أسبوعية الأيام والاسترزاق بأعراض الصحابة نور الدين درواش

خصصت أسبوعية الأيام موضوع غلافها للعدد الحالي (475/ 13ماي2011) للحديث عما أسمته “الوجه الخفي للخلفاء الراشدين” في جرأة منقطعة النظير وفي استرزاق مفضوح ومكشوف بأعراض خيرة هذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم.

أقام الكاتب موضوعه على الجمع العشوائي لكل خبر يخدم أطروحته الرامية إلى الحط من قدر من هم أمَنُّ علينا من آبائنا وأمهاتنا، والذين لولاهم بعد الله تعالى ما وصلنا من أمر الإسلام شيء( ).

أبو بكر الصديق رضي الله عنه
أبو بكر الصديق هو أفضل هذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم وهو ثاني اثنين في الغار مع نبي الله صلى الله عليه وسلم وكفاه فخرا رضي الله عنه أن يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: “ما لأحد عندنا يد إلا وقد كافأناه، ما خلا أبا بكر، فإن له عندنا يدا يكافئه الله بها يوم القيامة، وما نفعني مال أحد قط ما نفعني مال أبي بكر، ولو كنت متخذا خليلا، لاتخذت أبا بكر خليلا، ألا وإن صاحبكم خليل الله” صحيح الجامع 566.
فمما افتراه الكاتب أن عليا كان يرى نفسه أحق بالخلافة من أبي بكر وهذا إفك ما بعده إفك؛ فقد روى البخاري في صحيحه (3395) عن محمد بن الحنفية قال: قلت لأبي -علي بن أبي طالب رضي الله عنه-: أي الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أبو بكر. قلت: ثم من؟ قال: ثم عمر، وخشيت أن يقول عثمان قلت: ثم أنت؟ قال: ما أنا إلا رجل من المسلمين.
وأما زعم الكاتب متلقفا شبه الشيعة أن الصديق منع فاطمة من الإرث وأنه “احتج بحديث “نحن معاشر الأنبياء لا نرث ولا نورث” فالرد أن هذا الحديث متفق عليه؛ بل إن الشيعة أنفسهم صححوا حديث (..وإنّ العلماء ورثة الأنبياء، وإنّ الأنبياء لم يورّثوا ديناراً ولا درهماً، ولكن ورّثوا العلم، فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر).
فقد قال عنه المجلسي الشيعي في “مرآة العقول (1/111)”: الحديث الأول -أي: الذي بين يدينا- له سندان الأول مجهول والثاني حسن أو موثق لا يقصران عن الصحيح).
ثم إن عائشة رضي الله عنها أيضا من ورثة النبي صلى الله عليه وسلم وهي ابنة الصديق فمنع فاطمة من الإرث منع لعائشة أيضا؛ وهذا الموقف من الصديق منقبة تضاف إلى مناقبه وفضائله رضي الله عنه.

عمر بن الخطاب رضي الله عنه
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إنه كان قد كان فيما مضى قبلكم من الأمم محدثون، وإنه إن كان في أمتي هذه منهم فإنه عمر بن الخطاب ” (رواه البخاري 3210، ومسلم 4411).
لم يجد الكاتب المتحامل ما يقدمه لقرائه عن عمر غير أنه شرب الخمر وأنه كان من أشد خصوم الإسلام!!!
فأما أنه كان من أشد خصوم الإسلام فصحيح وهذا مما لا يجهله أحد؛ ولا يحتاج الكاتب أن يتعب نفسه لإثباته وتسويده. لكن أليس عمر قد أسلم بعدها وصار حصنا منيعا يحفظ الله به دينه ويعز به أمره؟؟
ألم يقل ابن مسعود رضي الله عنه: “ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر”؟؟ (البخاري 3408).
ثم إن موقف عمر من الخمر بعد إسلامه هو موقف عامة الصحابة رضوان الله عليهم وذلك أن تحريم الخمر مر بثلاث مراحل فقد قال عمر رضي الله عنه: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شفاء، فَنَزَلَت الآية التي في البقرة: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ) الآية. فَدُعِي عُمَر فَقُرِئت عليه، فقال: اللهم بَيِّن لَنَا في الْخَمْر بَيانًا شِفاء، فَنَزَلت الآية التي في النساء: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى)، فكان مُنادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أُقِيمت الصلاة يُنادي: ألا لا يَقْرَبَنّ الصلاة سَكران، فَدُعِي عُمَر فَقُرِئت عليه، فقال: اللهم بَيِّن لَنَا في الْخَمْر بَيانًا شِفاء، فَنَزَلت فنزلت الآية التي في المائدة، فَدُعِي عُمَر فَقُرِئت عليه، فلما بلغ: (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) قال عُمر: انتهينا، انتهينا. (رواه أبو داود 3185).
فهل في هذا ما يعاب به الفاروق رضي الله عنه؟؟

عثمان بن عفان رضي الله عنه
عنون الكاتب ما خصصه للحديث عن عثمان رضي الله عنه بـ: “ذو النورين الذي أحرق القرآن”؛ في إشارة سيئة محرفة إلى منقبة عظيمة من مناقب هذا الخليفة الراشد وهي المتمثلة في جمعه المسلمين على مصحف واحد؛ وهذا أمر أجمع المسلمون على استحسانه.
قال علي بن أبي طالب: “أيها الناس، إياكم والغلو في عثمان. تقولون حرق المصاحف، والله ما حرقها إلا عن ملأ من أصحاب محمد ولو وليت مثل ما ولي، لفعلت مثل الذي فعل”. (البداية والنهاية 7/244).
هذا القول من علي رضي الله عنه يؤكد أن أمر حرق المصاحف كان باتفاق المسلمين وإجماعهم. وأن من اعترض في البداية، انصاع إلى الحق، وهدأت نفسيته، واطمأنت سريرته حينما أدرك بعد نظر الإمام الراشد عثمان، وأن مصلحة المسلمين العامة، مقدمة على مصلحة أفراد الناس الخاصة، وإن كانوا من كبار الصحابة.. فصفو المجتمع خير من كدر الفرد.

علي بن أبي طالب رضي الله عنه
لما كان الكاتب ينقل في حديثه عن الخلفاء الثلاثة من الشيعة لكونه يجد ما يسعفه للحط من أقدارهم والطعن فيهم فإننا نلاحظ أنه حول رحله عن الشيعة حين حديثه عن علي رضي الله عنه لأنه لم يجد ما يخدم هدفه، ليقول في عنوان محوره: “..يقال إنه أشعل فتيل الفتنة”. وقد نسي أن عليا هو أبو السبطين وحسبه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيه: “أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى” رواه مسلم 4418.
فهذا بعض ما جاء في هذا الملف والوقوف على تلبيساته وافتراءاته لا يتسع له مثل هذا المقام؛ ولولا تطاوله على مقام الصحابة الكرام لما استحق منا الرد..

عدالة الصحابة ووعيد من سبهم
صحابة النبي صلى الله عليه وسلم عدولٌ، لثناء القرآن عليهم وثناء النبي صلى الله عليه وسلم عليهم، وقد أجمع أهل السنة على عدالة كل الصحابة رضوان الله عليهم، بل إن كتب الجرح والتعديل لا تجد فيها تعديلا لصحابي، وإنما يعتبر المحدثون الوصف بالصحبة مغنيا عن التعديل، قال العلامة ابن عبد البر المالكي في التمهيد (22/47): “…الصحابة كلهم عدول مرضيون ثقاتٌ أثباتٌ، وهذا أمر مجمع عليه عند أهل العلم بالحديث”.
قال القرطبي المالكي في تفسيره (16/299): “فالصحابة كلهم عدول، أولياء الله تعالى وأصفياؤه، وخيرته من خلقه بعد أنبيائه ورسله، هذا مذهب أهل السنة والذي عليه الجماعة من أئمة هذه الأمة، وقد ذهبت شِرْذِمَةٌ لا مبالاة بهم إلى أن حال الصحابة كحال غيرهم.. “.
هذا موقف بعض المالكية أما إمامنا وإمامهم مالك فأخشى إن نشرت موقفه أن أُتهم بالتطرف، فأكتفي بالإحالة عليه في شرح السنة للبغوي (1/229).
بل إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من سب أصحابي، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين” (رواه الطبراني وأورده الألباني في الصحيحة2340)
فما موقف وزارة الأوقاف التي تتبنى نشر المذهب المالكي -وقد تُشدد في بعض الفروع التي هي موضع خلاف بين المالكية أنفسهم- من هذه الأمور التي لم يتفق عليها المالكية فحسب، بل أجمع عليها الأئمة الأربعة وأتباعهم؟؟
وما بال الوزارة الوصية عن هيكلة الشأن الديني تحجم عن الإدانة والرد فضلا عن المنع والمتابعة في حق من طعن في رموز الأمة وساداتها؟!
ثم إن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب قد حملت مشكورة لواء حماية الأمن الروحي للمغاربة، وإننا لنتساءل بكل استغراب وتعجب:
أليس الدفاع عن الخلفاء الأربعة الذين يترضى عنهم كل خطباء المملكة في كل جمعة من حماية الأمن الروحي للمغاربة؟؟
أليس من الواجب على الوزارة الموقرة أن تحمي إحساس المغاربة وشعورهم حين تطالعم المنابر الإعلامية العلمانية بالسب والطعن والتهكم على من اصطفاهم الله عز وجل لصحبة نبيه؟؟
ألا تتكرم وزارتنا الكريمة بحث الخطباء على تخصيص خطب لبيان فضائلهم والتحذير من نشر شُبه الشيعة -على الأقل- كما تفعل في مناسبات أهميتها دون هذه بكثير، كاليوم الوطني للوقاية من حوادث السير، واليوم العالمي لمحاربة السيدا، واليوم العالمي للبيئة…. وما إلى ذلك؟!
لقد علم العلمانيون أن أي دخول في معركة الطعن الصريح في الإسلام ستكون نتيجتها محكومة بالفشل والانهزام، فلهذا توجهوا لِحَمَلَة هذا الدين الذين أوصلوه إلينا، فإسقاطهم يعني إسقاط ما حملوه ورد ما بلغوه والله المستعان.
فالعلمانيون “يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجُرح بهم أولى..” كما قال أبو زرعة الرازي.
كما علم العلمانيون أن الطعن في النبي صلى الله عليه وسلم خط أحمر دونه نفوس المسلمين وأموالهم وأعراضهم، لهذا اعتنوا بلمز الصحابة وتسويد صورهم وتشويه سيرهم ليقال بعد ذلك إن النبي صلى الله عليه وسلم رجل سوء ولو كان صالحا لكان أصحابه صالحون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *