سلسلة بيان حقيقة حال أبي عصواد(أحمد عصيد) -2- الحرية بين التوحيد والشرك ذ.طارق الحمودي

فال أحمد عصيد: [القول: إن إيمان الناس بآلهة متعدّدة لا يحرّرهم من الخوف، يتعارض مع مبدأ الحرية، لأن الإيمان بالآلهة المتعددة كان عمليا أكثر حرية من التوحيد].
وهذا كله خطأ من العيار الثقيلوورطة علمية كاملة الأركان، وبيان ذلك أنه زعم:
– أن التوحيد لا يحرّر الإنسان من الخوف من قوى الطبيعةوزعم أن مبدأ الحرية يقول: الإيمان بآلهة متعدّدة يحرّر من الخوف من قوى الطبيعة.
والجواب على هذا أن الخوف من قوى الطبيعة أمر فطري حتمي ولا يمكن في الغالب التحرر منه،وهذا يومئ إلى الحالة المتطرفة التي وصل إليها فكر أحمد عصيدإلى درجة الحديث عن التحرر مما لا يمكن التحرر منه.
غالبافالخوف من قوى الطبيعة منة ربانية تحفز على اتخاذ الاحتياط والحذرولا يزال الناس بمختلف مذاهبهم ومستوياتهم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية يخافون الزلازل والبراكين والأعاصير والتسونامي وغيرها،ولذلك أعتبر كلام أحمد عصيد نوعا من السذاجة الفكرية، فلا يقول مثل هذا الكلام إلا معاند مخبول.فإن كان يقصد الخوف الناتج عن الجهل بالجانب غير المكشوف من الظواهرفالجواب أن معرفته لا تأثير لها،فالخوف متعلق بالأضرار التي تنتجه لا من الجهل بأسبابها.!!
ومع هذا فنقول باعتبار آخر: إن التوحيد يحرر العبد من الخوف من قوى الطبيعةوهذا غريب بادي الرأيورفع الإشكال كالتالي:
ينقسم الخوف في الثقافة الإسلامية إلى أقسام منها: خوف الجبلة وخوف العبادة
أما خوف الجبلة فقد بينا موقف العقل منه، وأما خوف العبادة فهو الخوف الذي استطاع التوحيد أن يحرر العبد المؤمن منه وهو خوف يربط الخائف من الظواهر الكونية بها برباط التعظيم والقصد عند الافتقاروهذا لا يكون عندنا إلا لله تعالى وحده،وهو جوهر التوحيد،خلافا للمشرك الذي لا يستطيع التحرر من خوف تداخل فيه الجبلي والتعبدي.فالتوحيد يخلص الإنسان من عبوديته للظواهر أو لتفسيراتها الأسطوريةالتي أنتجت مجموعة من طقوس القربان لها دفعا لشرها!ولذلك قال تعالى: (فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ‏) أي أن مقتضى الإيمان والتوحيد أن لا يخاف إلا الله تعالى تحررا من كل خوف تعبدي لغيره.
ولعل من أظهر الآيات القرآنية في هذا وأصرحها قوله تعالى: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ)والقصد بالظلم هنا الشرك لقوله تعالى: (إن الشرك لظلم عظيم)،ومعنى الآية السابقة أن الموحدين لهم الأمن فلا خوفوالهدى فلا ضلال، بخلاف المشركين الذين يتخذون مع أو دون الله إله أو آلهة.
وأحمد عصيد يقول: التوحيد لا ينتج الأمن بخلاف الشركوصدق الله القائل: (ومن أصدق من الله حديثا لقوم يوقنون)صدق الله وكذب أبو عصواد!
إن من المقرر في الثقافة الشرعية التوحيدية أن الاستسلام لله بالتوحيد تحرر بامتياز من كل قصد لغيره تبارك وتعالى ، فلا يستحق التعظيم والخوف التعبدي إلا الخالق البارئ المصورولذلك قالت أم مريم عليها السلام: (رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً)فجعلَتْ (لك) قرينة (محررا) فتأمل.
وقد تمادى أحمد عصيد في الاستهانة بالتوحيد فزعم أن:
– التوحيد يقدم تفسيرا بسيطا لقوى الطبيعة. ويقصد عصيد أن القول بأن ما يجري في الطبيعة من فعلالله وتدبيرهتفسير بسيط لتلك القوى والظواهر،وهو جرأة وتطاولوبيان ذلك :
أن للظواهر تفسيرين: باطني ظاهري؛أما الباطني ففعل الله تعالى وتدبيرهوهو القائل: (وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ).وهذا التدبير جعله الله موكلا إلى ملائكته فقال: (فالمدبرات أمرا) ولا يهمني أن يؤمن أحمد عصيد بهذا لأكتبهفإني أخاطب به من يقبل مني الاحتجاج بالوحي.
وأما التفسير الظاهري فمجموعة القوانين الكونية والفيزيائية والكيميائية والبيولوجيةولا تعارضفتلك القوانين لابد لها من مدبر وهو الله تعالى موكلا بها ملائكته.
ثم زعم أحمد عصيد أن:
– الإيمان بالآلهة المتعددة عمليا أكثر حرية من التوحيد،أي أن المشرك يمارس نوعا من الحرية في اختيار إلهه. وإن شاء في نطاق الحرية الكاملة أن يجعل لنفسه إلهين أو أكثر إلى مائة فلا بأس،بل ذلك عنوان التحرر من كل القيود التي تدعو إلى التزام إله معين واحد!
وهذه الحرية هي التي يستهجنها العقلاءحرية تبيح لأصحابها وأد العقل والفطرةوإطلاق الأهواء من كل قيدولو كانت النتيجة أن يتخذ الإنسان مركز الكون عند الوجوديين أمثال عصيد حفنة رمل -كما ورد في بعض الآثار – فيصب عليها شيئا من الحليب ثم يسجد لها رغبة ورهبة هذه هي الحرية العصيدية صانعة الحمق والجنون،فمقتضى الحرية عنده إقرار الحمق في المجتمعات العاقلةكيف لا والجنون فنون عندهم.
يحاول عصيد أن يوهم أن حالة المعدد في الآلهة حالة استقرار نفسي وعلامة صحية كما يقولون وكتاب الله تعالى يدل على عكس ذلك تماما، فالمعدد يعيش حالة من القلق والاضطرابلأن وجود آلهة مختلفة مظنة التنافس على المخلوقات، واضطراب أحوال الكون للتدافع الحاصل بين الآلهة وتمايزهم واختلافهم في طرق تدبيره وقد قال الله تعالى: (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ)(المؤمنون/91).
وقال تعالى: (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ)(الأنبياء/22)،وهذا من الاستدلال بالتمانع على وجود إله واحدفكيف يمكن أن يكون الاطمئنان والثبات النفسي في كون يكاد تنافس الآلهة فيه يفسدهولكن أبا عصواد لا يعقل.
تنبيه: كنت استمعت إلى كلمة لأحد العلمانيين المصريين الشباب يتحدث فيها عن أن الدعوة الإسلامية في العهد النبوي كانت فاشية، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ألغى التعددية،تعددية الآلهةوالأديان،وأنه كان يتعامل بمنطق (لكم دينكم ولي دين) قبل التمكين،فلما تمكن أسقط تلك التعددية بدعوى أنها خطر،فمسح بعض الرموز النصرانية عن جدار الكعبة الداخلي قمعا للحريات ومنعا لكل تعددية.
واحتفل المتكلم بوجود تلك التعددية في المجتمع المكي وحسبها دليلا على التعايش، ثم أوهم أن الاعتراض الوحيد الممكن على ما قاله أنه لا يجوز الحكم على ما صدر من النبي صلى الله عليه وسلم بقوانين القرن الواحد والعشرين!
وخلص منه إلى أنه أيضا لا يجوز أن نحكم على واقع العصر الواحد والعشرين بقوانين العصر النبوي! وغفل أو تغافل أن ذلك التعدد كان نوع مخدر ومفتر للمستضعفين من أهل مكةعن أن يروا الظلم الواقع عليهم من طرف الملأ القرشي من رجال الأعمال المكيينفيستطيعون دفعه أو الاعتراض عليه،فلما ظهرت دعوة التوحيد علم الجميع أنها دعوة إلى التحرر من الظلم والتبعية والعبودية ففرح المظلومون وثار عليها الظالمون! وكذلك كان حال الأمم مع أنبياء التوحيد ورسل الفطرة.
وأنبه أيضا إلى التطابق شبه التام بين نوعية ومضامين الخطاب العلماني وأقول:
وهكذا كان طاووس اليماني، فعن الصلت بن راشد قال: كنت جالسا عند طاووس فسأله سلم بن قتيبة عن شيء فانتهره. قال: قلت هذا سلم بن قتيبة صاحب خراسان.قال: “ذلك أهون له علي”.ولا يخاف أحد من غير الله إلا لمرض في قلبه.
وقد حكى الله أن من صفات الذين في قلوبهم مرض أنهم قالوا :﴿نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ﴾ المائدة:52، وحكى أن أحياء القلوب الذين سلمت قلوبهم قالوا: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ آل عمران:173.
وهؤلاء امتثلوا أمر ربهم الذي طمأن قلوبهم بقوله: ﴿فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ﴾ المائدة:44، وقد ربط سبحانه الخوف منه وحده بالإيمان، وجعل الخشية منه حكرا على أحياء القلوب، فقال على سبيل التقرير والتوبيخ :﴿أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾التوبة:13، وقال آمرا وناهيا في آن واحد: ﴿فَلا تَخافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤمِنيْنَ﴾ آل عمران : 175.
وعدم الخوف إلا من الله دليل على حياة القلب وجسارته، كما ذكروا أن رجلا شكا إلى الإمام أحمد بن حنبل خوفه من بعض الولاة فقال: “لو صححت لم تخف أحدا”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *