يبدو أن العَلمانيين ماضون على خطتهم المُبَيَّتة، الهادفة إلى محاربة الإسلام عبر منهجية رفع القدسية عن كل ما هو مقدس ومعظم عند المسلمين، وهم يُقدّمون قدما ويؤخرون أخرى، لعبور هذا الطريق الشائك الشاق، الذي لبسوا من أجله أقوى نعال النفاق، وأثخن خفاف التلون والمداهنة.
وآخر المغامرين في ذلك، كان هذه المرة امرأة! قالت لسابقها (البرلماني البئيس): (تنحّ جانبا، واتركني أجرب حظي)، فعمدت إلى مقاطع شعرية قديمة، واجترّتها لتتقيأها مرة أخرى على مائدة واقعنا، التي تلطّخت بأنواع من ضلالات الفكر العلماني، وهاك القصة من أولها:
في سنة 2001، وبمناسبة (اليوم العالمي للمرأة) قرأت حكيمة الشاوي قصيدة شعرية، نقلت على أمواج الإذاعة المغربية، بتاريخ: (8 مارس) من السنة المذكورة.
وكانت هذه القصيدة قد أحدثت ضجة كبيرة، واستنكرها المغاربة استنكارا شديدا. وذلك لأن فيها مسّاً بجناب مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل فيها شتم ولعن لهذا الرسول الكريم، عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم!!!
ولماّ رأت الشاعرة موقف الأمة المغربية المسلمة، وغيْرَتها القوية على نبيها الكريم، واستنكارها الشديد لتلك الجريمة، حاولت إقناع الناس بأنها لم تقصد بالأقوال الملعون قائلها، الأحاديث النبوية، وإنما قصدت بعض الأقوال الشعبية التي تحتقر المرأة وتهينها، وأنها في إطار الرد على من يحمل فكراً يحتقر المرأة ويهينها.
ولا يخفى على مسلم، أن هذا الرد لا يستلزم لعن المردود عليه، وأن هذا الأخير سلوك يتنافى مع ما وجهنا إليه نبينا صلى الله عليه وسلم في قوله: “لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلَا اللَّعَّانِ وَلَا الْفَاحِشِ وَلَا الْبَذِيءِ”.
وسواء كانت صادقة في ما ادعته أوْلا، فأبياتها فيها لعن لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك يجب عليها أن تتراجع عنها وتتبرأ منها.
وهو ما لم يكن، بل أعادت الشاعرة قراءة قصيدتها تلك، في نشاط ثقافي نظمته (النقابة الوطنية للسكنى والتهيئة والتعمير)، المنضوية تحت لواء (الكونفدرالية الديمقراطية للشغل) بمقر الوزارة، يوم الجمعة 18جمادى الثانية، الموافق لـ: (14/7/06).
وقد استنكر فعلَها الموظفون الحاضرون، وعلى رأسهم موظفة بلغ بها الغضب؛ أن لعنت (حكيمة الشاوي)، ثم انسحب معظمهم من ذلك النشاط المشؤوم.
وقد أصدرت (النقابة الوطنية للإسكان والتعمير والبيئة وإعداد التراب) بلاغا تستنكر فيه التحدي السافر لحديث “صحيح لسيد المرسلين”، واعتبر البلاغ أن “هذه السيدة العاجزة عن الصياغة الحقيقية للشعر الحر..تحتاج إلى أن تعيد تكوينها، وتُقوِّم اعوجاجها الشعري، المشوب بالبحث عن الشهرة السريعة…”.
وفي إطار بيان الواقع وكشف التلبيس، ودحضاً للشبهة، ورفعا لكل عذر ممَوِّه؛ أقف في هذا المقال، مع المقاطع الضالة من شعرها المزعوم، لأوضح أنها متضمنة المس بالجناب المقدس، والطعن في أحاديث نبوية شريفة، وليس حديثا واحدا:
قالت، ولبئس ما قالت:
ملعون يا سيدتي من قال عنك:
من ضلع أعوج خرجت
قال الإمام البخاري في (كتاب النكاح) من جامعه الصحيح: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله قال: حدثني مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول صلى الله عليه وسلم قال: “المرأة كالضلع إن أقمتها كسرتها، وإن استمتعت بها، استمتعت بها وفيها عوج”.
وفي الكتاب نفسه بسند آخر إلى أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “واستوصوا بالنساء خيرا، فإنهن خلقن من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت لتقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرا”، وروى الحديث الإمام مسلم في صحيحه، وفيه قوله عليه الصلاة والسلام: “وكسرها طلاقها”.
في هذا الحديث النبوي الثابت في أوثق مصادر السنة يخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم عن شيء من طبيعة المرأة، ينبغي على الرجل أن يعلمه، حتى يساعده هذا العلم على امتثال ما أمره الله به من معاشرة زوجته بالمعروف، وعدم فَرْكِها لأدنى سبب.
فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يرد بهذا الحديث إهانة المرأة، وحاشاه، وهو الذي وصفه ربه بقوله: {وإنك لعلى خلق عظيم}، بل القصد أن يخبر عن واقع يجهله الرجل الذي يكره زوجته ويشتد عليها، بسبب اعتقاده أنها تتعمد كل ما يصدر عنها من أمور تسوئه وتضر به، وبهذا يكف عن الشر المذكور.
وهذا فيه عناية بالمرأة، وصيانة لحقوقها:
ولذلك بوب عليه الإمام البخاري: “باب الوصاة بالنساء”.
وقال النووي: “وفي هذا الحديث ملاطفة النساء و الإحسان إليهن”.
فهذا إذاً إخبار نبوي، عن طبع بشري، من أجل مصلحة المخبر عنه، مع ذكر أصل هذا الطبع؛ وهو الشيء الذي خلقت منه المرأة.
وأين هو وجه الإهانة للمرأة، في كونها خلقت -في الأصل- من ضلع؟!
وقد خُلق آدم من تراب، كما قال سبحانه:{كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ}(آل عمران59).
وخُلق الناس من نطفة من مني؛ كما قال الله تعالى: {أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّاء مَّهِينٍ} (المرسلات 20).
وقالت الشاعرة:
ملعون يا سيدتي من أسماك
علامة على الرضى بالصمت
وأقول: روى الإمام مسلم بسنده إلى عبد الله بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن، وإذنها صماتها”.
..من المعلوم المشاهد؛ أن الفتاة الحييّة، إذا أخبرها والدها بأن رجلا تقدم لخطبتها، تستحيي، ويعلو وجهها حمرة، ولا تقوى على الكلام.
وهذا الموقف الجميل اللطيف، راعاه النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يشرع حكماً يتعلق بالنكاح؛ ألا وهو وجوب استئذان الفتاة في الزواج، وحرمة إجبارها على الاقتران بمن ترفضه.
ولم يتضح لي السبب الذي حمل (الشاعرة) على لعن من جَعَل صمت المرأة علامة على رضاها!
ولو كان قصد الشاعرة الرد على الرجال الذين يهينون النساء، لانتقدت أولئك الجهّال الذين يُرغمون بناتهم على الزواج ممن لا يرغبن في الزواج منه، فهذا له وجه.
وقالت أيضا:
ملعون منذ الخليقة من قال عنك:
عورة من صوتك إلى أخمص قدميك
قلت: روى الإمام الترمذي في الباب الثامن عشر من كتاب الرضاع من جامعه، بسنده إلى عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان”.
قال الألباني في (الإرواء): “إسناده صحيح”.
وأما فقهه؛ فمن أهل العلم من أدخل في العورة: صوت المرأة وبدنها، ومنهم من قصرها على البدن، ومنهم من استثنى منه: الوجه والكفين.
والعورة كما يقول العلماء؛ هي كل ما يستحيى منه إذا ظهر.
فما هو وجه التنقيص والإهانة للمرأة في هذا الحديث؟!
فالحياء محمود، ومن استحييت منه فقد احترمته ووقرته.
والحديث فيه حث للمرأة على التستر، وفيه حض لها على أن لا تكون أداة فتنة في المجتمع، سيما وأن الشياطين يزينونها للرجال من أجل الارتباط بها في ظل العلاقات غير الشريفة، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: “استشرفها الشيطان”، أي أظهرها وزينها للرجال. ولذلك، المرأة الصالحة تسعى في دفع هذا الشر عن مجتمعها، بالتستر والمحافظة على الحجاب الذي فرضه الله عليها.
وقالت أيضا:
ملعون من عقف شعرك في ضفيرة تاريخية
قلت: يبدو أنها تقصد الحجاب؟ وجعلت الضفيرة التاريخية كناية عن الخمار الذي يغطي شعر المرأة. ووجوب تغطية المرأة لرأسها، حكم قرآني محفوظ؛ قال الله تعالى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} (النور31).
وهذا من الشاعرة اتباع لخطوات زنادقة الشعراء، الذين يحاربون الحجاب، ويسخرون من المحجبات:
قال معروف الرصافي:
مزقي يا ابنة العراق الحجابا *** وأسفري فالحياة تبغي انقلابا
وقال الزهاوي:
وأكبر ما أشكو من قوم أنهم *** يَعُدّون تشديد الحجاب من الشرع
وتقول كذلك:
ملعون من حرم العشق عنك
وأول ما يدل عليه ظاهر هذا اللفظ، أنها تقصد: الزنا ومقدماته القولية والعملية؛ فهذا هو العشق المحرم.
وهنا نتساءل: من حرم هذا العشق؟ أليس هو الله تعالى؟!!!
..فظهر مما سبق، أن ذلك الكلام (المسمى: شعرا!)، مشتمل على الإساءة إلى الأحاديث الشريفة، والأحكام الشرعية، لا إلى الأقوال الشعبية.
ومع ذلك، لم تعدم هذه الجانية على الأمة في أعظم مقدساتها، صفاقة وجه حين قالت: “فأنا اعتبر أن الذين يؤولون الأبيات الشعرية كما يشاءون ويربطونها بأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم هم الذين يسيئون إلى الدين الإسلامي وإلى الرسول صلى الله عليه وسلم”!(الأحداث المغربية).
قلت: التأويل هو صرف اللفظ عن ظاهره، ونحن لم نفعل شيئا من ذلك، بل حاسبناك على ظاهر كلامك دون باطنه، ولم نزد على ألفاظك حرفا واحدا…
فهذا (الشعر)، هو على شاكلة أشعار زنادقة الحداثة، الذين لا يتورعون عن سب نبيٍّ ولا ولي، بل ولا رب العالمين؛ كإيليا أبو ماضي، ومعروف الرصافي، والزهاوي، ومحمود درويش ..فمن هذا المستنقع العفن تغترف هذه الحقيرة، ثم تلجأ إلى الكذب والنفاق، لتغطي سوءتها!
ومن ذلك قولها أيضا: “فالغرض من القصيدة هو إعادة الاعتبار للمرأة لأن هي مصدر ومنبع الحياة ورمز العطاء، فأنا ألعن في القصيدة من يروجون أقوالا شعبية سائدة في المجتمع؛ مثل: (المراة ضلعة عوجة)”. (الأحداث المغربية).
أقول: “أيتها الشويعرة! بعقل من تستخفين؛ أنت قلت: (ملعون من قال: من ضلع اعوج خرجت)، ولم تقولي: (ملعون من قال ضلعة عوجاء أنت).
ولو افترضنا صدقك في هذه؛ فما هي يا ترى؟ القولة الشعبية التي قصدت بقولك: (ملعون يا سيدتي من أسماك علامة على الرضا بالصمت)؟! والمقصودة بقولك: (ملعون منذ الخليقة من قال أنت عورة..)، والقولة الشعبية التي قصدت بقولك: (ملعون من عقف شعرك)..
ثم أقول: إذا كانت (الشاوي) جاهلة بأن تلك أحاديث نبوية، وأحكام شرعية، فتلك مصيبة؛ إذ لا يليق بمسلم أن يبلغ به الجهل بدينه وأحاديث نبيه صلى الله عليه وسلم إلى ذلك الحد.
وإذا كانت عالمة، فالمصيبة أعظم:
قال الله تعالى: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ}(المسد 4-5).
وهذه المرأة هي أم جميل، التي كانت تؤذي النبي صلى الله عليه وسلم بشعرها، ومنه قولها:
مُذَمما أبينا * * ودينه قلَيْنا * * وأمره عصينا !!
فكان مصيرها ما ذكر الله تعالى في كتابه.
وقد قال سبحانه: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}(التوبة 61).
هذا في الآخرة، وأما في الدنيا فعلى المسؤولين أن يقوموا بواجبهم في هذا الباب، ويضعوا حدّا لتطاول السفهاء على مقدساتنا وعقائدنا، وأعظم ذلك التطاول على الجناب الشريف، والمقام المنيف، سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
{ليَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}(الحديد 25).