نيل المنى الشيخ مولود السريري

وحين لا يلزم في المــسـبـب ****قصد اليه مع تعاطي السبب
فللمكلفـين تــرك القصـــــــد ****له ومــا قــد مر ذاك يبــدي
المسألة الخامسة
في أنه إذا ثبت أنه لا يلزم المكلف القصد إلى المسبب كما تقدم بيانه في المسألة وتقريره في المسألة الثالثة السابقة فإن له ترك القصد إليه بإطلاق، وله القصد إليه، إن شاء.
قال الناظم: «وحين» ثبت وتقرر أنه «لا يلزم» المكلف ولا يجب عليه «في» شأن «المسبب قصد إليه» أي قصد إلى تحصيله، وإيجاده، أو حصوله، ووجوده مع «تعاطي» تناول «السبب» والإتيان به فإن للمكلفين إن شاؤوا «ترك القصد إليه» أي للمسبب لأنه غير واجب عليهم قصدهم إليه «وقد مر» ذكره في المسألة الثالثة في هذا الشأن «ذاك» وهو أنه لهو ترك القصد إليه «يبدي» أي يظهر.
وعلى هذا فإنه لو قيل لك لم تكتسب لمعاشك بالزراعة أو بالتجارة أو بغيرها؟
قلت: لأن الشارع ندبني إلى تلك الأعمال؛ فأنا أعمل على مقتضى ما أمرت به، كما أنه أمرني أن أصلي وأصوم وأزكي وأحج إلى غير ذلك من الأعمال التي كلفني بها، فإن قيل لك إن الشارع نهى لأجل المصالح، قلت: نعم، وذلك إلى الله لا إلي، فإن التسبب، وحصول المسببات ليس إلي، فأصرف قصدي إلى ما جعل إلي وأكل ما ليس إلي إلى من هو له.
ومما يدل على هذا أيضا: أن السبب غير فاعل بنفسه، بل إنما وقع المسبب عنده لا به، فإذا تسبب المكلف فالله خالق السبب، والعبد مكتسب له (والله خلقكم وما تعملون) الصافات:96 (الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل) الزمر: 62 (وما تشاءون إلا أن يشاء الله) الإنسان: 3 (ونفس وما سواه فألهمها فجورها وتقواها) الشمس:7-8 وفي حديث العدوي قوله عليه الصلاة السلام: (فمن أعدى الأول)؟
وقول عمر في حديث الطاعون: نفر من قدر الله إلى قدر الله. حين قال له عمرو بن العاص: أفرار من قدر الله؟ وفي الحديث: (جف القلم بما هو كائن، فلو اجتمع الخلق أن يعطوك شيئا لم يكتبه الله لك لم يقدروا عليه، وعلى أن يمنعوك شيئا كتبه الله لك لم يقدروا عليه).
والأدلة على هذا تنتهي إلى القطع، وإذا كان كذلك فالالتفات إلى السبب في فعل السبب لا يزيد على ترك الالتفات إليه؛ فإن المسبب قد يكون، وقد لا يكون، هذا وإن كانت مجاري العادات تقتضي أنه يكون، فكونه داخل تحت قدرة الله يقتضي أنه يكون وقد لا يكون، ونقض مجاري العادات دليل على ذلك، وأيضا: فليس في الشرع دليل ناص على طلب القصد إلى المسبب.
فإن قيل: قصد الشارع إلى المسببات والتفاته إليها، دليل على أنها مطلوبة القصد من المكلف، وإلا فليس المراد بالتكليف إلا مطابقة قصد المكلف لقصد الشارع، إذ لو خالف لم يصح التكليف كما تبين في موضعه من الكتاب، فإذا طابقه صح، فإذا فرضنا هذا المكلف غير قاصد للمسببات، وقد فرضناها مقصودة للشارع، كان بذلك مخالفا له، وكل تكليف قد خالف القصد فيه الشارع فباطل كما تبين، فهذا كذلك.
فالجواب: أن هذا إنما يلزم فرضنا أن الشارع قصد وقوع المسببات بالتكليف بها كما قصد ذلك بالأسباب، وليس كذلك، لما مر أن المسببات غير مكلف بها، وإنما قصده وقوع المسببات بحسب ارتباط العادة الجارية في الخلق، وهو أن يكون خلق المسببات على أثر ارتفاع المكلف للأسباب ليسعد من سعد ويشقى من شقي، فإن قصد الشارع لوقوع المسببات لا ارتباط له بالقصد التكليفي، فلا يلزم قصد المكلف إليه إلا أن يدل على ذلك دليل، ودليل عليه. بل يصح ذلك، لأن القصد إلى ذلك قصد إلى ما هو فعل الغير، ولا يلزم أحدا أن يقصد وقوع ما هو فعل الغير لأنه غير مكلف بفعل الغير، وإنما يكلف بما هو من فعله، وهو السبب خاصة، فهو الذي يلزم القصد إليه، ويعتبر فيه موافقة قصد الشارع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *