سلسلة منطلقات الخلاف بين أطياف السلفية المعاصرة (ج15) موضة المراجعات تطال تنظيم الجهاد سيد إمام الشريف يطلق النار على أيمن الظواهري مراد أمقران

بعدما تفرقت السبل بقادة (التحالف المشكل) الذي خطط وأشرف على عملية اغتيال السادات، وتشرذم الجمع إلى ثلاث فصائل جهادية هي.. الجماعة الإسلامية وجماعة عبود الزمر وجماعة أيمن الظواهري. آثر الأخير الخروج من البلد والنفر إلى بلاد الأفغان بغية المشاركة في قتال (السوفييت) إلى جانب (المجاهدين العرب) وهي الظرفية التي تزامنت مع بدأ إصدار قادة التنظيم المتشظي لمجموعة من المؤلفات التي تعرف بالجهاد وتنظر له وترسي أسسه وتربطه بالواقع والتي هي بمثابة إمتداد لكتاب (الفريضة الغائبة) لمؤلفه القائد (محمد عبد السلام فرج) الذي أعدم في قضية المنصة.. وهذه أبرزها في عجالة:
1. وثيقة الجهاد.. معالم العمل الثوري؛ تأليف: (قادة تنظيم الجهاد المصري).
2. العمدة في إعداد العدة؛ تأليف: (سيد إمام الشريف).
3. الجامع في طلب العلم الشريف؛ تأليف: (سيد إمام الشريف).
4. الحصاد المر؛ تأليف: (أيمن الظواهري).
5. فرسان تحت راية النبي؛ تأليف: (أيمن الظواهري).
6. الولاء والبراء عقيدة منقولة وواقع مفقود؛ تأليف: (أيمن الظواهري).
وتعد هذه الرسائل والمؤلفات الى جانب مؤلفات (الجماعة الاسلامية) التي أشرنا إليها سابقا عمدة كل إسلامي يتناول موضوع الجهاد بالبحث والاعتناء ونشير بالخصوص إلى كتابات (سيد إمام الشريف) الذي قيل عنه أنه ملهم الجماعات الجهادية المعاصرة ومنظرها الأول على الأقل إلى حدود ما قبل الثورات الأخيرة وظهوره العلني المفاجئ المصحوب بتصريحاته الصادمة عبر قناة العربية.
ومع تعاقب السنوات وتوالي الأحداث المتقلبة تطوع الجيل الثاني من الصف الجهادي لحمل (الأمانة الثقيلة) على أكتافهم بعدما كان رجال من أمثال (عبد السلام فرج ونبيل المغربي وسالم الرحال وأحمد شوقي الإسلامبولي وعصام القمري) هم من يتكبد عناء ثقلها في سابق الأيام.. لكن سرعان ما بدأت تطفو على السطح خلافات وانقسامات بين أبناء الجيل الثاني يمكن ربطها بنقص التجربة وانعدام الحنكة المطلوبة وهذا ما سنتطرق للحديث عنه بحول الله في الأسطر التالية.
لم ينس (أيمن الظواهري) إبان تواجده على أرض الأفغان أوضاع بلاده المزرية فقد خرج الرجل مرغما مهيض الجناح تحت وطأة القبضة الأمنية الحديدية التي دشن بها حسني مبارك فترة حكمه.. وعلى الرغم من أن جوارحه كانت حاضرة في ساحات القتال إلى جانب رفاقه المجاهدين العرب في كل من باكستان وأفغانستان إلا أن قلبه كان مربوطا بأرض الكنانة وأحداثها.
ولم يلبث (الظواهري) طويلا حتى عاوده حنين المواجهة مع الحكومة المصرية مرة أخرى فسارع إلى انتقاء وتشكيل كتائب مقاتلة بكل من أفغانستان والصومال وتدريبها ومن ثم إرسالها فيما بعد إلى مصر على شكل خلايا نائمة تشعل جذوة المواجهات القتالية ضد الدولة وأجهزتها الأمنية ..وكان الظواهري يحدث نفسه بإحياء تنظيم الجهاد من جديد وندب للإشراف على سير العمليات وتنظيم الصفوف يده اليمنى نبيل نعيم الذي لم يكن عند حسن ظن الظواهري ولم يكن موضع اتفاق ولا ترحيب بين أعضاء التنظيم مع الإشارة إلى أن سيد إمام الشريف قد كان بدوره هو الآخر بأفغانستان وكان المقدم عند المجاهدين العرب والمتصرف في قراراتهم والحكم في خلافاتهم.
بداية من عام 1992م.. شنت الأجهزة المصرية حملة اعتقال واسعة في صفوف الإسلاميين فألقت القبض على أكثر من ثمانمائة عنصر من عناصر الجماعة الوليدة (الجهاد المصرية).. هذه الحملة الأمنية الاستباقية دفعت عددا من كوادر تنظيم الجهاد إلى مطالبة زعيم التنظيم (سيد إمام الشريف) ومساعده (أيمن الظواهري) بضرورة الرد سريعا على الحكومة المصرية بقوة الحديد.
وتحت ضغط مطالبات ومناشدات الانتقام أجرى أيمن الظواهري دون موافقة (سيد إمام) تغييرا مهما في استراتيجية التنظيم بعد استشارة صديقه الجديد (أسامة بن لادن) الذي قابله في أفغانستان ..حيث دفع الظواهري بعدد من تلك المجموعات التي أطلق عليها اسم (طلائع الفتح) للقيام بعدة عمليات انتقامية محددة داخل العاصمة المصرية القاهرة.. وكان (الظواهري وابن لادن) مصرين على تأديب كافة الأنظمة العربية التي وافقت على السماح للقوات الأجنبية بالدخول إلى جزيرة العرب للإطاحة بـ(صدام حسين) إبان حرب الخليج.. وقد كان في مقدمة تلك الأنظمة المستهدفة كل من النظام السعودي والمصري).
ونظرا لتلقي كتائب (طلائع الفتح) تدريباتها القتالية في كل من الصومال وأفغانستان فقد تم الدفع بها الى القاهرة في خطوة متسرعة ومربكة لإحداث التوازن النفسي المطلوب لعناصر التنظيم عقب القبض على ثمانمائة من عناصره حيث اتسمت عملياتهم بنوع من التسرع والاندفاع المتهور. وهو التعجل الذي أدى إلى فشل وإجهاض أغلبها وتفكيك (تنظيم الجهاد) وتصدعه مما نتج عنه دخول بقايا أتباع أيمن الظواهري في عمليات مسلحة متقطعة بداية من عام 1993 م قبل أن يعلن الظواهري اندماجه وتحالفه مع (أسامة بن لادن) في أفغانستان ويتم تأسيس ما عرف لاحقا بـ(تنظيم القاعدة) أو قاعدة الجهاد.. عام 1998.
لم يستسغ القائد العام لكتائب تنظيم الجهاد (سيد إمام الشريف) خطوة التعجل المربكة التي قام بها الظواهري وحمله تبعات الفشل الذريع ومسؤولية القبض على شباب التنظيم وعدم التريث لتقليب وجهات النظر معا وخرج يومها بتصريحات هجم فيها الظواهري وصديقه الجديد أسامة بن لادن الذي لم يكن في وفاق مع سيد إمام الشريف ذو النزعة السلطوية والشمولية في التحكم والقيادة.
سخط سيد إمام على معظم قادة الجهاد وترجم ذلك فعليا عبر استقالته وتخليه عن سائر مناصبه الشرعية والتنظيمية داخل التنظيم واختياره النأي بالنفس والسفر إلى اليمن للانخراط في إحدى المستشفيات هناك كطبيب جراح بهوية مزيفة تحمل اسم “عبد القادر عبد العزيز”.
ورد اسم سيد إمام في عدد من الشهادات المتعلقة بمحاكمات “العائدون من ألبانيا” التي كانت تجري أطوارها في مصر فأخطرت السلطات اليمنية نظيرتها المصرية بكون المشتبه به متواجد في اليمن منذ خمس سنوات فهللت المخابرات المصرية للبرقية وعجلت بتلقف سيد إمام وتسلمه تحت تصفيق وسائل الإعلام الدولية التي عنونت نشراتها الإخبارية يومها بـ”ضربة قاضية توجه اليوم للإرهابيين بعد القبض على منظرهم الأول” تم توجيه عدد من التهم الثقيلة لسيد إمام وتم الحكم عليه بعقوبة السجن المؤبد.
خلاصة واحدة قد يتفق عليها كل من عاين المراجعات التي دونها سيد إمام في رسائله تتمثل في عدم استئناسه وارتياحه لـ(أسامة بن لادن) والتوجس منه أحيانا ..وقد زكى هذا الظن تسرع (الظواهري) وفشله الذريع في قضية (طلائع الفتح) التي فتح من خلالها باب الاستشارة مع الرفيق الجديد (أسامة بن لادن) بينما أغلقه بالمقابل في وجهه.. ولم تكد تمر سوى أيام قليلة على استقالة (سيد إمام) حتى ألف الأخير أول رسائل مراجعاته التي عنونها باسم (وثيقة ترشيد العمل الجهادي) وهي الرسالة التي أحدثت يومها ضجة في أوساط المشتغلين والمهتمين بالشأن الجهادي وكانت بمثابة حجر ضخم ألقاه (سيد إمام) في بركة (الجهاديين) فأصاب المتحلقين حول البركة بالبلل وساورهم الفزع مما حدا بهم إلى الاستفسار عن مغزى إقدام (المنظر الأول) للجهاد على هذه الخطوة العدائية التي من شأنها أن تفتت الصف الجهادي الواحد وتثير القلاقل بينهم..
لم يستسغ قادة الجهاد كلام (سيد إمام) وانفض الجهاديون عنه تباعا وانبرى تلاميذه كرد فعل منهم أولا وبتوجيه من (أيمن الظواهري) ثانيا لتهذيب وتنقيح كتاب سيد إمام الشهير (الجامع في طلب العلم الشريف) وإعادة تبويبه من جديد وحذف الفقرات التي تعرض فيها صاحبها بالنقد للحركات والجماعات الإسلامية وعنونوا الكتاب بـ(الهادي إلى سواء الرشاد).
بالمقابل أيضا شمر (أيمن الظواهري) عن ساعده لصد هجوم الرجل فألف رسالة تحوي على تفنيد لمزاعم سيد أسماها (التبرئة ـ تبرئة أمة السيف والقلم من منقصة تهمة الخور والضعف) وخلاصة مضمونها تتحدث عن كون (سيد إمام) أسير في سجون الطواغيت ولا يعتد بمراجعاته ولا بردوده وأعتبر (أيمن الظواهري) محتوى مراجعات سيد عبارة عن تبرير سمج للكفر وللظلم وشرعنة فاضحة للباطل.
لينبري (سيد إمام) من جديد للمواجهة عبر الرد والتفنيد والتدليل في رسالة شديدة اللهجة أسماها (مذكرة التعرية لكتاب التبرئة) اتهم فيها الظواهري بالعمالة ووصفه بالرجل المشبوه الذي يتقاضى الأموال لتجنيد الشباب والتغرير بهم في سبيل معركة فاشلة وواصفا (أسامة بن لادن) بالمضل الذي يستخف بعقول المسلمين.. وقد روجت بعض المنتديات يومها خبر صدور كتاب (لأيمن الظواهري) يرد فيه على (سيد إمام) أطلق عليه (تعرية التعرية) لكني لم أقف لا على الكتاب ولا على صحة الخبر وكان من بين المنبرين أيضا للرد على سيد إمام صاحب موقع المقريزي (هاني السباعي) الذي ألف رسالة أسماها ب(التجلية في الرد على التعرية) يرد فيها على مزاعم (سيد إمام) ورسالة أخرى (لأبي يحيى الليبي) أسماها (التبديد لأباطيل وثيقة الترشيد) ليكون علقم ختام الخلاف من جانب (سيد إمام) الذي ألف كتابا أسماه (مستقبل الصراع في أفغانستان).
نتطرق في الجزء الموالي للحديث عن ظهور (تنظيم القاعدة) وكيف خرج هذا التنظيم من عباءة (تنظيم الجهاد المصري) والعوامل التي ساهمت في تشكيل هذا الكيان الذي لازالت معالم آثاره وتجليات أفكاره بادية على الساحة الدولية إلى يومنا هذا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *