منزلة صحيح الإمام مسلم عند المغاربة

الحمد لله الذي قيظ لهذه الأمة من وهب نفسه لجمع صحاح الآثار، فتحمل في سبيل ذلك ما تذهل عنه القلوب والأبصار، ولا غرو أن يكون المحدثون بهذه المرتبة السَّنية، والمكانة العَلية المُنيفة، وكيف لا يكونون كذلك وقد بذلوا المُهَج والنفوس، واسترخصوا الغالي والنفيس في سبيل جمع حديث سيد الأنام صلى الله عليه وسلم، وفي أمثال هؤلاء الأخيار يصدق قول الشاعر:
لَهُمْ هِمَمٌ بِهَا فِي الفَضْلِ تَرْوِي — عَوَالِيه الثِّقَاةُ عَنِ الثِّقَاة
وإن من هؤلاء النجباء المحدثين الأخيار الذين حملوا على عاتقهم جمع ما صح من حديث النبي صلى الله عليه وسلم عالم نيسابور، ومحدثها الحافظ المسند أبو الحسين مسلم بن الحجَّاج بن مسلم النيسابوري، تلميذ البخاري، وصاحب الصحيح الموسوم بـ: “المُسْند الصَّحيح المُخْتَصر من السُّنن، بِنَقل العَدْل عَن العَدْل عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم”.
تفضيل المغاربة لصحيح مسلم
يذكر التجيبي في برامجه في الصفحة الثالثة والتسعين أن طائفة من أهل المغرب فضلت صحيح مسلم على صحيح البخاري، ومن هؤلاء الحافظ ابن حزم الظاهري، ويرجع سبب ذلك إلى حسن سياقته، وجودة وضعه وترتيبه، لا إلى الصحة، لأنهم كغيرهم من المشارقة يعترفون في ذلك بالسبق للإمام البخاري من غير خلاف.
فصحيح مسلم يمتاز بجمع طرق الحديث التي أخرجها في مكان واحد، وهذا ما يسر تناوله، وسهل على الناس التعامل معه، على عكس البخاري الذي يقطع الأحاديث، ويفرقها على الأبواب بحسب ما يؤدي المعنى الذي يريده، والغاية التي يحققها.
ليس هذا فحسب، بل إنه كثيرا ما يذكر الأحاديث في مواضع قد لا يخطر بالبال أن تذكر فيها، وذلك لأمور يفهمها البخاري، وهذا ما يجعل التعامل معه لغير المتمرسين أمرا في غاية الصعوبة والعسر، حتى لقد أوقع صنيعه هذا بعض الباحثين في أن ينفوا كون البخاري أخرج بعض الأحاديث، وهي موجودة فعلا في صحيحه [انظر مقدمة النووي لصحيح مسلم 1/15].
ومع هذا الاختيار لصحيح مسلم، فإن هذا لا يعني أن المغاربة كلهم فضلوه على البخاري، بل إن غالبيتهم سارت مع جمهور المحدثين الذين اعتبروا الأفضلية لصحيح البخاري، وهذا يظهر من كثرة الشروح والتعليقات التي علقوا بها على صحيح البخاري.
وإذا اعتبرنا ما ذكره ابن خير في فهرسه، علمنا أن من المغاربة من كان يفضل سنن أبي داود على صحيح البخاري ومسلم كليهما، وهذه النقطة تحتاج إلى مزيد تمحيص وتحقيق وليس يتسع المجال لبسطها هنا.
كيفما كان الأمر، فإن صحيح مسلم منذ أن دخل إلى المغرب والمغاربة يعتنون به، وتتجلى مظاهر هذه العناية في هذه الأعمال التي وضعوها عليه من شروح وتعريفات بروايته وعلله ونكته الفقهية.
كما تظهر أهمية هذه الأعمال، في كونها صدرت من قبل علماء كبار أمثال: المازري، وعياض، وقاسم بن أصبغ، وأبي علي الفاني، بحيث إن هذه الأعمال تعتبر في مجملها، قمة الإبداع المغربي في الشرح والتعليق، وتعطي الدليل على تفوق المغاربة في صناعة فن التحديث، كما تتميز بجودة مضمونها، وانفرادها بأشياء امتازت بها، فإذا أضفنا إلى ذلك أن معظم هذه الأعمال متقدمة في الزمان، وأن كبار علماء الحديث من المشارقة اعتمدوها فيما كتبوه حول صحيح مسلم، اتضحت لنا جودة هذه الأعمال وقيمتها.
وقد جمعت قائمة من هذه الأعمال ووصلت إلى ثلاث وخمسين عملا توضيحها كالآتي:
واحد وعشرون شرحا.
خمسة مختصرات.
حاشيتان.
ختمتان.
تهذيب.
خمسة أعمال اهتمت بتوضيح غريب ألفاظه.
أربعة عشر عملا اهتمت بالتنظير والمقارنة.
ثلاثة اهتمت برجاله.
ولمزيد من الاطلاع يرجع إلى بحث (الشروح المغربية على صحيح مسلم)؛ لعمر الجيدي-مجلة دعوة الحق العدد:271.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *