رياح “الشرق الأوسط الجديد” تهب على المغرب بقلم: أبي عبد الله معاذ السالمي

هذا المقال كان من المفترض أن ينشر في العدد السابق إلا أنه لم يتيسر فنعتذر لصاحبه وللقراء الأعزاء
كنت أود الحديث في هذا العدد عن الفتنة بين “فتح” و”حماس” في أرض الإسراء والمعراج، من باب النصح واقتراح العلاج، لكنني عدلت عن ذلك بعد الذي شاع وراج، عن محاولة بعض “المثقفين” الأمازيغ خلق فتنة بين المغاربة، فآثرت الحديث عنها بأسلوب تكون الحكمة فيه غالبة.
يقول دعاة الفتنة الجدد: “إن الأمازيغية هي لغة جميع المغاربة، وجميع المغاربة بدون استثناء” مقتطف من البيان الذي بعثه المسؤولون عما يسمى “الشبكة الأمازيغية من أجل المواطنة” إلى أمين عام “الأمم المتحدة” بمناسبة الذكرى 58 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
بهذه العبارات العنصرية استنجد دعاة الفتنة من الأمازيغ بمنظمة عُرِفَ عنها الكيل بغير المكيال في قضايا المسلمين. وقد تتساءل أخي القارئ: “أين العنصرية في تلك الكلمات التي تقول: جميع المغاربة؟!”، فأقول لك: دقق النظر جيدا في كامل العبارة، وحاول أن تقرأ مابين السطور لتقف على هذا المعنى: “إن الأمازيغية هي لغة كل الأمازيغ، ومن لا يتكلم الأمازيغية، وليس من أصول أمازيغية فليس مغربيا”. وها أنت تتساءل مرة أخرى أيها القارئ الكريم: “ما هذا الاتهام الخطير الذي مفاده أن هؤلاء (مسؤولي الشبكة الأمازيغية) ينفون الانتساب لهذا الوطن عن كل مغربي ليس أمازيغيا، فالعبارة ليس فيها سوى المطالبة بجعل الأمازيغية لغة وطنية؟ ثم لماذا نكلف أنفسنا عناء قراءة ما بين السطور، بينما يفترض أن نكتفي بظاهر الكلام من باب إحسان الظن؟”
فإليك الأدلة التي ستجعل حسن ظنك بهؤلاء يتبدد تماما:
– جاء في المجلة السيئة الذكر “نيشان”، “نصيحة” من المدعو أحمد الدغرني (الأمين العام للحزب الديمقراطي الأمازيغي) طالب فيها كل المغاربة من أصل عربي “بالرجوع إلى صحرائهم (يقصد صحراء الحجاز) حاملين معهم كتابهم المقدس ولغتهم المتخلفة، لأن الإسلام بمجيئه كرس نظام العبودية والاستغلال واعتبر برابرة الشمال الإفريقي مواطنين من الدرجة الثانية، بينما ليس كل الأمازيغ مسلمين”(1)، وقبل أن أسترسل في عرض مقولات الحقد والعنصرية التي نطق بها هؤلاء الانفصاليون، لابد من التعليق أولا على ما قاله هذا الدعي من كلام خطير أعلن فيه منابذته للإسلام ولكتاب الله، بل اتهم الإسلام -الذي شهد القاصي والداني بعدله ورحمته- بتكريس العبودية والاستغلال تجاه الأمازيغ، والعجب كل العجب من جرأة هذا الفَتَّان في الحديث باسم الأمازيغ دون استئذانهم، بيد أنه لو قام بإجراء استفتاء بين إخواننا، على الطريقة “الديمقراطية” التي يؤمن بها، فإنني أجزم أن النتيجة ستسوؤه، أما نعته للغة العربية بالمتخلفة فهو ترديد لما يقوله المستشرقون الحاقدون عن لغة القرآن العظيم.
– دعِيٌّ آخر كتب محرضا الأمازيغ على السعي لضمان “الشراكة في السلطة والثروة والقيم، وضرورة الدفاع عن اللائكية وفصل الدين عن السياسة، لأن هذا النظام هو الذي تمارسه القبائل الأمازيغية في تدبير شؤونها، مع الحق في تقرير المصير والسيادة على الأراضي والأقاليم والموارد والغابات والموارد الطبيعية”(2)، ولن أعلق على زعمه أن الأمازيغ مهمشون ولا يتم إشراكهم في السلطة والثروة وغيرها، لأن الجميع يعلم حجم النفوذ السياسي والاقتصادي وكذا العسكري للأمازيغ، ولكنني أتوقف عند مطالبة هذا الانفصالي بإقرار النظام العلماني، فأقول له مطَمْئنا: إن الحكومة مُسَيَّرة من طرف أياد علمانية “أمينة” ومخلصة لعلمانيتها فلا معنى لطلبك.
– ولم يكن الكلام السابق (للدغرني وبلقاسم) أكثر تطرفا مما تخرص به المدعو أحمد أمزال حين قال:”إني أرى للريفية ثقافتها وللأمازيغية إبداعاتها الفنية، ولها تقاليد، وللسوسية معطياتها الفكرية، فكيف لأي واحدة منها أن تتخلى عن تعبيراتها وتسمح الواحدة للأخرى أن تنفرد بالاحتكار؟ إن توحيد الأمازيغية في نظري غير قابل للتطبيق”(3)، إنه يرى ما لا نرى: يرى بنظره الثاقب وفكره التقدمي أن توحيد الأمازيغ يعد إجحافا بحقهم جميعا. ولا ينبغي أن نفهم من كلامه أنه يطالب فقط بالمحافظة على التنوع الثقافي في مغرب واحد؛ لأن كل أعضاء “الشبكة الأمازيغية” مجمعون على ما يصفونه بـ “حقهم في تقرير المصير”.
العلاقة بالغرب:
لا ينكر عاقل العلاقة الوثيقة التي تربط الأحزاب والمنظمات العلمانية في الدول الإسلامية بمراكز الدراسات الإستراتيجية في الغرب، لاسيما الولايات المتحدة الأمريكية و”إسرائيل”، فأحمد الدغرني -مثلا- في الوقت الذي يصف فيه “ايديولوجية القومية العربية بالصهيونية”(4)، نراه يبادر مع رفاقه في “النضال” إلى تأسيس جمعية للتضامن مع “إسرائيل”، فلا غرابة إذن من الدعم المادي الذي تتلقاه تلك المنظمات بشكل علني، والذي يتم تحت ستار “دعم منظمات المجتمع المدني”، في حين يكمن سبب الدعم في أن تلك المنظمات والأحزاب هي بمثابة طابور خامس يوفر على الغرب عناء التدخل العسكري لفرض أجندته الفكرية والسياسية، ولذلك تجد بني علمان من العرب والأمازيغ على حد سواء يشنون بحماس حربا إعلامية لا هوادة فيها ضد عقيدة المسلمين وأخلاقهم وثوابتهم، فبعد فشل مخطط “سايكس-بيكو” -الذي فرض بالحديد والنار- في تمزيق المسلمين عقائديا (بعد تمزيقهم جغرافيا)، لجأت دوائر القرار في أوربا والولايات المتحدة الأمريكية إلى الاستعانة بتلاميذها الذين تتلمذوا على أيدي مفكريها، وأنفقت عليهم ملايير الدولارات بأن أنشأت لهم الصحف والمجلات، والقنوات التلفزية والإذاعات التي لا هدف لها سوى تشكيك المسلمين في عقيدتهم، وزعزعة إيمانهم، وهدم أخلاقهم، والعمل بالموازاة مع ذلك على “التبشير” بقيم “التحرر”، ونُظُم “الانفتاح” الذي ذاق الغرب “حلاوته” المتمثلة في الزنا، واللواط، والسحاق، وقتل الأبناء للآباء.. والقائمة تطول؛ ومن فَرْطِ “حبهم” لنا فقد اتفقوا على أن يسمحوا لنا بتذوق تلك “الحلاوة”، لعلنا بذلك أن نخرج من “تخلفنا” (والمقصود تديننا)، فكان لابد من أن يتصدقوا علينا بكل تلك المليارات، وكان لابد من تغيير مناهجنا في المدارس والجامعات، وكان لابد من:
مشروع “الشرق الأوسط الجديد”:
تقوم فكرة هذا المشروع على “مخطط قذر وأيدي نظيفة” وهي الخطة التي وضعها متطرفو البيت الأبيض، وعلى رأسهم “تشيني” و”وولفويتز”، ومعناها: مخطط لتقسيم الدول العربية إلى دويلات عديدة، ويتولى تنفيذه عملاء أمريكا في المنطقة لتبقى أيادي واضعيه نظيفة، فهي ترتكز على تأجيج الشعور القومي لدى الأقليات العرقية والدينية في الدول العربية، كخطوة تسبق تدخل الأمم المتآمرة على وحدة المسلمين (المسماة زورا بالأمم المتحدة)، من باب فض النزاعات وحماية حقوق الأقليات، هذه الحماية التي قد تصل إلى حد فرض منح استقلال لتلك الأقليات، وهو ما حدث في إقليم “فيجي” الإندونيسي، ويراد له أن يحدث في إقليم دارفور السوداني، لكن، عندما يتعلق الأمر بأقلية مسلمة في دولة غير مسلمة فإن موقف الغرب يتغير 180 درجة، فمسلمو جنوب تايلاند مثلا، يتعرضون للتقتيل على يد الحكومة الوثنية، وفي الهند يعاني المسلمون من إرهاب عبدة الأبقار، وفي روسيا تُرتكَب المذابح ضد المسلمين الشيشانيين، بل في فلسطين يتعرض شعب مسلم بأكمله للاحتلال والحصار والإرهاب على يد عصابات اليهود، وعندما يقرر مجلس “الأمن” ـ في تمثيلية متفق عليها مسبقا ـ إدانة (وفقط إدانة) الجرائم الصهيونية، تقوم الولايات المتحدة الأمريكية باستخدام حق “الفيتو” لإبطال القرار!! فعن أي عدالة وعن أي أمن يتحدثون؟!!!
وفي المغرب يحاول الخوارج الجدد الاستفادة من “العرض الخاص” (مشروع الشرق الأوسط الجديد)، لكننا نبشر الغرب وعملاءه أن مشروعهم الجديد مصيره الفشل الأكيد، كما حدث مع كل مشاريع الشرق الأوسط القديمة التي ذهبت أدراج الرياح، فليخططوا ولينفقوا..، يقول الحق جل شأنه: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ}(5).
بين أمازيغ الأمس.. وبعض أمازيغ اليوم:
لا يزال المغاربة يذكرون الصفحات المشرقة التي سطرها المجاهدون الأمازيغ إبان الإحتلالين الفرنسي والإسباني، فكل مسلم يعتز ويفخر بشخص مثل محمد بن عبد الكريم الخطابي الذي أذاق الغزاة الإسبان في الريف ذل الهزيمة، أو شخص مثل موحا أوحمو الزياني الذي مرغ أنف جيش “دوغول” في تراب الأطلس، فأولئك الأخيار رفع الله ذِكْرَهم لَمَّا كان ولاؤهم لأمة الإسلام، فبماذا ستذكر الأجيال القادمة هؤلاء الأحفاد الذين يريدون تمزيق الأرض التي دفع أجدادهم أرواحهم لتتحرر ولتبقى موحدة؟؟!!!
وكيف تنام العين ملء جفونها *** على هفوات أيقظت كل نائم
نسأل الله العلي القدير أن يجنب بلادنا وسائر بلاد المسلمين القلاقل والفتن..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) – “نيشان” عدد 7-10-2006.
(2) – المحامي الأمازيغي بلقاسم في “صوت الناس” عدد 7-5-2006.
(3) – “الإنسان الجديد” عدد دجنبر 2006.
(4) – “النهار المغربية” عدد 27-2-2004.
(5) – سورة “الأنفال”، الآية: 36.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *