نداء حماية الحريات الفردية إيذان ببداية معركة جديدة من معارك الحرب العلمانية الشاملة على دين المغاربة

أطلق العلمانيون في المغرب في يناير المنصرم نداء من أجل حماية الحريات الفردية على إثر فضيحة الشواذ في مدينة القصر الكبير وما تبعها من ردود فعل المواطنين، تبين من خلالها لأصحاب النداء أن المغاربة ما زال لم يُجهَز تماما على غيرتهم على دينهم، رغم الحرب الشاملة التي تشنها وسائل الإعلام التي هي في أغلبها بيد العلمانيين أو بيد المتأثرين بالفكر العلماني العفن.

فكم هو مسكين هذا الشعب المغربي، فعندما يخرجه اليساريون والحداثيون إلى الشوارع ليلقى حتفه -حتى يصل زعماؤه إلى مراكز القرار- كما حدث في كل الإضرابات التي ذهبت ضحيتها أرواح الأبرياء يسمى خروجُهم واستنكارهم وكل ما يقترفونه من أعمال العنف والشغب نضالا من أجل الحرية والانعتاق، ويسمى المخربون مناضلين ومن لقي حتفه شهيد الحرية، وعندما يخرج نفس الشعب إلى الشوارع مستنكرا لطغيان الفاحشة بين أبنائه في غفلة من كل الذين من واجبهم حمايتهم، يسمى ذلك هستيريا جماعية و”شعبوية”، وتهديدا للحريات الفردية وتكفيرا للمنحرفين والشواذ وهلم جرا من النعوت.
فما هي الأسباب الحقيقية التي أنتجت تنادي العلمانيين على بعضهم البعض من أجل حماية الحريات الفردية؟
ومتى يفك الحصار العلماني المضروب على هيئات العلماء ليتمكنوا من صد هذا الانحراف على مستوى الأخلاق والعقائد؟
وماذا يقصد العلمانيون بحماية الحقوق الفردية؟
وما هي هذه الحقوق؟

الأسباب الحقيقية التي أنتجت نداء العلمانيين مِن أجل حماية الحريات الفردية
يمكننا أن نقسم هذه الأسباب إلى قسمين: قسم له علاقة بالمرجعية الفكرية العلمانية، وآخر له صلة باستراتيجية الحرب الشاملة للعلمانيين على المجتمع المغربي.
1- الأسباب ذات الصلة بالمرجعية الفكرية العلمانية
من أهم هذه الأسباب اعتناق العلمانيين للعقيدة العلمانية التي تؤمن أن مركز الكون وسبب خلق الأرض والسماوات هو الإنسان، ومن تم وجبت حماية حقوقه الفردية، وهذا معنى الإنسانية التي يساء فهمها واستعمال لفظتها من طرف الكثيرين، فالتزموا ما تفرع عنها وأقاموا عقيدة جديدة للولاء والبراء على مقتضياتها وهذا واضح من النداء الذي أطلقوه، اعتنقوا تلك العقيدة المادية التي وضعها الإغريق والرومان الوثنيون بدل العقيدة الإسلامية المؤسسة على القرآن والمُبينة في أحاديث خير الأنام صلى الله عليه وسلم، التي تجعل عبودية الله سبحانه هي المركز، وأن على الإنسان أن يحمي حق الله سبحانه في توحيده، وتهون على المؤمنين نفوسهم ومهجهم في سبيل حمايته بله حقوقهم في ممارسة الشذوذ والسحاق وتبديل الديانة.
كما تؤمن هذه العقيدة الإسلامية أن تحقيق عبوديته سبحانه من طرف الإنسان هو سبب خلق الله له، تصديقا بقول الله تعالى: “وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ” الذاريات، وأنه سبحانه خلق الكون وما فيه وسخره للإنسان لتحقيق العبودية، وتعتبِر ذلك حقيقة مطلقة يتفرع عنها الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله، وما يستتبع ذلك من حماية للدين ودفاع عن هذه العقيدة، حتى يجتاز هذا الإنسان اختبار الأمانة التي حملها بينما أشفقت منها السماوات والأرض والجبال وهذه شهادة الله عليه: “إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً” سورة الأحزاب.
وما إرسال الله لرسله المبلغين إرادته للإنسان، وما إنزاله سبحانه وتعالى لكتبه المقدسة إلا رحمة منه وتحقيقا لعدله، لينفي عن هذا الإنسان ظلمه وجهله بحقيقة تلك الأمانة ولمدِّ العون له حتى يفِيَ بحقوقها فيدخل جنة ربه التي يشكك فيها أكثر العلمانيين المغاربة ويعتبرونها “ميتافيزقا” لا سبيل للعقل إلى إثباتها بالحواس أو التجربة المخبرية، لذا مَن شاء من الناس أن يؤمن بها وما يتطلبه دخولها والفوز بها فله ذلك، شريطة ألا يطالب الدولة بالسهر على امتثال الدين في ما تشرعه من قوانين لأن ذلك مناف لأسس الدولة العلمانية، التي عمل العلمانيون منذ فجر الاستقلال على أن تهيمن فيها وعليها القوانين العلمانية بدل الشريعة الإسلامية، فكان البدء بعلمنة التشريعات التجارية والجنائية واليوم جاء الدور على الأخلاق والآداب العامة، وهذا يحيلنا على القسم الثاني من الأسباب ذات الصلة باستراتيجية الحرب الشاملة للعلمانيين.

2- الأسباب ذات الصلة باستراتيجية الحرب الشاملة للعلمانيين على المجتمع المغربي
لقد اقتضت المرجعية العلمانية وضع إستراتيجية على مستويات عديدة حسب طبيعة المراحل تأخذ بعين الاعتبار مدى قابلية الجسم المغربي لتقبل مقتضيات وتعاليم العقيدة العلمانية المصادمة لأسس ومقتضيات العقيدة الإسلامية، هذه الاستراتيجية كانت من وضع المحتل العلماني الفرنسي الذي بدأ منذ السنة الأولى التي فرض فيها اتفاقية الحماية لحقوقه المزعومة بسن القوانين العلمانية من أجل أن يتحاكم إليها المغاربة في أمور دنياهم ومعاشهم بدل التحاكم إلى الشريعة الإسلامية التي ظل المغاربة متشبثين بها لعقود من الزمن رغم حرب المحتل لها ومضايقته للقضاء الشرعي، حيث وضع لذلك نظاما للقضاء اعتمد فيه على ما يسنه من قوانين وضعية علمانية، هذا على مستوى التشريع والقضاء.
أما على مستوى التعليم فقد حارب المحتل الفرنسي التعليم المبني على الأسس الإسلامية وحارب المدارس العتيقة وأفسد القرويين باسم الإصلاح وأنشأ المدارس العلمانية، امتثالا لتوجيهات منظري السياسة الإمبريالية أمثال المستشرق الحاقد صمويل زويمر الذي قال: “مادام المسلمون ينفرون من المدارس المسيحية فلا بد أن ننشئ لهم المدارس العلمانية، ونسهل التحاقهم بـها، هذه المدارس التي تساعدنا على القضاء على الروح الإسلامية عند الطلاب” .
فمن أكمَل تطبيق استراتيجية الحرب العلمانية الشاملة في القضاء على الروح الإسلامية عند الطلاب خاصة والمواطنين المغاربة عامة بعد طرد المحتل؟
لا يحتاج هذا السؤال إلى جواب لبداهته، نظرا لكون مطلقي نداء الحريات الفردية كما هو شأن كل العلمانيين، يصرحون بضرورة اتباع خطى الغرب في كل شيء إذا أردنا التقدم والازدهار والخروج من التخلف الناتج عن عصور هيمنة الإسلام على الحياة الخاصة والعامة في نظرهم.
فإذا كان المحتل قد تكفل بسن جل القوانين المتعلقة بالحياة العامة وأقام لها المؤسسات، فإن العلمانيين من بني جلدتنا تكفلوا بالنضال من أجل علمنة الحياة الخاصة وبالتحديد ما تعلق منها بالأسرة في المقام الأول، لأن تفكيكها هو السبيل الأول لحماية الحقوق الفردية، حيث ستغيب سلطة الأب في تحديد الحرية الدينية لابنه، كما أن تماسكها وبقاءها مبنية على أسس العقيدة الإسلامية والتعاليم الدينية يحول دون وجود ميولات فردية تخالفها مثل التحول والشذوذ الجنسيين، مما يقوي تماسك الضمير الجمعي للمجتمع بالثوابت الدينية ومقومات الهوية، فيعارض كل ما من شأنه أن يخل بالأخلاق والآداب العامة أو يخدش الحياء العام.
إن النداء الذي أطلقه العلمانيون من أجل حماية الحريات الفردية، يعتبر آلية من آليات تنفيذ استراتيجية الحرب العلمانية الشاملة على المغاربة، كما يعتبر خطوة من الخطوات المهمة نحو تقنين البغاء والزواج المثلي وحرية الردة والكفر التي يُطلقون عليها اسم حرية الاعتقاد، مما يجعل المسؤولية ثقيلة جدا على عاتق هيئات العلماء التي تبدو محاصرة من طرف جيوش العلمانيين.
الحصار العلماني للعلماء
بالإضافة إلى نجاح بعض العلمانيين في اختراق هيئات العلماء خصوصا مندوبيات وزارة الأوقاف كما هو الحال في مدينة تطوان حيث يرأس المندوبية اشتراكي كان قبيل تنصيبه عدوا لدودا للعلماء، يمارس العلمانيون حصارا شديدا على كل عالم أو خطيب يتعرض لهم بنقد، ولا يزال المغاربة يتذكرون ما تعرض له رئيس المجلس العلمي بالدار البيضاء رضوان بنشقرون لكونه تجرأ على إنكار التبرج والعري على الشواطئ والاختلاط في خطبة ألقاها بمسجد الحسن الثاني، وكذا حربهم ومحاصرتهم لخطيب مسجد قرية “ابا محمد” لأنه انتقد استهزاء البرلماني العلماني الاشتراكي “عبد القادر البنا” بآيات القرآن والتي انتهت بعزل الخطيب مؤخرا.
ومن آخر جولات حربهم ومحاصرتهم الكثيرة للعلماء ما نشرته جريدة الأحداث في عددها 3278 بتاريخ 29/01/2008 على مسؤولية كاتب المقال “اللماغي” أحد الموقعين على نداء حماية الحريات الفردية، ولكونه يعرف أن لا أحد سيحاسبه قام باستغلال مؤسسة إمارة المؤمنين لشد الحصار على رئيس المجلس العلمي بطنجة، لكونه “استنكر إفساد العلمانيين في البلاد واعتبر أن إبراز مهمة العلماء تتحدد من خلال مواجهة هؤلاء”، محاولة منه للضغط على وزارة الأوقاف التي تبين من خلال عدد الخطباء الذين أقالتهم مع كفاءتهم وانضباطهم أنها سماعة لهم.
فكيف يرجى من علماء محاصرين أن يدافعوا عن عقائد المغاربة خطر العلمانية؟
وأخيرا نقول إن الحقوق الفردية التي يشغب العلمانيون علينا بها في المغرب يجب أن تحدد استنادا إلى المرجعية الإسلامية لا العلمانية ما دام المغاربة مسلمين، ومادام المغرب بلدا مسلما، وتوجد من ضمن مؤسساته إمارة المؤمنين وهيئات للعلماء.
فعلى العلماء أن يضعوا خطة عمل لسن نظام الحسبة حتى يتم لجم هذه الأفواه والمبادرات التي تروم مسخ المسلمين عن دينهم، ويتمكنوا من خلاله من الدفاع عن الإسلام وعقائد المغاربة التي تمثل أهدافا أساسية للحرب العلمانية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *