من محاسن نقاش (منع بيع النقاب) الذي اندلع الإثنين الماضي، أنه حوّل في ظرف قياسي من كان يدعو المغربيات إلى ارتداء الأزياء الحديثة من “دجينز” و”مني جيب”.. وغيرها من الألبسة، إلى دعاة ومبشرين بالجلابة المغربية الأصيلة والأنيقة!!!
قد لا يمكن لأحد أن يتخيل مثلا أن مدير يومية “الأحداث المغربية” المختار لغزيوي، المعروف بمواقفه المعلنة اتجاه الحجاب والمحجبات، بات بين عشية وضحاها من الغيورين (جدا جدا جدا) على الشدّة الشاونية، والجلابة المراكشية، والملحفة الصحراوية، واللثام المغربي الأصيل الذي تتقن وضعه على الرأس الجدَّات.
وبلغت به الغيرة إلى درجة أنه كتب متحديا: “سيكون لزاما على المتطرفة عقولهم وقلوبهم -مهما كذبوا علينا ومهما حاولوا أن يقدموا أنفسهم ذوي خبرة وحمية تفوق حمية الجميع- أن يخوضوا المعركة معنا واحدا واحدا، لكي يقنعونا بأن نزيل الجلباب المغربي الذي نعتز به، وأن نرتدي بقية الترهات”.
أكيد أن من يدافع عن الحجاب لا يخوض حروبا ولا معارك، وإنما يعرض أفكارا ويدافع عن قيم ومفاهيم متجذرة في دين وهوية وتربة هذا البلد.
وعلى كل حال، فقد أسفر هذا النقاش عن تحقيق بعض المكاسب، منها أن تصبح العاهرة مدافعة عن الشرف، وتصير يومية “الأحداث” داعية للتمسك بالجلباب المغربي بعد أن كانت -ولازالت طبعا- داعية ومطبعة للبس “البيكيني”.
ومن المكاسب أيضا أن تنكشف حقيقة دعاوى الحرية الفردية التي لطالما تمترسوا خلفها لتبرير، لا أقول حرية اللباس فقط، بل حرية الزنا واللواط والسحاق والردَّة أيضا..
ومن المكاسب أيضا أن يتضح للجميع أن من نصَّبوا أنفسهم محاربين ضد النقاب ليسوا أصحاب مبادئ بل أصحاب مصالح، وهؤلاء سهل إسقاطهم.
ومن المكاسب أن نعلم أن التبرج والعري على الطريقة الحداثية ثقافة وفكر وانتماء، يوالون ويعادون عليه.
وحتى لا نطيل كثيرا في الحديث عن هذا النفاق والتطبيل العلني لقرارات السلطة من منبر وظيفي يخدم جهة معروفة، ننتقل إلى منبر آخر، ويتعلق الأمر بيومية “آخر ساعة” التي أنشأها إلياس العماري، الأمين العام الحالي لحزب الأصالة والمعاصرة.
حيث اشتاطت اليومية في افتتاحية عدد الجمعة 13 يناير 2017 غضبا، ضد بعض الحقوقيين الذين دافعوا عن حرية لبس النقاب في المغرب.
وكتب امحمد اللقماني عضو المكتب السياسي لحزب الجرار بلغة صريحة وواضحة: “فجأة وبغير قليل من العجب، انتبه بعض الحقوقيين والديمقراطيين إلى أن منع لباس البؤس النسائي من برقع وخمار وكل ما يدخل في الدربلة الإخوانية، إنما يدخل في باب المس بالحريات والحقوق!! ولا ضير لديهم إن كان ذلك القماش اللعين هو حمال ثقافة مهينة للمرأة نفسها، بحسبانها عورة يجب سترها” اهـ.
وكلام اللقماني هذا، ومن سبقه بذلك أيضا، يكشف بوضوح أن المستهدف ليس هو النقاب المستورد من الصين أو مصر أو السعودية، وإنما هو ثقافة برمتها يختزنها النقاب، ثقافة يعتبرها هذا التيار مهينة للمرأة وحاطَّة من كرامتها، وأكثر من ذلك معيقة لعلمنة المجتمع.
ومن هنا يتضح خطأ من يناقش هذا الموضوع من جهة الواجب والمستحب، والعرف والعادة وغير ذلك، فنحن لا نناقش فقهاء ولا مصلحين أيديهم على قلوبهم خوفا على حدود الشريعة وأمرِ الله في سورتي النور والأحزاب، وإنما نناقش أحزابا وهيئات ومنابر لها مرجعية واضحة، وهدف معلن وهو طمس معالم التدين في المجتمع، ومحاصرته إلى أبعد الحدود.
ثم هل يمكننا الحديث اليوم في مغرب 2017 عن لباس دخيل وآخر أصيل، أمام هذا المد الجارف للزي الغربي، الذي يخالف المذهب المالكي من كل وجه، ويخرق القانون بشكل سافر.
هذه الأزياء التي تعري جسد المرأة أكثر مما تستره، ويسوق لها بشكل علني وعادي وطبيعي في كل الأسواق الشعبية والراقية وحتى (البال).
أظن من العيب وربما (الحكرة) الحديث في المغرب عن (البرقع) ونساؤه تلبسن المايو في البحر والمخيمات الصيفية، ومن النفاق دفاع إعلام عن الخصوصية المغربية والموروث الشعبي، وهو قد تجاوز العري بسنوات ضوئية وبات يعلم الفتيان والفتيات، دون أن يرف له جفن، طرق (تحقيق اللذة الجنسية الممتعة)!!
المهم، انتهى الكلام، قطعة قماش صغيرة، تضعها المرأة على وجهها، فضحتكم وأخرجتكم من جحور النفاق وظلماته، إلى العلن وأنواره الكاشفة..
دمتم متطرفين إقصائيين..