محاكمة التاريخ.. أم محاكمة الإعلام! زياد آل سليمان

الثورة الكبيرة في المعلومات اليوم، وتنوع طرق تبادلها، وسرعة تناقلها، تجعل من المستحيل أن يطول أمد إخفاء الحقيقة، وأصبح من الصعب تضليل الناس والتلاعب بالحقائق أو إخفاؤها، وطمس الأدلة والتدليس على الناس، ولعل الأحداث الدامية التي وقعت في بغداد ولا تزال تقع أظهرت حقيقة المتاجرين بدماء الشعب العراقي، الذين سرعان ما ألصقوا الجريمة بغيرهم للتنصل من تبعاتها وتحقيق المكاسب الانتخابية ولو على حساب سفك الدم الحرام، إلا أن هيئة علماء المسلمين في العراق سرعان ما كشفت الحقيقة وأظهرت المجرم الحقيقي وهي الأحزاب السياسية وعلى رأسهم المجلس الإسلامي الأعلى بزعامة عبد العزيز الحكيم ومنظماته، بعدما فقد المجلس شعبيته وأراد أن يظهر قوته بما لديه من أمور أمنية ومليشيات نائمة أو مستظلة بظل الحكومة ليشوش الأوضاع، وليضغط على شريكهم في الائتلاف والحكومة نوري المالكي لدخول الائتلاف الجديد الذي أعلن عنه أخيرا.

وفي مكان آخر كان الصحفي السويدي “دونالد بوستروم” يسبب أزمة سياسية حادة بين السويد التي ترأس حالياً دورة الاتحاد الأوروبي وبين الكيان الصهيوني بعدما نشر تقريراً يكشف قيام الجيش الصهيوني بقتل الفلسطينيين في غزة والضفة للمتاجرة بأعضائهم، بل ربط التقرير بين هذه العمليات والشبكة اليهودية التي اعتقلت بـ”نيوجيرسي” الأميركية وأشار إلى تورط السلطات الرسمية وكبار الأطباء، ما أثار ردود فعل غاضبة في الأوساط السياسية اليهودية.
ألم يقل رجب طيب أردوجان لقادة الصهاينة أيام عدوانهم على غزة: “اتركوا عنكم حسابات الدعاية الانتخابية.. إنكم إن لم تأمروا بوقف هذه العمليات العسكرية فستتعرضون لمحاكمة التاريخ، وإن أفعالكم ستكون بقعة سوداء في تاريخ الإنسانية، وأذكركم أن أجدادكم عندما تعرضوا للطرد والقهر نحن وفَّرنا لهم المأوى، وأنا هنا أتحدث باعتبار أنني زعيم أحفاد الدولة العثمانية”.
وما هذه إلا نماذج لجرائم بشعة ومؤامرات ومكائد ودسائس حاول مرتكبوها إخفاءها، لكن الإعلام المعاصر أصبح كاشفاً لكل ما يجري، وفاضحاً لهم، وأصبح لهم بالمرصاد، وهذا يؤكد لنا أهمية الإعلام، وأهمية دعم ومساندة وتشجيع الصحفيين الغربيين الأحرار وتقوية موقفهم، وكذلك الجهات الموثوقة التي تتبنى قضايا الأمة وتقف في وجه مخططات الأعداء، ولن يستطيع هؤلاء الطغاة والظالمون الفرار من محاكمة التاريخ، ولا من محاكمة الإعلام المعاصر، فضلا عن حسابهم عند الله الجبار المنتقم والحكم العدل سبحانه وتعالى، ولن تذهب هذه الدماء هدراً، قال تعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ} (سورة إبراهيم: آية 42).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *