السلبية في حياتنا.. الأسباب والعلاج د. خالد النجار

يحكى أن مجاعة حدثت بقرية فطلب الوالي من أهل القرية طلبا غريبا لمواجهة خطر القحط والجوع.. أخبرهم الوالي أنه سيضع قِدْرا كبيرا في وسط القرية، وعلى كل رجل وامرأة أن يضع في القدر كوبا من اللبن، واشترط الوالي أن يضع كل شخص الكوب وحده دون أن يراه أحد.
هرع الناس لتلبية طلب الوالي، وتخفى كل منهم بالليل وسكب ما في كوبه، وفي الصباح فتح الوالي القدر.. ماذا رأى؟ أين اللبن؟ ولماذا وضع كل فرد من الرعية ماء بدلا من اللبن؟! لقد قال كل منهم في نفسه: إن كوبا واحدا من الماء لن تؤثر على كمية اللبن الكبيرة التي سيضعها أهل القرية.. كل منهم اعتمد على غيره، كل منهم فكر بالطريقة نفسها التي فكر بها الشخص الآخر، ظن كل منهم أنه الوحيد الذي سكب ماء بدلا من اللبن.
ما أكثر من يملأ منا الأكواب ماء لا لبنا، عندما لا يتقن أي عمل بحجة أنه لن يظهر وسط الأعمال الكثيرة والإنجازات المتراكمة! إن أول طريق النجاح في الحياة هو نجاحك في إدارة ذاتك والتعامل مع نفسك بفعالية، فالفشل في إدارة النفس يؤدي غالبا إلى الفشل في الحياة عموما، وربما إلى الفشل في الآخرة والعياذ بالله، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} (الرعد:11).
وقد يظهر لنا أن بعض الناس نجح في حياته وإن فشل في إدارة ذاته، والحقيقة أن ذلك وهم خادع وطلاء ظاهر يخفي تحته الشقاء والتعاسة التي ستنكشف عند أول هزة، وبئس النجاح البراق الذي في داخل صاحبه غياهب من الشقاء وأكداس من التعاسة، وإن مرحت بصاحبه المراكب الفارهة، وتبوأ في نظر الناس المناصب العالية، أو امتلك الثروات الطائلة.
ولكي يصل الإنسان إلى إدارة جيدة لذاته عليه أن يتحاشى عبادة ذاته، وانسحاقها؛ أما عبادة الذات فهي عقدة نفسية تعزل الفرد عن بيئته، وأما انسحاقها فيؤدي إلى فقدان المرء هويته وشخصيته، نتيجة انصياعه الكلي لمعايير مجتمعه وتقاليده بصرف النظر عن موافقتها أو مخالفتها لمعايير الصواب.
وبداية لابد أن نحدد أهدافا منطقية ومعقولة لحياتنا، فإذا قمنا -مثلا- بتحديد أهداف صعبة جدا فإن احتمالات الفشل ستكون كبيرة مما ينعكس على نفسيتنا بجو من الإحباط والعجز، أما تحديد أهداف ممكنة فسيجعلنا كلما حققنا هدفا زاد ذلك من تفاؤلنا واستمرارنا. وليس المقصود هنا ألا نتطلع لإنجازات كبيرة، بل أن نقوم بتقسيم أهدافنا على مراحل بحيث يصبح تحقيقها يبدو ممكنا.
كما ينبغي أن نفكر في البناء دائما وأبدا، لأن التفكير الطموح يذلل المصاعب بإذن الله لتحقيق الإنجازات، ويعني أنه كلما نجحنا في عمل تولدت لدينا الرغبة لنتبعه بأعمال أخرى فيزداد رصيد إنجازاتنا تدريجيا، وعندها نشعر بالارتياح والسعادة. وهذه طبيعة وضعها الله في كل إنسان، فهو يحب أن يرى نفسه قد حقق شيئا لنفسه وللآخرين ليكون لحياته معنى وقيمة وعطاء.
ولا يفوتنا أن نؤكد على وجود علاقة قوية بين الثقة بالنفس والأفكار الإيجابية، وفي المقابل بين الأفكار السلبية والضعف والخور في الشخصية، فكلما قويت ثقة الإنسان بنفسه وكملت ثقته في قدراته وما يتحلى به من سمات وصفات ومواهب، كانت شخصيته أكثر إيجابية وكانت أفكاره كذلك إيجابية عن نفسه وعن واقعه المحيط والآخرين، والعكس صحيح، فكلما كانت ثقة الإنسان بنفسه ضعيفة مهزوزة، كانت أفكاره سلبية تشاؤمية.
إن الطريقة التي نعيش بها الحياة هي عبارة عن انعكاس لتصورنا عنها، وسلوكياتنا فيها وتعاملنا معها، لذلك فبإمكاننا أن نتعلم بعض الأساليب التي من شأنها أن تغير الطريقة التي نتعامل بها مع أنفسنا ومع الواقع، ولهذا يجب أن نبحث دائما عن المفيد في كل شيء، وسنجده بين أيدينا بعد التدقيق والملاحظة والسعي؛ مؤمنين دائما بأن النجاح مرهون بالعمل والصبر والكفاح، وقبل ذلك وبعده بتوفيق الله العلي القدير.
وربما يعتري النفسَ البشرية شيءٌ من السلبية وعوامل الهزيمة، ولكن اللبيب القادر على أن يسيطر على نفسه يستطيع أن يحول عوامل الهزيمة والانكسار والسلبية إلى عوامل إيجابية، بل وتصبح هذه العوامل منشطات للدفع والتقدم، فعلينا أن نتحكم في سلوكاتنا، وألا نكون حبيسي أعمال قليلة الجدوى نكررها كل يوم. أما السلوكات الجيدة فيمكن التعود عليها بل وإدمانها لتصبح لا إرادية بالتكرار، كما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: “تعودوا الخير، فإن الخير بالعادة” وخصوصا إذا أمعنا النظر في الجوانب الإيجابية في ذواتنا وأشخاصنا، وعملنا بشكل جاد على بناء الإيجابية في مجتمعنا، وقللنا من جرعة السلبية بدواخلنا وذوات الآخرين، وألا نستسلم للجانب السلبي، بل نجيد فنون التعامل معها من خلال الاستخدام الأفضل والاستفادة القصوى من طاقة النفس الإيجابية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *