الأجوبة الشافية عن الأسئلة المصيرية (لماذا أنا موجود؟) ذ. عبد اللطيف الخيالي

المبحث الأول: مسؤوليتك في الحياة

ألم تتساءل يوما لماذا كل هذا الإجرام المنتشر حولنا الذي تنوعت طرقه وازدادت وحشيته؟ ألا تتألم عندما ترى دماء الأبرياء أو صورا لأطفال اغتصبوا؟ ألا تشعر بما سيعاني أقاربهم؟ تخيل نفسك مكانهم! ألا تخشى أن تشرب من نفس الكأس؟ لقد طال صمتنا وسباتنا وخنوعنا. إلى متى سنبقى صامتين على كل هذه الوحشية؟ من للأيتام والأرامل والمشردين والمتسكعين…؟ ألا يمكننا مد يد العون لهم؟ ألا تتحمل أدنى مسؤولية فيما يجرى حولك؟ بالمقابل: ألم يسبق لك أن رأيت السعادة في وجه إنسان وأنت تقدم له معروفا؟ ألم يشكرك كثيرا وأفرط في الدعاء لك؟
ما الغاية التي أوجدني الله لأجلها في هذه الحياة إذن؟
إن أغلب الناس تجدهم يكدون ويتعبون كي يجدوا عملا يوفر لهم لقمة العيش، وبعض آخر هدفه المتعة دون الاهتمام بما يدور حولهم، ولا تهمهم إلا مصالحهم الفردية، أما مصلحة المجتمع فلا تعنيهم في شيء، فأصبح لسان حالهم يقول: نفسي، نفسي ومن بعدي الطوفان! وهو ما نجد له عدة تعبيرات في الأقوال الشعبية. نعم، وللأسف هذه هي الحقيقة التي وصلنا إليها: المهم أن أستمتع بحياتي وأعيش حياة مليئة بالفرح والسرور، أما غيري فلا يهمني في شيء.
من جهة أخرى، هل يمكننا أن نحقق السعادة التي نصبوا إليها إذا كان حولنا من يعانون ونحن لا نقدم لهم يد المساعدة؟ هل تعتبر سعادة تلك التي تكون على حساب تعاسة الآخرين؟ ما الفرق بيننا وبين باقي المخلوقات إذن؟ عفوا! قد لا يكون هناك مجال للمقارنة، وللأسف ربما تكون هي الأفضل! لأن أفراد كل نوع منها يتعاونون فيما بينهم ولا يقتل بعضهم بعضا كما نفعل نحن.
إذا كان المخترع يضع للجهاز الذي اخترعه كتابا يوضح فيه الغاية منه وكيفية اشتغاله والحفاظ عليه، فإن الله ما كان ليترك المخلوق الذي سخر له ما في السماوات والأرض تائها حائرا يخبط خبط عشواء. بل أرسل إليه الرسل وأنزل الكتب ليبين له الطريق القويم حتى لا تتقاذفه الأفكار والإيديولوجيات الهدامة، التي تريد أن تنافس الخالق وتزعم أنها قادرة على تحقيق السعادة للإنسان!
لقد أثبت التاريخ والواقع فشلها الذريع، فما أنتجت لنا إلا فئة مستبدة تريد أن تحتكر الثروة وتستعبد بني البشر ما أمكنها ذلك. كل هذا تحت مسميات ومفاهيم مثل الديمقراطية والحرية والحقوق التي طالما تشدقوا بها غير أن الواقع يثبت أنهم يلجؤون إليها عندما تستدعي مصالحهم ذلك، ثم سرعان ما يتنكرون لها إذا اقتضى الأمر !وما كان الله ليذر عباده لهذه الطائفة المستبدة تتلاعب بعقولهم وبمستقبلهم؛ لأنه سبحانه وتعالى للطغاة بالمرصاد.
إن الوقائع والأحداث المتسارعة التي يعرفها العالم اليوم: ما حدث ويحدث في فلسطين، الصومال، أفغانستان، العراق، مصر، سوريا، أوكرانيا… تكشف آخر غطاء لوجههم البغيض، وتفضح أهدافهم الحقيرة المتمثلة في خدمة طموح حقير وإرضاء “الأنا الأعلى” المستحكمة في النفوس الضعيفة، المريضة، وتحقيق رغبات طائفة معينة قليلة العدد، على حساب آلاف الملايين من البشر من شعوبهم وباقي شعوب العالم!
لقد أنزل الله الكتب إلى رسله ليبينوا لعباده طريق النجاة والفلاح، وليعرفوا الغاية من وجودهم وخلقهم، والقرآن الكريم الذي أنزل على آخر الأنبياء والرسل أجاب بكل وضوح عن السؤال: لماذا أنا موجود في هذا الكون؟
يقول سبحانه وتعالى: {وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات 56].
العبادة كما قال الشيخ محمد الغزالي، رحمة الله عليه، أن تتيقن أن لك ربا -الهدف من الفصل الأول هو حصول هذا اليقين- ثم تهب نفسك لخدمة دينه. فإن لم تصل إلى درجة اليقين فاعبده وابحث حتى تصل إلى مبتغاك.
إذا أيقنت أنك موجود لعبادة الله، فالسؤال الذي يطرح نفسه هو كيف أعبد الله؟ هل أتبع تعاليم النصرانية المعاصرة؟ أم تعاليم اليهودية؟ أم تعاليم الإسلام؟ وما هو الكتاب الذي يجب أن أتبع؟ هل هو الإنجيل أم التوراة أم القرآن أم غير ذلك؟
هذا ما سنجيب عنه في المبحث الموالي.
المبحث الثاني: الإسلام والنصرانية واليهودية
إن تعاليم كل دين تعرف من خلال مراجعه، فالإسلام تعاليمه مأخوذة من القرآن والأحاديث النبوية الصحيحة.
لقد أبلى الصحابة الكرام رضي الله عنهم البلاء الحسن في تتبع وضبط نصوص القرآن التي كتبت من فم النبي محمد صلى الله عليه وسلم، عندما كان يتلقاه من جبريل عليه السلام، وحفظ في الصدور، وتتلى آياته في الصلوات الخمس كل يوم، وكان جبريل عليه السلام يراجع النبي صلى الله عليه وسلم القرآن في رمضان من كل سنة مرة، وفي السنة التي توفي فيها راجعه إياه مرتين، كما أخبرنا بذلك صلى الله عليه وسلم، وتم جمعه على عهد الخليفة عثمان رضى الله عنه، وحفظ في صدور الشيوخ الذين أخذوه عمن قبلهم شيخا عن شيخ إلى النبي عليه الصلاة والسلام، فوصلنا بالتواتر.
أما السنة فقد نقلت لنا من طرف علماء أجلاء، كالإمامين البخاري ومسلم اللذين تحريا الدقة في أخذ الحديث، وجعلا لذلك قواعد وضوابط، فلم يأخذاه إلا عن الثقة في نقل الخبر، الضابط في الحفظ، يروي ذلك عن مثله إلى الرسول عليه السلام، دون انقطاع في السند. وقد ألف علماء الإسلام عدة كتب تتقصى أخبار الرواة والمحدثين، فأما من عرف بالكذب أو عدم الضبط، فلا يعتبر ما أخبر به عن النبي صلى الله عليه وسلم صحيحا، ولا يعمل به في جوانب التشريع. وبذلك حفظ الدين الإسلامي من التحريف والتزوير. فهل حدث نفس الشيء مع الديانتين النصرانية واليهودية؟ هل كتبهما المقدسة وحي من الله أم خالطتهما أفكار البشر؟
سيجيبنا عن هذا السؤال الدكتور “موريس بوكاي” الذي يقول: إن هذا الضيق الذي يسود الأوساط المسيحية، والذي يمس التنزيل قد ظهر ترجمة له في المجمع المسكوني للفاتيكان الثاني (1962-1965) حيث لن يلزم أقل من خمس صيغ حتى يتفق الجميع على النص النهائي بعد ثلاث سنوات من المناقشات، وحتى “ينتهي الوضع الأليم الذي هدد بتوريط المجمع” على حد تعبير الأسقف فيبر Webre في مقدمته للوثيقة المسكونية الرابعة عن التنزيل. وهناك جملتان من هذه الوثيقة الخاصة بالعهد القديم (الفصل الرابع، ص: 35) تشيران إلى شوائب وبطلان بعض النصوص، وبشكل لا يسمح بأية معارضة، تقول: بالنظر إلى الوضع الإنساني السابق على الخلاص الذي وضعه المسيح، تسمح أسفار العهد القديم للكل بمعرفة من هو الله ومن هو الإنسان بما لا يقل عن معرفة الطريقة التي يتصرف بها الله في عدله ورحمته مع الإنسان غير أن هذه الكتب تحتوي على شوائب وشيء من البطلان، مع ذلك ففيها شهادة عن تعليم إلهي .
يقصد بأسفار العهد القديم الكتب المقدسة لليهود.
يقول أيضا: وهناك فرق آخر جوهري بين المسيحية والإسلام فيما يتعلق بالكتب المقدسة، ونعني بذلك فقدان نصوص الوحي الثابت لدى المسيحية، في حين أن الإسلام لديه القرآن الذي هو وحي منزل ثابت معا .
علما أن المسيحية تؤمن بالكتب المقدسة لليهودية. فكيف تبنى ديانة على نصوص غير ثابتة؟ وكيف يمكننا معرفة الثابت من غير الثابت؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *