يتخذ الرزق مظاهر عدة؛ وهو من النعم التي أنعم الله تعالى بها على عباده، فالصحة رزق؛ والمال رزق؛ والأولاد رزق؛ والزوجة الصالحة رزق؛ والمسكن والمركب والمطعم.. كلها صنوف من الأرزاق التي تفضل الله بها على عباده تكرما وإنعاما، يقول الله تعالى: «أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ» الروم:37، والمؤمن هو الذي يتوخى السبل المشروعة في استجلاب الأرزاق ويتحرى طرقه التي أحل الله تعالى في الاستزادة منه وحصول دوامه، كما يسعى إلى طرْق أبوابه والتماس مفاتيح تلك الأبواب التي أرشد إليها الله تعالى ورسوله الكريم وهذه بعض منها:
الإيمان بالله تعالى: الإيمان هو أصل الدين وأساسه التوحيد وهو يناقض الشرك، فاعتقاد العبد بأن الله تعالى هو الرزاق الكريم، داخل في دائرة الإيمان به عز وجل، فهو الذي يرزق من يشاء بغير حساب وهو الذي يغني ويفقر، يعز ويذل، يعطي ويمنع وهذا أصل في الاعتقاد، متى عمل العبد بمقتضاه فإنه يؤدي إلى الاهتداء إلى ما يليه من مفاتيح للرزق، يقول الله تعالى: «وَلَو أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ» الأعراف:96.
التقوى: وأصلها الخوف من الله تعالى واتقاء عذابه وسخطه، واجتناب ما نهى عنه الله ورسوله، ومراقبة الخالق في السر والعلن في الظاهر والباطن، والاحتراز من الإقدام على أي عمل أو قول قبل عرضه على ميزان الشرع وقياسه بمقياس الحلال والحرام، يقول الله تعالى: «وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ» الطلاق:2-3.
اتباع ما أنزل الله على رسله: التصديق بما أنزل الله تعالى من شرائع وكتب هو المنهج القويم لكل خير وفلاح، وما أفلح قوم كذبوا رسلهم وكفروا بالكتب، ولنا في القرآن الكريم سر السعادة في الدنيا والآخرة، فهو الدستور الذي يرفع الله به أقواما إن تمسكوا به وأقاموا أحكامه، ويحط به أخرى إن أعرضوا عنه، يقول الله تعالى: «وَلَو أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم ۚ مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ» المائدة:68.
التوكل على الله مع الأخذ بالأسباب: والتوكل داخل في صلب الإيمان وهو تفويض لله بالحال والمآل اعتقادا فيه الكفاية والاحتساب، فهو المدبر والرزاق والمعطي والمانع، يقول الله تعالى: «وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُو حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا» الطلاق:3، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لو أنكم تتوكَّلون على اللهِ حقَّ تَوَكُّلِه لرزقَكم كما يرزقُ الطيرَ، تَغْدو خِماصًا، وتروحُ بِطانًا» السلسلة الصحيحة: 310.
وهذا التوكل لا يصح ولا يكتمل من غير السعي والجهد والاجتهاد وذلك بالأخذ بمختلف الأسباب والوسائل المشروعة المفضية إلى استجلاب الرزق، يقول الله تعالى: «وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَىٰ» النجم:39-41.
فقد ذم الله ورسوله كل مظاهر البطالة والعطالة والاتكال على الغير دون إعمال الجهد وبذل الطاقة، فعن كعب بن عجرة قال: مرَّ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رجلٌ فرأَى أصحابُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من جلَدِه ونشاطِه فقالوا يا رسولَ اللهِ، لو كان هذا في سبيلِ اللهِ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «إن كان خرج يسعَى على ولدِه صِغارًا فهو في سبيلِ اللهِ، وإن كان خرج يسعَى على أبوَيْن شيخَيْن كبيرَيْن فهو في سبيلِ اللهِ، وإن كان خرج يسعَى على نفسِه يعفُّها فهو في سبيلِ اللهِ، وإن كان خرج يسعَى رياءً ومُفاخَرةً فهو في سبيلِ الشَّيطانِ» الترغيب والترهيب:3/106.
كما رغبا في العمل والكد والاجتهاد، بما يعود بالنفع على الفرد والمجتمع، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ أطيبَ ما أَكلَ الرَّجلُ من كسبِهِ، وإنَّ نبيَّ اللَّهِ داودَ كانَ يأْكلُ من كسبِ يدِهِ» البداية والنهاية:2/10، ويقول الله عز وجل: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ» النساء:29.
صلة الرحم: المجتمع المسلم نسيج إنساني يسوده التراحم وتغمره المودة والألفة، وقد أوصى الله ورسوله الكريم بصيانة وتمتين الروابط الأسرية خاصة، وتوثيق أواصر المحبة والتآلف بين المسلمين عامة، يقول الله تعالى: «وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ» الأنفال: 75، ويقول عز وجل محذرا: «فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ» محمد:22 ، فالحرص على صلة الرحم بين المسلمين وعلى دوام استمرارها مفتاح من مفاتيح الرزق، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن سرَّهُ أن يُبسطَ لَه في رزقِهِ، وأن يُنسَأَ لَه في أثرِهِ، فَليُصَلِّ رَحِمَهُ» البخاري: 5985.
الاستغفار: هو باب مفتوح على الدوام، لتنزل المغفرة والرحمات، وهو وسيلة لجبِّ ما يرتكبه العبد من معاصي وهفوات، باب النادمين وملجأ التائبين، وأمل المهمومين، وبه يتصالح العبد مع نفسه ومن خلاله يرجو من الله التجاوز والصفح، فيفرح الله تعالى برجوعه واعترافه بأن له ربا غفورا رحيما فجزاء ذلك أرزاق من الله عز وجل لا تنقطع ونعم منه تعالى لا تزول، يقول الحق سبحانه على لسان نوح عليه الصلاة والسلام: «قُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا» نوح:10-12.
وعلى لسان هود عليه الصلاة والسلام: «وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ» هود: 52.
الشكر والعمل الصالح: وهي سبل لاستمرار المدد الرباني ولدوام ما تحصل للعبد من المكاسب والأرزاق، فكما يديم العبد صلته بالله عز وجل شكرا وذكرا وطاعة، فإن الخالق تبارك وتعالى يمده بالمزيد ويبارك له فيه، يقول الله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ ۖ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ» العنكبوت: 17، ويقول عز وجل: «يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ۖ إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ» المؤمنون: 51.
وبعد هذا كله، على الإنسان أن يعلم أنه محاسب على هذا الرزق، من أين اكتسبه، وكيف حصله، وفيم أنفقه، فاستحضار هذه المسألة في الدنيا قبل الآخرة، مدعاة لتحري الطرق المشروعة في الكسب واتباع الوسائل المباحة في الإنفاق، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لن تزول قدما عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يُسأَلَ عن أربعِ خِصالٍ: عن عُمرِه فيما أفناه، وعن شبابِه فيما أبلاه، وعن مالِه من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن عِلمِه ماذا عمِل فيه» الترغيب والترهيب:4/298.
اللهم افتح لنا أبواب رزقك وأدم علينا نعمك..
والحمد لله رب العالمين.