لا نقصد الإسلام، بل قراءة خاصة للإسلام، لا نهاجم المسلمين بل الإسلاميين، لا نستهدف نصوص الوحي بل التراث، لا نستهزئ بالنبي، بل بالنبي الذي صوره التراث، لسنا ضد الدين، بل ضد فهم معين للدين، نحن ضد الفقهاء، ضد البخاري ضد مسلم ضد ابن تيمية ضد مالك…
لائحة عناوين النفاق طويلة، شعارات يختبئ تحتها أفراخ العلمانية ومرتزقتها، ظاهرها تنقية التراث العلمي الفقهي والحديثي، وباطنها استهداف الإسلام باستهداف مصادر التشريع فيه.
لماذا الأفراخ إذن؟ ولماذا يختبِؤون؟ وما الجديد الذي يقدمون؟
الطعن في البخاري وفي مسلم باعتبار كتابيهما أوثق الكتب الستة الصحاح، هو مقدمة لنسف كل الكتب التي دونها، من حديث وسيرة وتفسير، باعتبار التداخل والترابط الحاصل بينها. هو خطوة لاستهداف القرآن في مرحلة تالية بنفس الحجج وبنفس التحليل وبنفس المنهجية، هو لبنة إذن لضرب الإسلام ككل.
مشروع استهداف الإسلام فكريا، كلا أو أجزاء منه، مشروع قديم جديد متجدد مستمر، تستعمل فيه نفس الأساليب، ونفس الاعتراضات والانتقادات والشبه، التي وضعها وسطرها أساطين وعلماء غير مسلمين، وانتهوا منذ القديم ولم يضيفوا جديدا، ورغم الردود الكثيرة والتوضيحات لكل تلك الشبه والأكاذيب، إلا أن بعض المقلدة وأشباه العلمانيين يرددونها، بشكل سطحي ساذج، يظهر ضحالة مستوياتهم، وكسلهم عن البحث الجاد.
ففي كل مرحلة زمنية وفي كل بقعة مكانية، يظهر أشخاص هنا وهناك، إما بدافع الحقد، أو بدافع الجهل، أو بدافع الارتزاق، أو بدافع الشهرة، يبحثون في كتاب هنا أو هناك أو موقع إلكتروني، فيعثرون على ما سطره السابقون من مستشرقين وملاحدة، فيطيرون به معتقدين أنهم عثروا على كنز ثمين، سيقضي على التخلف والتطرف، أو سيغير مجرى التاريخ، أو ربما سيشكك المسلمين في دينهم وسيندثر من الوجود، وربما قزم الإسلام وجعله دينا علمانيا، منزويا في الزوايا والخلوات. أو على أقل تقدير، سيجعل من هؤلاء المقلدة أشباه العلمانيين المرددين لشبه أسيادهم، أبطالا مشهورين.
هؤلاء المقلدة، منهم من يصرح بعلمانيته، ومنهم من يخفيها، ومنهم من يتعمد التلفظ بحبه للإسلام ونبيه وقرآنه، خلطا للأوراق وتهربا من أي تبعة. وإلا فإن الطاعن في سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- وسيرته، المشكك في كل كتب الحديث الصحيحة، لاشك أنه يسعى لهدم الإسلام ومصادر التشريع فيه، وبطعنه في الأحاديث، يطعن كما أسلفنا في التفاسير وفي الفقه، فلا تستقيم أي عبادة من العبادات، وأي شعيرة من الشعائر، وأي تشريع من التشريعات.
فكيف سيصلي الناس وكيف يتوضؤون وكيف يصومون ويحجون ويزكون وكيف تقوم أحوالهم الشخصية، بهدم الأحاديث التي تشرع لذلك وتفسره وتشرحه، خاصة أن كل ذلك موجود في كتب الحديث والتفسير، التي نسفها هذا الذي يدعي أنه يحب الإسلام، وكأن الإسلام جاء لنحبه، لا لنتبعه ونستسلم ونذعن له ونؤمن به.
يرى الكاتب المصري إبراهيم عيسى مثلا، أن هناك مجموعات في مصر، وفى كل مكان في الوطن العربي والإسلامي تقريبًا يعبدون البخاري، ولا يطيقون كلمة نقدية لكتاب عمره مئات السنين. لاشك أن هذا محض افتراء، فلا أحد من المسلمين يعبد أي شخص من الأشخاص أو يقدسه، والبخاري لا يعدو أن يكون عالما من علماء المسلمين، شهد له العلماء بعلو كعبه، وبمنهجيته العلمية، ورد عليه آخرون وانتقده البعض، وكل ذلك معلوم عند كل من له أدنى اطلاع، فقضية تقديس البخاري ليست سوى شماعة، لهدم الأحاديث التي جمعها، ومن ثم كل الأحاديث والسيرة والسنة.
وما قاله إبراهيم عيسى، من كذب وزور وافتراء، سبقه ولحقه في ترديده، عدد ممن أسميناهم مقلدة، نساء ورجالا في مصر والمغرب وغيرها، ممن يعتمدون طريقة القص واللصق، لما كتبه أسيادهم وأساتذتهم المستشرقون، الذين أفنوا أعمارهم في البحث في كتب التفسير والفقه والحديث والسيرة والتاريخ، ليخرجوا بتلك الخلاصات والنتائج المغلوطة، ولئن كان الخطأ مفهوما من هؤلاء، لاعتبارات أهمها أنهم غير مسلمين تدفعهم ديانتهم وخلفيتهم وإيديولوجيتهم، وثانيا لأنهم يبحثون في مجال معرفي غرباء عنه وعن بيئته، فإن ذلك غير مقبول من هؤلاء الببغاوات، الذين يورطون أنفسهم في معارك خسرها قادتهم وشيوخهم الذين ينتمون لثقافات وديانات أخرى.
إن هؤلاء المقلدة، يستهدفون النبي وأحاديثه، مرة بادعاء تناقض الأحاديث، ومرة بادعاء مخالفتها للعقل، ومرة بالاختباء تحت عباءة حرية التعبير، التي تتسع حينا وتضيق حينا، وقد سبقهم بذلك المستشرقون والملاحدة كما قلنا، وقبل ذلك بقرون علماء الشيعة، وطائفة أنكرت الأحاديث، تسمى القرآنيين.
ونختم بالقول أن ادعاء تناقض الأحاديث ومخالفة بعضها للعقل، هو أمر لن يسلم منه حتى القرآن الكريم، بالمنهجية التي يعتمدها المستشرقون والملاحدة، ذلك أن لكل مجال معرفي منهجيته، ومفاهيمه ومصطلحاته، فهل سنفهم العربية بقواعد الإنجليزية مثلا؟ وهل سنقرأ التاريخ بالمناهج والمدارس الأدبية؟ وهل سنختبر نظريات الفلسفة بقواعد الرياضيات؟
لذلك نقول أن هؤلاء المقلدة يستهدفون الأحاديث وعينهم على القرآن أيضا، لذلك سنسبقهم بالقول ما رأيكم في تناقضات هذه الآيات ومخالفتها للعقل.
يقول تعالى في سورة مريم علي لسان عيسى “والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا”. وهذا إثبات لموت المسيح.
ولكنه يقول في سورة النساء “وما قتلوه وما صلبوه بل رفعه الله إليه “.
وقال في سورة المؤمنون “ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ”. وهذا يعني أن هناك أكثر من خالق.
ثم قال في الزمر “اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ” .
آيات كثيرة يكفي أن تبحث عن صفحات الملاحدة على النت، يسوقونها على أنها متناقضة ومخالفة للعقل، وهي ليست كذلك، وقد رد العلماء قديما وحديثا على كل تلك الترهات، فهؤلاء المقلدة إذن لم يأتوا بجديد، ويكفي أن تقوم ببحث بسيط لتعرف الخلط الذي يقع فيه هؤلاء المقلدة ومن سبقهم من المستشرقين والملاحدة، بسبب افتقارهم لأدوات البحث ومنهجيته، وجهلهم بالعلوم الشرعية وباللغة العربية، وبالحاجز الذي تشكله العلمانية أو الإلحاد، فيكون مانعا من الموضوعية والعلمية، فتكون القراءة سياسية أيديولوجية عنصرية حاقدة.
ونختم بادعاء هؤلاء المقلدة أن ما يقومون به، مندرج تحت حرية التعبير المكفولة قانونيا، وهذا مردود عليه، لأن القوانين إنما جاءت لحفظ هوية وقيم ودين وثقافة أي شعب لا أن تلغيها، وفي كل بلدان العالم لحرية التعبير ضوابط وقواعد، ولعل فرنسا تشكل مثالا صارخا، لعلو مجموعة من القيم والمبادئ، لا يسمح بانتهاكها بحجة حرية التعبير، وكذلك في أمريكا وبريطانيا، فحرية التعبير هذه ليست حجة لضرب تاريخ شعب ومشاعره وقيمه وهويته وتشريعاته وعباداته ومقدساته.