في مواجهة الشياضمة وحاحا ذ. إدريس كرم

“بعد معارك دار القاضي السالف ذكرها والتي خسر فيها الفوج الألبي 20 قتيلا و40 جريحا، وخسر الأعداء المغاربة حسب كاتب التقرير عددا كبيرا؛ جاءت التعليمات للجنرال برولارد بالقيام بجمع مفرزة ماسوتي الخارجة من الحصار بدار القاضي بعد تزويدها بالمؤونة اللازمة، وأخذها قسطا من الراحة كي يسهل عليها التحرك للعودة لقاعدتها بمراكش.
الكومندار سيمون خرج من موكادور يوم 26 دجنبر 1912 بإمدادات غذائية جديدة لكولون برولارد على بعد 20 كلم جنوب موكادور على واد تيدزي.
القوات اجتمعت يوم 26 في سيدي كاوكي لتدخل في الغد موكادور تحت هتاف الجماهير، وفي اليوم نفسه وصلت مجموعة الكولونيل ريف دون حوادث، حاملة دعما مهما بعدما وطدت الأمن في الناحية.
وحتى لا تتوالد الفتن مجددا تم إنشاء دائرة محددة.
المتمردون ربحوا القبيلتين المجاورتين حاحة والشياضمة، وأصبح من اللازم القيام بعمليات لبسط الأمن والتهدئة، فشرع من أجل ذلك في تجميع القوات والعتاد والتموين اللازم، وهكذا تم حشد 25 فرقة مشاة و7 فصائل رشاشات و5 فصائل مدفعية جبال وفصيلتي ميدان وسريتين من الخيالة، لكن قبل الشروع في مباشرة العمليات على أوسع نطاق، كان من الواجب إبعاد السكان القريبين من موكادور حالا، وتأمين المواصلات بين أسفي ومراكش، وهي العمليات التي كلف بها الكولولينين كيدون وريف تحت إمرة الجنرال برولارد وفقا لتعليمات الجنرال فرانش الذي قدم من موكادور لتقييم الوضعية ودراسة الموقف وإعطاء التعليمات.
يوم 7 يناير 1913 توجهت مفرزة الكولونيل كيدون نحو الشرق من أجل تمشيط طريق مراكش عبر الضفة اليمنى لواد كصوب؛ في حين توجهت مجموعة ريف على الضفة اليسرى لنفس الوادي في اتجاه الجنوب.
في السابع منه وقعت معركة بين كولون كيدون وجماعة من المعادين الشياضميين مدعومين من قبل جموع من حاحة، خسرنا فيها 12 قتيلا و65 جريحا، وتمكنا بعدها من بسط سلطتنا على الناحية، وسمحت لنا بإقامة معسكر في سوق لخميس مسقلا، لكن الهجمات توالت علينا في الغد يوم 8 حيث لاقى الكولونيل كيدون مقاومة عنيفة من قبل الشياضمة وحاحة فقدنا في المواجهة معهم سبعة قتلى و30 جريحا
هذه الخسائر المتكررة أعطتنا فكرة عن أهمية وجسارة القوات المعادية، وسمحت لنا بحشد قوات شرسة لمواجهتهم بعنف، وذلك باستدعاء تدخل الفوج 14 من قناصة الألب، والفوج الأول والثالث زواوى قناصة مدعومين من المدفعية والخيالة.
مفرزة ريف تقدمت من أجل سبر نجاعة خطة الكولونيل كيدون، لكن بدء من 10 يناير 1913 كانت النتيجة الهامة هي المحصل عليها في الشياضمة بواسطة عملياتنا الناجحة، التي جعلت عددا من المعادين يشعرون بها، فتخلت جماعة من المسلحين عن الصراع.
قائد الشياضمة حاجي قدم لموكادور، والقايد كوبان عاد لممارسة مهامه العادية وهو عازم على طرد من في أحواز موكادور نحو الغرب والشمال في بلاد الشياضمة.
بهذه النتيجة يمكن القول بأن المخطط المعتمد قد أدى في القطاع الجنوبي لخضوع وتهدئة إدا وكيرد، بعدما تم وضعنا لقاعدة ثابتة صلبة في المكان الذي يجب أن تكون فيه بالجهة الجديدة للعمليات، وصرنا بين يوم وآخر نحصل على نتيجة حسنة بالضغط فقط على الشياضمة من خلال الانتصار عليهم في الهجمات التي يشنها عليهم الكولونيل كيدون في جنوب محيط موكادور، والتي تعود في التو بنتائج، فبفضلها ضمنا هدوء موكادور بحيث لم تظهر فيها أية حركة احتجاجية منذ أن انضوت تحت ظل الإيالة الشريفة، وقد ترك هذا النجاح انطباعا حسنا في مراكش” (ص:21 افريقيا الفرنسية 1913).
ارتداد القائدين أنافلوس والكلولي
تركنا الهبة في تارودانت حيث فر لها بعد دخولنا مراكش، ولتفادي تفريق قواتنا ترك الجنرال ليوطي مهمة التعامل معه لكبار قياد الجنوب لكلاوي، لمتوكي، منو، الكندافي، وأنافلوس، والتي كان يقود حركة أتباع ولد مولاي رشيد عم السلطان الذي قام في ناحية موكادور لاعتراضنا في منتصف دجنبر، ولم يواجه الهبة من أولئك القواد في ناحية تارودانت سوى لكلاوي بالرغم من تبديد كميات كبيرة من الذخائر دون فائدة على الطريقة العربية، لأنهم كانوا يتحاشون الالتحام بأنصار الهبة في المواجهات التي تتم بين الطرفين.
الكلولي وأنافلوس اللذان كانا يقاتلان تحت راية الهبة لما أدركا خطأهما طلبا الأمان فاستجيب لطلبهما على الفور، لكنهما أبيا القيام بتأليف حركة لمقاتلة الهبة، فما كان من منجان إلا أن قرر قيام القوات الفرنسية بذلك.
حركة مولاي رشيد عم السلطان كانت مكونة من عرب وبربر نواحي موكادور خاصة القبائل المعادية لنا على مر الزمن، وقد تجمع الكل في المدينة منذ شهرين دون أن تلوح عليهم بوادر مغادرتها.
الكومندار ماسوتي من المدفعية تلقى الأمر بالسير فتحرك مكرها مستغرقا في قطع 40 كلم 15 يوما ليصل من موكادور لسوق حد اسميمو على طريق أكادير، حيث توقف على بوابة حركة قوية غير مؤكدة الولاء مكونة من 3000 رجل بقيادة القائد الكلولي نصفها تقريبا قدمه أنافلوس صهر أخ الكلولي وهو تقريبا نفس العدد الذي كان مع ولد مولاي رشيد.
محاصرة كلون ماسوتي في دار القاضي من 16 لـ25 دجنبر 1912
تلقى ماسوتي الأمر بالتحرك لسوق الحد من أجل إبعاد حركة ولد مولاي رشيد للأمام، فخرج من موكادور في 14 دجنبر مع فوجين من ازواوى وفصيلة رشاشات تتكون من حوالي 300 رجل و180 عسكريا من طابور البوليس، فأقاموا معسكرا ليقضوا فيه الليل مبتهجين بالتحصين الذي سيلاقونه غدا، وبعدما غاب القمر ليلتها 16 و17 انهمر عليهم سيل من الرصاص من الواجهة الغربية والشمالية للمعسكر مصحوبا بصياح مرعب.
زواوى جهزوا بسرعة خنادق تمترسوا فيها ليردوا على مصادر نيران الأعداء الذين اخترقوا المعسكر من الجهة الشمالية بعدما تغلبوا على طابور البوليس، وبدأوا ينهبون الخيام ويستولون على المعدات والذخائر، فقاومهم ازواوى بالحراب لإرجاعهم للخلف، بيد أن وسط المعسكر كان قد تم نهبه بالكامل مع الأسف، لأن رجال الطابور كانوا يطلقون النار في كل اتجاه دون تحديد للهدف مما جعلهم يصيبون أفرادا من الكولون كانوا مثلهم يعملون على تشتيت المغاربة المهاجمين ومدافعتهم، وقد استمروا على تلك الحالة سواء منهم أو من ازواوى دون فاعلية تذكر إلى أن طلع النهار حيث استأنف الأعداء هجومهم بعدما وصلتهم تعزيزات جديدة نازلة من كل جهات جبال الموالية لمن في حركة الكلولي.
وأثناء ذلك لم يتحرك ولد مولاي رشيد بل بدأ رجال حركته يختفون شيئا فشيئا، وينضم جزء من رجالها للمنقضين علينا، وبالرغم من استمرار الهجوم علينا وتحت أصوات إطلاق النار ذهب زواوى لإعداد فطورهم وشرب القهوة ثم أخذوا في جمع أمتعتهم من أجل المغادرة.
قضى ماسوتي الليل في إعداد خطة الدفاع عن المفرزة من برج دار القاضي المجاور للمعسكر.
حوالي الساعة الثامنة تم احتلال ذلك البرج من قبل مفرزة، وبذلك صارت دائرته محصنة شيئا فشيئا قبل أن يتقهقر نحوه الكولون في أحسن حال، ليتخذه مقرا يتحصن فيه، ويجلب له الأمتعة الباقية ووضعها في مأمن على الساعة التاسعة والنصف صباحا، ثم نظم الدفاع فوضعت الرشاشات في خزين مركزي حصين.
قام طابور من الأعداء بهجوم عنيف لكنه فشل.
في الساعة الرابعة بعد الزوال تراجع المهاجمون في محاولة للاستيلاء على البرج بحيلة حيث بعث ببعض الأعراب في اتجاه البرج، وهم يرمون بالعصي في السماء أمامهم ويصيحون بصوت عال أوقفوا إطلاق النار، المغاربة انتهزوا فرصة التوقف للاقتراب من البرج ونهب الأغراض الباقية أسفل الحائط في الوقت الذي كان فيه آخرون يوجهون الكلام لجنود الطابور من أجل أن يرتدوا ويغادروا البرج وينضموا لهم، في حين كان المتهورون منهم والجريئون يتسورون الحائط متصورين أنهم سيسقطون في وسط ساحة البرج لكن نيران المدافعين كانت لهم بالمرصاد فقتل منهم العديد.
في المساء هيأوا هجوما جديدا إلا أنهم أبعدوا بواسطة الرشاشات التي وضعت في مخزن الطابق الأول.
لم يقم الأعداء بهجوم جاد تاركين أمر القضاء على المفرزة للعطش والجوع، كما أن المدافعين لم يردوا على النيران الخارجية حفاظا على الذخيرة؛ فقط الرشاشات هي التي كانت تستعمل لردهم (“غزو المغرب”؛ سان لوشابيل).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *