت كانت ثقوب الأحواض هذه تصمت أيضاً، وحينما كنا نتحدث كنا نسمع انعكاساً صادقاً وأميناً لأصواتنا من الحلوق التي صنعناها، ونحن واثقون أن هؤلاء المفكرين لا يملكون كلمة واحدة يقولونها غير ما وضعنا في أفواههم، وليس هذا فحسب، بل إنهم سَلبوا حق الكلام من مواطنيهم”.
فهذا هو حال كهنة الفكر المتمرد وهذا ديدنهم؛ وتلك مرجعيتهم؛ لن يقولوا إلا ما أكده الوجودي جون بول سارتر؛ وهو ما شهد به الواقع؛ فكلامهم صدى لكلام الرجل الأبيض؛ وما يروجونه في الساحة الثقافية والفكرية والسياسية والاجتماعية.. اليوم؛ هو عين ما وضعه الغرب في أفواههم وتشربته بعد ذلك قلوبهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *