حاجة البشرية للأنبياء والوحي وخاتمية الرسالة الإسلامية؟ إسماعيل بنزكرية

يسأل البعض عن الغاية من بعثة الأنبياء، ولماذا ختمت الأديان برسالة الإسلام رغم أن الغرب هو المهيمن اليوم والمسيطر، وثقافته هي الأكثر انتشارا في حياة الشعوب.

لا شك أن ظاهرة النبوة شكلت عبر التاريخ عنصرا مهما في الأحداث التي شهدها العالم، والأنبياء في التصور الإسلامي هم أشخاص اصطفاهم الله وأنزل عليهم وحيا من عنده لتبليغ رسالاته للناس وإرشادهم إلى الصراط المستقيم والنهج القويم.

ليس الأنبياء كما يحاول أن يفهمنا البعض، أشخاص عباقرة يستطيعون فهم الأحداث وحسن استثمارها لتحقيق أهدافهم، لكن الأنبياء هم أشخاص يملكون ملكات وقابليات في ذروة الحركة والفاعلية لاستقبال الفيوض الإلهية ودلالة الناس على الله وفق الوحي المرسل إليهم.

والحقيقة أن الأنبياء كانوا عبر التاريخ هم مرشدو الإنسانية إلى ماهية الأشياء، بما يخدم رسالة الإنسان في الوجود والتعامل مع الطبيعة خارجيا وداخليا بعيدا عن تأثيرات الثقافة والتقليد الأعمى للمجتمع.

فمعلوم أنه لا يمكن العثور على ماهية كونية داخل كل إنسان من شأنها أن تعكس الطبيعة، لكن هناك بُعد كوني للشرط الإنساني، فليس من قبيل الصدفة أن يتحدث الناس حاليا بشكل تلقائي عن شرط وجود الإنسان أكثر من حديثهم عن الطبيعة الإنسانية. فهؤلاء الأشخاص يقصدون بالشرط الإنساني وبشكل قبلي مجموع الحدود التي ترسم وضعيته الأساسية في الكون[1].

ويمكن اعتبار الأنبياء هم أولائك الأشخاص الناذرون الذين يرتقون بالإنسان من مستوى الارتهان للطبيعة وموروثات الأجداد إلى مستوى الشرط الإنساني ومعرفة رسالة الإنسان الوجودية للتوافق معها والفعل في التاريخ وفق الإرادة الربانية المحيطة بالزمان والمكان.

فالوظيفة الأولى للأنبياء تمثلت في تقديم أسرار الطبيعة وقوانينها الإلهية إلى البشرية، وعملوا على التعريف بأسماء الله وصفاته التي يشهد كل الكون عليها، فلولا وجود الأنبياء وما قاموا به من دلالة على الله لما كان بوسع الإنسان إدراك حقيقة الكون من حوله، لأن ذلك لا يحصل إلا عن  طريق معرفة الله تعالى من خلال جدلية الغيب والإنسان والطبيعة وتداخلها.

لذلك فوجود الأنبياء كان حاجة ملحة في حياة البشرية، ولم يخل منهم زمان ولا مكان، فالعقل والحكمة والقرآن تدلنا على بعث الأنبياء في كل عصور البشرية وربوعها.

وفي حديث عميق شارح لهاته الحقيقة الوجودية يخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أنه بعث في خاتمة الزمان، بحيث شكلت رسالته بداية عهد اكتمال الرشد الإنساني من خلال الوحي الذي جاء به، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَة كَهَاتَيْن) يعني: إصبعين، وجاء عن سهل بن سعدٍ الساعدي رضي الله عنه مرفوعا بلفظ (بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعة هكذا -ويشير بأصبعيه فيمدُّ بهما-)[2]، أخرجه الإمام مسلم في صحيحه (867).

عن جابر بن عبد الله قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرَّت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول “صبَّحكم ومسَّاكم”، ويقول (بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَة كَهَاتَيْنِ) ويقرن بين إصبعيه السبابة والوسطى. وخرج الإمام أحمد (38/36) بإسناد حسن من حديث بريدة (بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَة جَمِيعاً إِنْ كَادَتْ لَتَسْبِقُنِي).

إن بعثة الأنبياء عبر العصور تشكل دلالة عميقة على عناية الله بخلقه، فالإله الذي خلق الكون ووضع فيه هذا النظام الدقيق، لا يمكن أن يترك عباده هملا بدون مرشدين يدلونهم عليه وعلى الغاية من وجودهم في الحياة.

إن القرآن الكريم يخبرنا في نص صريح أن ظاهرة النبوة رافقت البشرية على طول مسيرتها، يقول تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ ۚ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ}[3]، وليس غريبا أن تكون هذه الآية في سورة النحل التي عددت مشاهد العناية الربانية بخلقه في مظاهر الكون والطبية المحيطة بهم، مما يقتضي عناية أخرى أولى وأهم وهي هداية الوحي للنهج السليم للحياة.

لكن البشرية تحاول التغافل عن هذه الحقيقة والانحراف عن هذا الصراط المستقيم، الذي رسمه الأنبياء للناس بما أوحي إليهم من رب العالمين.

ورغم أن أديان كثيرة تعرضت للتحريف، فنحن نعرف من خلال نصوص السنة أن الأنبياء الذين ظهروا في كل العالم يصل إلى 124 ألفا[4]، حدثنا القرآن عن 28  منهم.

ومعلوم من علم تاريخ الأديان والأنتروبولوجيا وجود نقاط مشتركة عديدة في الأديان بين مختلف المجتمعات الإنسانية رغم البعد الزمني والمكاني بينها مما يعد شاهدا على أصلها الواحد الذي تفرعت عنه.

إن النبوة رافقت البشرية في مختلف أطوارها، ورغم ذلك فقد ظلت كثير من الشعوب تمارس التحريف لأديانها السماوية فكان الإسلام رسالة الله الأخيرة للبشرية حتى تعود إلى رشدها وتكون كما أراد الله لها.

———————————–

J.P. Sartre l’existentialisme est un humanisme. Nager 1946. p 66-69 – [1]

[2]رواه البخاري (6138) ومسلم (2950)

[3] النحل:36.

[4] المسند للإمام أحمد، صحيح ابن حبان، ومستدرك النيسابوري.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *