لم يعد يخفى على متأمل في المحنة المصرية تكالبُ قوى الشر الإقليمية والعالمية على شعب مسالم أعزل، يسعى إلى استرجاع شرعية سطا عليها لصوصُ الدولة العميقة، في غفلة من أمر الرئيس الشرعي المعزول محمد مرسي، الذي لانَ لغِلاظ القلوب، وعاملهم بلب “الديمقراطية” السمحة، هاضما حقه المستباح بدعوى الحفاظ على مبادئ ثورة الخامس والعشرين، وأهمها الحرية.
وكم كنت ألومه -رغم حبي له- على تركه لرؤوس فتنة إعلام مسيلمة الكذاب يعيثون في الأرض فسادا بشذوذهم الفكري، وفجورهم الأخلاقي، ووقوفهم صخرةً صماءَ في وجه أي تقدم يطال العباد والبلاد، وغضه الطرف عن الفاسدين من ضباط الجيش والداخلية الحاقدين عليه وعلى مشروعه المنفتح الراغب في استقلال مصر عن أي تبعية غربية.
وهاهم هؤلاء الذين نعموا بدفء حرية لم يستطعها الغربُ المنافقُ نفسه، قد انقلبوا على رئيسهم وخطفوه من شعبه، وذبحوا خيرة شباب مصر، وغيبوا في السجون آلاف الأبطال المغاوير، وحرقوا بيوت الله بمصاحفها، وضيقوا الخناق على كل حر يصدع بالحق، وانتدبوا حكومة خرقاء من شرار الخلق، لم يرقبوا في مؤمن إلا ولا ذمة، استخرجوها من باطن أرض الفساد والإجرام، كيف لا وببلاويُهم صاحب البلاوي صرح بعد فض اعتصامي رابعة والنهضة قائلا: إن الفض كان لا بأس به؟! في إشارة إلى أن الإبادة الوحشية التي يبتغيها كان يجب أن تشمل كل المعتصمين في الميدانين الشريفين، فحقت فيه أبيات جميلة قالها أبو العتاهية في سالف الدهر:
أما والله إن الظلم لؤم — ومازال المسيء هو الظلومُ
إلى ديان يوم الدين نمضي — وعند الله تجتمع الخصومُ
لقد عرفنا من تاريخنا العريق أن الكفر والإيمان لا تتراءا نارهما، وأنهما في صراع إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وأن أساطين الكفر وأباطرة النفاق لا يهدأ لهم بالٌ حتى تشوه صورة الإسلام الحنيف، ويقدم للعالَم مسخاً مرعبا تنفر منه الطباع؛ لذلك ظهر ما اصطُلحَ عليه “فوبيا الإسلام”.
بيد أن التقدم المعلوماتي وما رافقه من وعي إنساني وإنصاف موضوعي -وإن قل- إضافة إلى انتشار الدعاة إلى الله في العالم جميعه، أسهم في نفض الغبار عن حقيقة الإسلام التي طمسها المستشرقون ومن شايعهم من جهال الباحثين وسماسرتهم، فأضحى الكافرون يدخلون في دين الله أفواجا بعد فهم وإيمان، ليصيروا بعد ذلك من الداعين إليه بين بني جلدتهم، حتى فهم عقلاؤهم خبثَ طوية صانعي القرار فيهم، فألفوا كتبا عديدة يشيدون فيها بدين الإسلام وعظمته وسماحته وشموليته، ويظهرون مكر أنظمة الفساد الغربية المؤتمرة بأوامر الماسونية العالمية.
أما مصطلح “فوبيا الإخوان” الذي انتشر على ألسنة الباحثين الأكفاء وعموم المناضلين الشجعان الفاهمين للمعركة الدائرة بين معسكر الخير ومعسكر الشر، فلا يُشك في حقيقة وجوده في واقع الناس؛ إذ إن فصيل الإخوان بات شبحا يقض مضاجع العلمانيين ليل نهار، ويحول بينهم وبين لذيذ العيش ورغد الحياة، فكل المتظاهرين إخوان، ومن يتضامن مع الشرعية في أوروبا وأمريكا والمغرب إخوانٌ، وأخيرا صار البرادعي من الإخوان، بل إن عدوى الإخوان أصابت عالما محسوبا على السلفية هو محمود عبد الرزاق الرضواني لما قال: إن أمريكا نفسها يسيرها تنظيمُ الإخوان!!
فإن تعجب فعجبٌ صنيعُ الانقلابيين الدمويين وأزلامهم المدنيين اللاعقين لأحذيتهم، الراغبين في جزيل نوالهم، ذلك أنهم ذبحوا رغبة غالبية المصريين، وأدخلوا أصحاب الشرعية في غيابات السجن، ونصبوا الفاشلين في الانتخابات الذين لفظهم الشعب على رأس الحكومة الانقلابية، وأجهزوا على الدستور المجمع على دقته وعالميته، فحذفوا منه أروع مواده، على رأسها التي قام الانقلاب من أجلها، وهي مادة إسلامية الدولة وما يفسرها.
وذلك يدفعنا إلى الجزم بأن العداء للإسلام ومبادئه، وخشية تطبيقه تدريجيا في أرض الكنانة -وهي رغبة عموم المواطنين- وما ينتج عن ذلك من سيادة حقه، وتخلص تام من التبعية العمياء للغرب الغاشم، والوقوف مع المظلومين -خصوصا الفلسطينيين- في العالم بأسره، ودحر للفساد والمفسدين، وقيادة العالم الإسلامي بما يرجع للأمة عزها وشموخها وسؤددها، وغيره مما يطول ذكره.
كل ذلك اضطر أشرار العالم للانقضاض على مصر بأيدي أبنائها، وأظهر للعالم أن فوبيا الإسلام -وليس فوبيا الإخوان- قد سرت في عروق الانقلابيين ومناصريهم، واختلطت بعظمهم وشحمهم، حتى أعمت بصائرهم وأبصارهم، فرقصوا فوق أشلاء الشهداء بإذن الله تعالى، وأخذتهم سادية لا نظير لها، وهو ما يؤكد أنهم بلغوا الغاية في الاضطراب النفسي والعقلي، وأنهم على وشك السقوط والانهيار، والله محيط بالظالمين.