الإسلام وتحريف اليهودية بالعنف محمد زاوي

لم تكن اليهودية ديانة عنيفة منذ البداية، بل كانت دين توحيد يحث في كثير من تعاليمه على الأمن والسلم. كان ذلك قبل أن تدوَّن، أما تدوينها فقد كان خاضعا لمصلحة مدوِّنيه، أولئك الذين كانوا في مواجهة مباشرة مع حضارات ودول عظمى. وهذه عنّفت اليهود، وأنتجت عندهم القابلية لممارسة العنف.

يبدأ العنف بالحقد، مرض نفسي ينتجه شرط تاريخي، ويعاد إنتاجه في شرط آخر تحت قناع نفس البنية الإيديولوجية. هذا ما حصل بالنسبة لنصين قديمين: “العهد القديم” و”التلمود (كتبه الحاخامات بعد السبي)”، وكذا بالنسبة لنص متأخر: “الدولة اليهودية (هرتزل، 1896)”. التحريف القديم (العنف القديم) أنتجه الشتات وما تلاه، والتحريف المتأخر أنتجته “الهولوكوست” (محرقة أحرق فيها هتلر معارضيه من اليهود وليس كل اليهود) و”الغيتو” (تجمعات اليهود في أوروبا) وما تلاهما.

في “إسرائيل”، أعيد إنتاج العنف على وقع ثلاثة خطابات إيديولوجية:

– خطاب “التاريخ القديم”: باستعادة المعارك القديمة، من قبيل: السبي البابلي (597 ق.م، 586 ق. م)، حصار متسادا (74 م)، ثورة باركوخبا (ما بين 132-136 م/ قادها شمعون باركوخبا)… الخ.

– خطاب “التاريخ القريب”: باستعادة عزلة “الغيتو” وظروف عيشه المأساوية، وكذا باستعادة “محرقة الهولوكوست” التي أحرِق فيها أرقى ما أنتجه يهود أوروبا الغربية (مناضلو يهود ألمانيا).

– خطاب “المشروع الإسرائيلي”: الحاضر الذي بني على أنقاض الماضي مهدّد، لا يجوز أن يقع ليهود “إسرائيل” ما وقع ليهود “التاريخين القريب والقديم”؛ هكذا يتكلم “الإسرائيليون” مستغلين إشارات الحرب المحيطة بهم!

إنه نقيض ينتج نقيضه، إشارات للحرب تنتج الاستعداد لها. يد من هنا ويد من هناك، لجسم واحد هو: مَن في مصلحته أن تستمر الحرب؟ من في مصلحته أن تستمر “اليهودية المحرفة” ليستمر استغلالها؟ من في مصلحته أن يستمر تحريف اليهودية بالعنف؟

كيف يساهم الإسلام، إذن، في تخليص اليهودية من تحريفها بالعنف؟

يساهم الإسلام، في هذه القضية، من واجهتين:

– النموذج المبدئي البديل: فالإسلام ضد العنف والعدوان، بنصوص عديدة من قرآنه وسنته، منها قول الله تعالى: “ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين” (البقرة/ 190)، وقوله تعالى: “وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله، إنه هو السميع العليم” (الأنفال/ 61). ولا يسمح الإسلام بحربٍ إلا في حالة الدفاع عن النفس ومقاومة المعتدين، ولا يستقيم ذلك في واقع الناس إلا بضوابط وقيود تفرضها مستجدات العصر، منها احتكار الدول للعنف لا الأفراد والجماعات. ليست اليهودية ببعيدة عن هذه القواعد المبدئية، ولكن قبل تحريفها.

– النموذج العملي البديل: إذ ليس العنف مقصدا من مقاصد الإسلام، والسلم والأمن مقصدان له، تحت كلية “حفظ النفس”، وتحتها باقي الكليات (حفظ الدين، العقل، العرض، المال). قلب المنحى هو الحاصل، أي: جعل العنف غاية والسلم وسيلة. وكنتيجة لذلك، يتم تبخيس الحلول السلمية وفق تكتيكات، واستصنام الحلول الحربية وقد تكون فوضى خاضعة لاستراتيجية أجنبية، توظف “إسرائيل” ونقيضها. يرفض الإسلام هذا المنحى، لأنه يعطي الوسائل حكمَ الغايات.

تأويلان، إذن، وجب إيجاد تقارب بينهما:

– تأويل هنا وتأويل هناك، تأويل في أرض الإسلام، وتأويل في “إسرائيل”.

– غاية التأويلين واحدة: إرجاع الحق الفلسطيني إلى أهله من غير إضاعة لمصالح يهود “إسرائيل”، مهجّرين أو مهاجرين بعودتهم إلى أوطانهم الأصلية، ومحليين بانسجامهم في الكيان الجديد (فلسطين الجديدة).

– الجامع بين التأويلين واحد: رفض العنف، ذلك الذي يطيل أمد المشكل الفلسطيني، ويقوي العدو داخل “إسرائيل” وخارجها (الغرب).

– معركة التأويلين واحدة: على النقيض من طرف في أرض الإسلام، وآخر في “إسرائيل”، كلا الطرفين “ينفخ الروح” في المشكل الفلسطيني، يعيش على استمراره، ويسعى هو أو من يوظفه على تأبيده.  أ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *