بعد القمني.. أكاديمية المملكة تستقبل الشرفي الذي زعم أن عقائد المسلمين مجرد أساطير نبيل غزال

ألقى أمس السبت (07/05/2016) المفكر التونسي عبد المجيد الشرفي محاضرة بمقر أكاديمية المملكة المغربية بالرباط بعنوان “الحداثة الغربية والظاهرة الدينية”.
وخلال المحاضرة المثيرة للجدل قام عراب الحداثة الغربية في العالم العربي بالمطالبة مجددا بالأخذ التام بهذه الحضارة، لكونها -وفق طرحه- نتاح لكل الحضارات السابقة بما فيها الحضارة الاسلامية.
وأثار وزير التربية والتعليم في حكومة الهارب بن علي في محاضرته مسألة إمامة المرأة للرجل؛ وهي المسألة التي يكررها في عددا من خرجاته الإعلامية، وقال: “إذا أخذنا مسألة الصلاة وإمامة المرأة، فعندما تخاطب مغربيا أو تونسيا أو مصريا عاديا، يقول لك لا يجوز للمرأة أن تؤم الرجال، لأن بين المذاهب اختلاف حول إمامتها للنساء، بينما هناك قيمة جديدة نشأت مع الحداثة الغربية وهي قيمة المساواة بين الرجال والنساء”.
أولا؛ هل هناك فعلا اختلاف بين المذاهب في حكم إمام المرأة للرجال؟ هذا غير صحيح، سواء تعلق الأمر بالمذاهب المعتبرة وغير المعتبرة، وإنما حشر الشرفي هذه الجملة في كلامه ليعطي لمستمعيه الانطباع بأنه على اطلاع بالتراث الفقهي الإسلامي، وأن طرحه يحتمله الخلاف، علما أن الاجماع منعقد على خلاف ذلك.
فقد ذكر ابن حزم في المحلى 2/167 أنه: “لا يجوز أن تؤم المرأة الرجل ولا الرجال، وهذا ما لا خلاف فيه، وأيضا فإن النص قد جاء بأن المرأة تقطع صلاة الرجل إذا فاتت أمامه، مع حكمه عليه السلام بأن تكون وراء الرجل في الصلاة ولا بد، وأن الإمام يقف أمام المأمومين ولا بد..” اهـ.
أما مذهب السادة المالكية فيعد من أشد المذاهب في الباب، لأنهم يمنعون إمامة المرأة حتى للنساء، ويجعلون الذكورة شرطا في الإمامة مطلقا، جاء في “الفواكه الدواني” (1/204) : “واعلم أن الإمامة لها شروط صحة وشروط كمال، فشروط صحتها ثلاثة عشر؛ أولها الذكورة المحققة فلا تصح إمامة المرأة ولا الخنثى المشكل وتبطل صلاة المأموم دون الأنثى التي صلت إماما” اهـ.
المساواة التامة بين الجنسين التي روج لها عبد المجيد الشرفي في محاضرته؛ أكد أنها يجب أن تشمل الإمامة في الصلاة وأحكام الإرث..، وأشار أن هذه التساؤلات غير مطروحة في العديد من المجتمعات الإسلامية باعتبارها مخالفة للنصوص، وأن هناك رجالا ونساء يورثون أبناءهم وبناتهم على قدم المساوة لأنهم تبنوا هذه القيمة الجديدة.
المفكر التونسي كعادته يروج لمفهوم “المساواة الميكانيكية” بين الجنسين؛ التي تلغي الاختلافات الخلقية والعضوية والوظيفية، ولا تعير اهتماما للعلاقة التكاملية بين الذكر والأنثى، وفلسفة الإسلام في تقسيم الأدوار بينهما، كما أن مفهوم العدل غائب في طرحه؛ ما يجعل كلامه مجرد دعاية وتسويق للحداثة الغربية بعجرها وبجرها؛ وهذا ما أكده في محاضرته المشار إليها حيث قال: “أزعم أننا إذا أردنا أن ننخرط في التاريخ، مفروض علينا أن نتبنى هذه القيم بدون احتراز، لأنها وإن نشأت في الغرب فإنها صالحة لكل المجتمعات البشرية، وتمثل أفقا يسعى إلى تحقيقه الناس متى كانوا واعين بأنها جديرة بأن تطبق على أرض الواقع”.
قد يحسن بعض الناس الظن بالعلماني عبد المجيد الشرفي؛ ويعتبرون طرحه صدر عن غيرة على هذه الأمة والأوضاع المزرية التي تعيشها، وأنه يسعى من خلال مؤلفاته ومحاضراته؛ التي تركز غالبا على انتقاد العقائد الإسلامية والأحكام الشرعية؛ إلى محاربة الجمود والتقليد والفهم المنحرف للدين.
لكن الأمر بخلاف ذلك تماما؛ فهذا الشخص يعد علمانيا متطرفا؛ لا يقل شأنه عن المتطرف القمني الذي أحدثت زيارته للمغرب في رمضان جدلا كبيرا ونقاشا محتدما.
وحتى أقرب للمتابعين الصورة؛ وأكشف لهم جانبا مما يكتبه ممجد نظام بورقيبة، أضع بين يديهم هذه النقول معزوة إلى كتبه.
فقد زعم عبد المجيد الشرفي أن كثيرا من عقائد المسلمين ليست حقائق واقعية وإنما هي أساطير فقط، وقال: واعتبارا للغاية الكامنة وراء حديث القرآن عن آدم وحواء وعن إبليس والجن والشياطين والملائكة وعن معجزات الأنبياء لا يضير المؤمن أن يرى في كل هذا الذي ينتمي إلى الذهنية الميثية رموزا وأمثالا، لا حقائق تاريخية. (الإسلام بين الرسالة والتاريخ 61).
وأكد الشرفي أن لقاء سليمان بملكة سبأ كذب والعلم الحديث أثبت ذلك؛ وأنه تم استعمال الأساطير (الميث) في الخطاب النبوي لأن الذهنية الميثية كانت مسيطرة على ثقافة ذلك العصر، قال: وإن الذهنية الميثية التي من أبرز خصائصها الحدس والتمثل كانت مسيطرة على طرق التفكير آنذاك لدى جميع الشعوب وفي كل الثقافات، فلن نستغرب أن نجد آثار هاتين الخاصيتين في ما يبلغه إلى قومه وإلى المسلمين. (الإسلام بين الرسالة والتاريخ 40)
وصور لنا محمد الشرفي الله والنبي والإسلام تصويرا بأسلوب تهكمي فقال: ولقد خضع الأصوليون لعمليات تمذهب مارسها عليهم منظروهم ومرشدوهم بحيث حُشيت أدمغتهم بتاريخ مشوه غاية التشويه ومثالي موغل في المثالية، فالله في زعمهم قد خلق الإنسانية لأجل أن تطيعه، واختار النبي محمدا، وهو رجل كامل ليبلغ أوامره إلى هذه الإنسانية، وقد تبعته قلة قليلة من المخلصين، وجميعهم خيرون كرماء متفانون وقد حارب النبي جيشا عرمرما من الأشرار الكافرين الذين كانوا جميعا متعاظمين كذابين مفسدين جشعين… ولكن تغلبت بعون الله قوى الخير رغم قتلها على قوى الشر رغم عددها وعتادها. وبهذه الصورة يتحول التاريخ الإسلامي إلى ملحمة مانوية. (الإسلام والحرية51).
وادعى أيضا أن القرآن الكريم وضع أحكاما قاسية تحط من الكرامة.(الإسلام والحرية92).
أما الصلاة التي يطالبنا اليوم بمساواة المرأة في إمامتها فقد ادعى أن القرآن لم ينص على عددها ولا كيفياتها ولا شروطها، ثم لاحظ أن تحديد كيفياتها ومقاديرها حصل في قصة المعراج، وهي حسب قوله: إنما تنتمي إلى الذهنية الأسطورية، وليست جديرة بأية ثقة. (الإسلام بين الرسالة والتاريخ62).
ثم خلص بعد ذلك إلى أن “النبي كان يؤدي صلاته على نحو معين، فكان المسلمون يقتدون به، إلا أن ذلك لا يعني أن المسلمين مضطرون في كل الأماكن والأزمنة والظروف للالتزام بذلك النحو، على فرض أنه كان فعلا موحدا ولم يطرأ عليه أيّ تغيير أثناء فترة الدعوة”. (الإسلام بين الرسالة والتاريخ62).
هذا دون الحديث عن تكذيبه للقرآن الكريم وسنة سيد المرسلين وإجماع المسلمين، وافترائه بأن العبادات كلها من صلاة وصيام.. غير صالحة لكل زمان ومكان، وأن الزنا هو العلاقة الجنسية بين رجل وامرأة أحدهما متزوج، بشرط أن يقترن بخيانة أحد الطرفين، وأما إذا كان بين غير متزوجين فلا. (الإسلام والحرية89-90-91؛ وانظر العلمانيون العرب وموقفهم من الإسلام للأستاذ مصطفى باحو).

في الختام أود أن أشير إلى أن من مهام أكاديمية المملكة أن تقوم بتنمية البحث والاستقصاء في أهم ميادين النشاط الفكري، وذلك في دائرة احترام القيم الأخلاقية والروحية الأساسية؛ وهذا ما لم تتم مراعاته في استضافة المتطرف التونسي عبد المجيد الشرفي، الذي يبني مشروعه الفكري على محاربة الإسلام كدين، ويستهدف في مؤلفاته وبشكل سافر عقائده وقيمه وأخلاقه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *