هل كان رسول الله بدعا من الرسل في تعدد الزوجات؟

ما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- بدعا من الرسل في تعدد زوجاته؛ فأمر تعدد زوجات الأنبياء والرسل معهود ومشروع في أغلب الأديان السابقة، وقد تزوج إبراهيم وإسحق وداود وسليمان -مثلا- بأكثر من زوجة.
وهنا تجدر الإشارة أن الشرائع السماوية قبل إبراهيم -عليه السلام- ليس لها كتب معروفة تؤخذ منها تشريعات الأسرة، والذي حكاه القرآن الكريم عنها هو المرجع الصادق لها وإلى جانبه النصوص الدينية الأخرى، وكتب التاريخ، ولا يوجد في هذه المصادر ما يدل على أن التعدد كان ممنوعا في هذه الأديان، ويهمنا أن نعرف ما جاء في الديانتين الكبيرتين اللتين نزلت بهما الكتب السماوية بعد إبراهيم -عليه السلام- وهما اليهودية والنصرانية.
على الرغم من أن الاستدلال بما في التوراة والإنجيل الموجودين الآن غير معتبر؛ وذلك لتحريفهما بشهادة القرآن الكريم إلا أننا سنورد بعض ما ورد فيهما خاصا بالتعدد، مع العلم بأن القرآن نزل مهيمنا عليهما في أخبارهما ومضامينهما التشريعية خاصة.
فإبراهيم عليه السلام وهو قبل التوراة والإنجيل كما ورد فيهما وفي القرآن الكريم كان متزوجا من سارة، ولما لم يرزق منها بذرية، تزوج هاجر المصرية التي أهديت لسارة، فرزق منها بإسماعيل، ثم رزق من سارة بإسحاق، فهو قد جمع بين اثنتين في عصمته، بصرف النظر عن كون إحداهما وهي سارة زوجة، والأخرى هاجر سرية على الخلاف في ذلك.
كما أن كتب اليهود أكدت أن مبدأ التعدد مقرر عندهم، وكان تقرير هذا المبدأ امتدادا لتقريره لديهم في شريعة إبراهيم عليه السلام ومن بعده، حتى جاء موسى، فداود جمع بين تسع زوجات أولا، ثم وصلن إلى تسع وتسعين كما قالوا.
ويأتي في التوراة المحرفة أن “سليمان كان يحب النساء، حتى فتن بهن، وغضب الله عليه”، وفيها أيضا أنه “كان له سبعمائة سيدة، وثلاثمائة سرية”، وعن أبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «قال سليمان بن داود: لأطوفن الليلة على مائة امرأة أو تسع وتسعين كلهن يأتي بفارس يجاهد في سبيل الله، فقال له صاحبه: قل: إن شاء الله، فلم يقل: إن شاء الله، فلم يحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل، والذي نفس محمد بيده، لو قال: إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرسانا أجمعون». البخاري:7469.
ولقد ظل التعدد جائزا عند اليهود، ولم يحرمه إلا مجمع “وورمز” الرباني الشهير، الذي عقد في بداية القرن الحادي عشر الميلادي، وإن كان بعض طوائفهم ما زالت تمارسه، أسوة بأنبياء بني إسرائيل.
ويقول الأستاذ محمد فؤاد الهاشمي (العالم الذي كان نصرانيا ثم أسلم): “إن اعتراف المسيحية بتعدد الزوجات بقي إلى القرن السابع عشر”، وظل آباء الكنيسة في الغرب يبيحون تعدد الزوجات ويعترفون بأبناء الملوك الشرعيين من أزواج متعددات، وهكذا نجد أن تعدد الزوجات كان مباحا في كتب التوراة والإنجيل التي يقدسها المبشرون والمستشرقون لأنبيائهم، فكيف اعتبروه نقيصة ومطعنا لسيد البشر وخاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم؟!
وحري بنا هاهنا التنبيه إلى أن اختياره صلى الله عليه وسلم لزوجاته كان على أسس دينية وحكم إنسانية ومقاصد تعليمية مأمور بها، ولم يحد عنها صلى الله عليه وسلم في أي زيجة من زيجاته.
فقد انطلق السلاطين في تعدد نسائهم من أمر دنيوي، لا يعدو أن يكون التعدد فيه مجالا للمتعة المزاجية واللهو الجنسي؛ ولذلك فإنهم كانوا لا يرضون إلا بالأبكار الجميلات؛ فهل يعقل أن يشبه النبي صلى الله عليه وسلم بهؤلاء، وهو الذي تزوج في أول عهده بالزواج امرأة ثيبا تكبره بخمس عشرة سنة، ولم تكن في زوجاته بكر إلا عائشة؟!
ونخلص من هذا كله إلى أن تعدد الزوجات سنة من سنن الأنبياء؛ وأن ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن بدعا من الأنبياء السابقين فلقد تزوج إبراهيم، وإسحاق، وداود، وسليمان.. وغيرهم بأكثر من زوجة، فلماذا توجه حملات الطعن والتشكيك في أخلاقه صلى الله عليه وسلم بتعدد الزوجات دون غيره من الأنبياء؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *