مذكرات المعتقل منير المتصدق رحل إلى ألمانيا ليدرس الهندسة فوجد نفسه مدانا بأحداث 11 شتنبر (3)

منير المتصدق؛ مواطن مغربي من مواليد 1974 وأب لثالثة أطفال، انتقل إلى ألمانيا سنة 1993 من أجل متابعة دراسته (تخصص هندسة كهربائية)، ليتحول مجرى حياته من طالب جامعي إلى عضو في تنظيم القاعدة ومشارك في هجمات 11 سبتمبر.
قصة مثيرة حدثت مع هذا الشاب الطموح المقبل على الحياة الذي ذهب إلى جامعات ألمانيا لينهل من علمها ومعارفها، ثم بين عشية وضحاها يجد نفسه خلف القضبان، ومتهما بالمشاركة في قتل 3066 شخص.
اختار منير منبر «السبيل» ليحكي للمغاربة والعالم أجمع عن معاناته، ويروي قصته وظروف محاكمته التي مرت تحت ضغط رهيب وأجواء مشحونة. وليكشف للرأي العام حقيقة نزاهة القضاء واستقلاله في الدول الغربية الديمقراطية.
وابتداء من هذا العدد تنشر السبيل مذكرات المعتقل المغربي بسجن هامبروج بألمانيا دون تصرف.

وبعد، فهذه صرخة أود لو توقد الراقد وتفتح آذان الغافل وتنير لكل ذي بصيرة وتصل إلى قلب كل لبيب يكره الظلم ويمقته جهرة وسريرة، ويحب الحق وأهله ويدافع عنه لا تأخذه فيه لومة لائم ولا متنصل إلى باطل.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ).
لطالما حدثتني نفسي أن أكتب كتابا أسرد فيه قصتي وما عشته في السنين الماضية، وأقصد بذلك من الحادي عشر من شتنبر 2001 إلى يومنا هذا، لكن مخافة الشكوى إلى غير الله منعتني من ذلك، ووطدت نفسي على ما قال ذلك العبد الصالح “إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ‏”.
إلا أن جانب النصيحة قد آذنني وفتح بابا ما كان ليغلق حتى تصل إليك أخي، إليك أخي مقالتي ونذرا يسيرا من قصتي سأسردها غاية في الاختصار لعل الله يبلغ بها المراد والأجل والثواب.
لقد تم الحكم علي بالسجن لخمسة عشر (15) سنة وذلك بعد جولات عديدة ومرافعات هي أشبه “بتمثيليات تلفزية” منها بمحاكمة عادلة كما يدعي هؤلاء القوم، محاكمات عكس فيها مجرى الأمر، فبدل أن يقدم المدعي العام دلائل التهمة ويطعن الدفاع في الأدلة كان الأمر على عكسه.
فقد صرت أنا والدفاع نطالب كل الجهات الخارجية والداخلية في ألمانيا وأمريكا وفي غيرهما بأن يقدموا لنا دليلا واحدا على تهمتي في عملية الحادي عشر من شتنبر… ألستم تملكون الأدلة على ذلك كما تدعون؟
أليس المتهمون الرئيسيون، رمزي بن الشيبة وخالد شيخ محمد.. وغيرهم في حوزتهم؟…أنا منير المتصدق أريد منكم أن تأتوني باعتراف واحد منهم على أني كان لي علم بقليل أو بكثير بما حصل…
لكن لا حياة لمن تنادي….
بل كان الأمر أفظع من ذلك، ففي غضون المرافعات (2003) نشرت صحيفة ألمانية بأن الادعاء العام قد حصل على وثائق مهمة للغاية فيما يتعلق بالمحاكمة، الشيء الذي كان ينكره المدعي العام تماما قبل ذلك، وبعد الفضيحة اعترف المدعي العام بأنه قد حصل بالفعل على وثائق من أمريكا هي اعترافات لمنفذي العملية، خالد شيخ محمد ورمزي بن الشيبة، إلا أن المدعي العام، وبغير خجل أخبر في آخر اعترافه أن الوثائق ثم تقييمها وفي نظره هو ليس لها بالغ أهمية في المحاكمة ثم بعد ذلك تم التخلص منها وإتلافها…
نعم صدق أولا تصدق… في دولة القانون هكذا يتم إقصاء من غضبت عليهم الديمقراطية.
الأمر زاد فظاعة بعد أخرى؛ وذلك بعدما يسر الله عز وجل في غضون المرافعات الثانية (2005) بأن بعثت الجهات الحكومية الأمريكية وثائق (CIA) تحتوي ملخصا لاعترافات وأقوال رمزي بن الشيبة وخالد شيخ محمد فيما يخص علاقة منير المتصدق وعبد الغني مزوضي بعملية (11 شتنبر).
كل واحد منهم يؤكد في غير ما موضع من التحقيق أنه لا علاقة لهؤلاء بالعملية، بل في كثير من المواضيع يبين رمزي بن الشيبة ويفند كثيرا من التهم كان ينسبها المدعي العام إلي..
إني أخط لك أيها القارئ هذه الحقائق وتقرير (CIA) المشار إليه آنفا بين يدي وتحت نظري.
فبعد هذا كله وبعد هذه الدلائل البينات الواضحات التي لا ينكرها إلا من عمتي قلبه وملئ بالحق الدفين والمكر والخداع وزاغت نفسه عن طلب الحق، بعد هذا كله يأتي المدعي العام لينكر ذلك كله ويزعم أن كل ما قاله رمزي بن الشيبة هو أكذوبات اخترقتها ليدفع التهم عن أصدقائه في الجريمة، منير المتصدق وعبد الغني مزوضي، وأن ما يدعيه هو -أي المدعي العام- في اعتقاده الجازم هو ما وقع حتما لا ما أخبر به ابن الشيبة.
ثم يأتي بعد ذلك قاضي المحكمة ليسطر ما قاله المدعي العام في بيان الحكم له ويوقع الحكم على المتهم وتنتهي “التمثيلية”، في ظل دولة القانون وتحت رعاية القاضي يزعم أنه لا يحكم إلا بالحقائق ولا ينحاز إلى جهة ما، ومد عام لا يتكلم إلا بالدلائل الثابتات، ومتهم أتاحت له دولة القانون الدفاع عن نفسه ومحام يعينه على ذلك.
فلعمري إن هذا لصريح ما أخبر به رب العزة جل جلاله عن فرعون حين قال: “مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ”.
إني وأنا أبين لك في اختصار شديد ملخص ما جرى لكي أصل بك إلى سنة 2013، السنة التي يسر الله فيها وبعد جهد جهيد وعراقل جمة من أن نتحصل على شهادات أخرى لرمزي بن الشيبة المعتقل في سجن “غوانتانامو” التي يؤكد فيها عدم معرفتي البتة لما حصل خلال عملية “11 شتنبر”، هذه الشهادات تزداد أهمية حيث أنها أرسلت من طرف رمزي بن الشيبة نفسه، موقعة بخط يده بلغها عنه محاميه شخصيا ووصلت إلينا بعد موافقة الجهات الأمريكية على إرسالها.
هذه الشهادات والتي سأضمها إلى هذه الرسالة، أضعها بين يديك من غير تعليق كي تحكم أنت حكم عادل؛ ولكي تزيل الغشاوة عن أعين سحرتها دول تـُدْعَى “دول القانون”؛ وأن الحق هو ما تراه هي وأن كل من خالفها باطل “أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ”.
وأخيرا فقد تقدمت إلى المحكمة بطلت لإقناعها بإلغاء الحكم الصادر آنذاك وإلى إتاحة الفرصة لمحاكمة جديدة تحت ظل هذه الوثائق الجديدة، الشيء الذي هو مسطر عندهم في قوانينهم حين يكشف عن شواهد جديدة في محاكمة ما…
إلا أن المحاكم الألمانية رفضت هذا الطلب ورضيت بأن يبقى الوضع على ما هو عليه…
فياليت شعري من هذا الذي يأمن هذه الدول الظالمة، أمن هذا الذي يطلق عليها اسم دول الحق ودول الحرية، وياليت شعري هل نستفيق من رقادنا ونصدع بحكمة الحق والعدل الذي هو حياة الأمم وبقاؤها وندفع الظلم ولو كان فيه هلاكنا…
أما والله إن الظلم شوم وما زال المسيء هو الظلوم
إلى ديان يوم الدين نمضي وعند الله تجتمع الخصوم
وأحسن منه ربنا: “وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ”
هذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
منير المتصدق
سجن هامبورج/ألمانيا
رقم السجين 6/07/522
الزنزانة 524

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *