محاولة تجريد المجتمع من مقوماته الأخلاقية والدينية هي أكبر دليل على العبثية التي يمكن أن تطال بعض أفراد هذا المجتمع وخاصة العاملين منهم في الحقل الثقافي والإعلامي. فهذه العبثية تؤدي لا محالة إلى تصدعات وتشققات في البنية الأخلاقية الدينية. وهكذا تتجلى خطورة الخط التحريري الذي يقوم على تصور علماني/لائكي للعلاقات الاجتماعية والتفاعلات الدينية، من حيث الاعتقاد بأن كل ما هو يدور في أروقة المجتمع هو من باب “الطابوهات” وأن كل ما يقال سرا، يكفي أن يقال علنا حتى يتم فسخ “الطابوهات” والسير بالمجتمع إلى التقدم، وهذه العبثية تقزم وتختزل كل النظريات النفسية والاجتماعية، التي تدرس مفهوم “الطابوهات” في علاقتها مع الكبت ومن ثم علاقتها بالمقام والمقال (le contextuel).
فهذه الرؤية العبثية للعلم الأكاديمي النفسي والاجتماعي تدفع عن سوء نية أو حسنها إلى الخلخلة بالتوازنات والمعايير والقيم والمناهج الأخلاقية والنفسية والتربوية.
بين عبثية مجلة “نيشان” وجدية جريدة “يدعوت أحرنوت”
إن توجه المجتمعات الغربية إلى تخطي كل ما هو حرام وما هو أخلاقي لم يُمَكنْها من تعديل شأنها الداخلي والقضاء على الأمراض الأخلاقية والنفسية: من شذوذ جنسي، واغتصاب للنساء والفتيان والأطفال، وإدمان الشباب على المخدرات، إلى العدد المتزايد من الذين أغرقوا أنفسهم في المديونية بسبب شيوع الفوضى الربوية، إلى العدد المتزايد من المنتحرين، إلى الترف الاستهلاكي الذي يؤدي إلى الرغبة في عدم الإنجاب وهو المشكل الكبير الذي أصبح يؤرق كل المثقفين وصناع القرار في هذه الدول.
تذهب جل الدراسات الأكاديمية إلى عدم نجاعة المنهاج العبثي الذي تتبعه هذه المجتمعات. ولمزيد من التوضيح في هذا المقام أنصح القارئ الكريم بمراجعة كتاب “خفايا الاستغلال الجنسي في وسائل الإعلام” للكاتب العالمي “ولسون براين كي” ترجمة محمد الواكد.
وإن كنا نرفض هذه العبثية التي تطال الذات الإلهية فإن “مهماتا غاندي يرفض حتى أن تطال البقر”، حيث يقول في عبارته الشهيرة “… إنني لا أوافق على سياسة بلا دين، إن السياسة المنفصلة عن الدين عندي ليست سوى فخ الموت لأنها موت الروح… ولو أملت في سياسة بدون دين أو فصلت عنها، فإنني سوف أترك سياسة من هذا النوع… وإنني أعتقد أن أهم الأشكال الخارجية للدين الهندوسي هو حماية البقرة”.
فمن يحمي الدين الإسلامي من عبث العابثين؟
الاعتقاد بأن كل شيء يمكن أن ينكت عنه، كل شيء يمكن أن يضحك منه، ينكسر على أبسط مناهج الدين الإسلامي فالمسؤولية الفردية تدخل النار وقد تدخل الجنة.
العبثية التي استعملها أصحاب “نيشان” هي تلك العبثية التي تستوقد نارها من بركان “ما أقول هو سوى نقل الأخبار”، أن ما أقوم به ليس سوى ما يقوله أفراد الشعب، هذه العبثية لا تقول لنا من هم هؤلاء الناس، لا تقول لنا هدفها الاستراتيجي من هذه النكت، لا تقول لنا بأن خطها التحريري قائم على تعليم العلمانية=اللائيكية=اللادينية.
في ظل العبثية التي يمارسها أصحاب “نيشان” تستوقفني عدم عبثية جريدة “يدعوت أحرنوت” في 16/03/1978 حيث تقول ” إن على وسائل إعلامنا أن لا تنسى حقيقة هامة هي جزء من إستراتيجية إسرائيل في حربها مع العرب، هي أننا قد نجحنا بجهودنا وجهود أصدقائنا في إبعاد الإسلام عن معركتنا طول ثلاثين عاما، ويجب أن يبقى الإسلام بعيدا عن المعركة إلى الأبد، لهذا يجب أن لا نغفل لحظة واحدة من تنفيذ خطتنا في منع استيقاظ الروح الإسلامية بأي شكل، وبأي أسلوب ولو اقتضى الأمر الاستعانة بأصدقائنا لاستعمال العنف والبطش لإغماد أية بادرة ليقظة الروح الإسلامية…”.
نتساءل من هم الأصدقاء الذين تتكلم عنهم هذه الجريدة؟ ومن هم أولائك الذين يحاربون الإسلام من الداخل؟
“نيشان”و مراحل تغيير قيم المجتمع
إن الطرح المموه للحقيقة يجعل عبث العابثين خطيرا جدا حينما يتناول أقدس المقدسات، هذه الخطورة تتجلى في ما يسمى في علم النفس الاجتماعي بمراحل تغيير قيم المجتمعات نذكر منها:
– مرحلة طرح الأفكار دون تأكيدها: كقول القائل “نحن لا نقول سوى ما يقوله الآخرون، ننقل فقط صدى المجتمع”.
– مرحلة المناقشة: من معي ومن ضدي بمعنى حريتي في التعبير، فمن معي فذاك، ومن ضدي فله الحق أن يقول ما شاء غير أني أقول ما أشاء”.
– مرحلة التعميم: “نشر هذه الأفكار على المستوى الاجتماعي بحيث تصل إلى الرجل العادي بثوب يقبله”.
– مرحلة التطبيع: “هي مرحلة القبول بتلك الأفكار الهوجاء.
-مرحلة الترسيخ: ” حيث تصبح الأقلية تتحكم في الأكثرية من حيث أن يعتقد الأكثرية بأنهم أقلية في معتقداتهم، بحيث تصبح الأقلية مسيطرة على زمام الأمور خاصة في ميدان الإعلام (الجرائد، والتلفاز..) وميدان المال والسينما.
هذه المراحل هي المراحل التي تتبعها “نيشان ” ومن على شاكلتها مثل (Tel quel) و”الأحداث المغربية” وغيرها ممن يستخدمون بوعي أو بدون وعي في تطبيق المراحل المذكورة، وهي مراحل لا يستعملها إلا من له أهداف واضحة من مثال تغيير القيم الأخلاقية والدينية.
ونطرح من الأهداف العبثية:
ما معنى أن تقول ما يقوله الآخرون: وتعطينا جوابا مفاده “عبثية المسؤولية”.
ما معنى أن تتجاوز الطابوهات: ويكون الجواب العبثي الخلط بين الحرام والحلال.
ما معنى حرية الرأي، ويكون الجواب العبثي رأي حر في الله وفي الرسول وفي ملك البلاد، وحرية التعبير أن أقول ما أريد.
وأقول جوابا على هذه العبثية، أتحدى أصحاب نيشان أن “ينكتوا على الهلوكست” أو أن يشككوا في وجودها ولو بطرق علمية نقدية.
ما معنى أن تخلط كل المقامات: ويكون الجواب العبثي: “المجتمع هو الذي يخلط، وليست لنا مسؤولية تترتب عن نشر كل ما يقال”. فهل يمكن لأصحاب “نيشان” أن يخلطوا في منازلهم بين غرف النوم ومطابخها والمراحيض والصالونات، أو أن يخلطوا في علاقتهم بين أخواتهم وأمهاتهم وأزواجهم، ما هذا الهراء.
ما معنى الخلط بين نكتة تضحكك ونكتة تضحك الناس عليك، ويكون الجواب العبثي، لا فرق.
ما معنى أن تنتمي إلى هذه الأمة وأن ترفض مقومات هذه الأمة ويكون الجواب العبثي، “أنا علماني/لائكي”.
ونقول: إن عبث العبثية أن تخلط بين ما يضحك الناس وما يبكيهم كما أن العبثية تتجلى في ربط التقدم بالإباحية الأخلاقية.
ومن عبثية العابثين أن تجعل من نفسك عالما في الدين، فتفتي في الخطوط الحمراء التي تفصل بين الإيمان والكفر. حيث تقول “نيشان”: “..فهو حتى إذا اعتبرنا أن تلك النكت كفرا وأنا لا أعتبرها كذلك”.
إن العبث أن تستخف بعقول الناس باستعمالك كما يقول الفقهاء “نقل الكفر ليس كفرا” ليس من حقك إخراج كلام العلماء والفقهاء عن سياقه. وتطبقه على حماقة من مثل تلك النكت التي سقتها في مجلتك.
هناك فرقا جوهريا واضحا بين نقل مقولة الكفر لدحضها والرد عليها، وتنبيه المسلمين من الشبهات التي قد تفرزها مقولة من المقولات، وبين أن تضع على قارعة طريق بلاد المسلمين كلاما هو ضد عقيدتهم.
العبثية في مفهوم النقل
حينما يقول كسيكس: “..لأن “نيشان” لم تقم إلا بتقديم وانتقاء ما يروج داخل المجتمع..” تكون “نيشان” بذلك تذهب إلى ترويج هذا الخلط للخط التحريري حينما تنهي مقالها بكتابة روابط مواقع إلكترونية حول النكت، فهم لم يبقوا على مستوى النقل ولكن تجاوزوه إلى محاولة تكريس الإباحية الفكرية في سلوك المواطن المغربي من عدم احترام لا للذات الإلهية ولا لجناب الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا لملك متوفى ولا ملك يحكم.
فعبثية: “..إننا نقول ما يقوله الآخرون”، تتجلى في مخادعة المبدأ الإسلامي الأصيل المتمركز حول مسؤولية الفرد على ما يقوله ناهيك عمَّا يكتبه.
وإغناء للثقافة الدينية الهزيلة لدى أصحاب “نيشان” أتلوا على مسامعهم الآيات والأحاديث التالية لعلهم يتعظون ما داموا يُقِرُّون بأنهم ينتمون إلى هذه الأمة الإسلامية، يقول الله عز وجل في كتابه الحكيم:
“مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ” (ق،17)
“أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء”( إبراهيم،24)
“وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ” (الحج،24)
و من الأحاديث النبوية في هذا المعنى.
– قول الرسول عليه الصلاة والسلام: “مه، يا عائشة إن الله لا يحب الفحش والتفحش” البخاري.
– وقوله عليه الصلاة والسلام في حديث خطير جدا مرتبط بمعنى المسؤولية الفردية وليس عبثية “أقول ما يقلون”، حيث يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: “إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بال يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم”.
و هنا الرسول عليه الصلاة والسلام يتكلم ويشير إلى استعمال “كلمة” وليس جملة ولا نكته بل ونكت متعددة فاحشة متفحشة.
وأخيرا قوله عليه الصلاة والسلام: “إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها في النار أبعد مما بين المشرق” البخاري.