التنظيم الإداري للجباية في عهد الخلافة الراشدة عمر بن الخطاب رضي الله عنه نموذجا إبراهيم بوحمرة

النظام الجبائي المالي في الإسلام

بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم تولى الخليفة الراشد أبو بكر الصديق، الذي اشتغل بحروب الردة ومواجهة تهديدات الروم والفرس، وكان النظام الجبائي المالي في عهده شبيها بعهد النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يكن في الدولة مال مدخر وكل ما يرد يوجهه في مصارفه.
وينبغي الإشارة هاهنا إلى أن الخليفة الراشد أبو بكر الصديق رغم ولايته القصيرة التي لم تتعد سنتين فإنه هو الذي هيأ الأسس والقواعد الكبرى التي ستنبني عليها الدولة الإسلامية بعده وذلك بثباته العظيم في الفتنة الكبرى التي أعقبت وفاة الرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتم بفضل الله القضاء على المرتدين، واضمحلت جيوش الفرس والروم، واستتب الأمر للإسلام، وساد الاستقرار في ربوع الدولة الإسلامية، والذي بغيره لا يمكن الحديث عن تطبيق أي نظام إداري سواء في الناحية الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية.
ولما آلت الخلافة للخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وجد الدولة الإسلامية قوية ومتماسكة واستمرت الفتوحات في عهده، ففتحت فارس ومصر وأكثر أرض الشام، وتشعبت أمور الدولة وزادت ماليتها، وتنوعت مطالبها، بعد أن اتصلت بحضارات عريقة في الدول المفتوحة، مما نبه عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى الاستفادة بما في هذه الدول من نُظمٍ لحل المشكلات التي تواجهها الدولة الإسلامية التي امتدت أطرافها وترامت، ولتنظيم شؤونها المالية، فتم توظيف القضاة والأمن والحراس، وأصبح الجند يحاربون ويرابطون في الثغور وعلى الحدود بصفة دائمة، فكان لابد من الإنفاق عليهم وعلى ذويهم بشكل مستمر.

أولا: الإجراءات التنظيمية للإدارة الجبائية في عهد عمر بن الخطاب
لقد تميز عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب ببداية نظام مؤسسات الدولة وظهرت الوظيفة العامة، وما رافق ذلك من مستجدات أظهرت الشخصية الإدارية للخليفة الراشد عمر بن الخطاب الذي أصبحت الإدارة الجبائية الإسلامية في عهده تتوفر على هيئات وهياكل تنظيمية تستجيب لمتطلبات الدولة الإسلامية المترامية الأطراف.
ومن أهم الإجراءات التنظيمية التي قام بها الخليفة الراشد عمر بن الخطاب على مستوى إدارة الجبايات ما يلي:
– إنشاء ديوان بيت مال المسلمين بالمدينة عاصمة الخلافة( 1). وكان الغرض منه ضبط الإيرادات الجبائية للدولة ومحاسبة القائمين على أمور هذه الأموال.
– إنشاء فروع للديوان المركزي للمدينة عاصمة الخلافة في مختلف أقاليم الدولة الإسلامية مثل ديوان العراق والشام ومصر، وقد تركها عمر رضي الله عنه كما كانت قبل الإسلام، حيث استبقى هذه الدواوين بموظفيها ولغاتها فكان ديوان العراق بالفارسية، وديوان الشام بالرومية، وديوان مصر باليونانية، وإنما أبقى عمر رضي الله عنه هذه الوظائف في غير المسلمين لأن الفاتحين كانوا عربا أميين، لا يحسنون الكتابة والحساب، وقد سئل الإمام مالك عن حكم الديوان كما ورد في مدونة سحنون فقال: «أما مثل ديوان مصر والشام وأهل المدينة ومثل دواوين العرب، فلم ير مالك به بأسا»(2 ).
– القيام بإحداث تنظيم الإدارة الجبائية على مستوى الولايات حيث كانت كل منطقة تتولى تنظيم شؤونها الإدارية والمالية بنفسها والإشراف على العمليات الجبائية وجمع الأموال وصرفها في أبوابها المشروعة، وتوريد الفائض منها إلى بيت المال المركزي بعاصمة الخلافة.

ثانيا: الإجراءات التنظيمية في عهد عمر بن الخطاب لتحصيل الجبايات في الأراضي المفتوحة
قام الخليفة الراشد عمر بن الخطاب بإجراءات تنظيمية في البلاد المفتوحة وذلك بإقرار مفهوم جديد لضريبة الأرض وهي الخراج في الأراضي المفتوحة وجعلها فيئا لصالح المسلمين كافة(3 ). وكان لجباية الخراج وقسمتها بين المسلمين عموم النفع لهم( 4)، وكانت دوافع عمر رضي الله عنه ومؤيديه من كبار الصحابة أساسية تنطلق من توفير مورد ثابت للجيوش وتأمين الثغور البرية والبحرية للدولة الإسلامية، أما الغنيمة فقد اقتصر تطبيقها على الأموال المنقولة مثل الذهب والفضة والسلاح ونحو ذلك.
– وارتبطت إجراءات الخليفة الراشد في إدارة الضرائب وتنظيمها بأمرين رئيسيين هما: الأرض وأهل الأرض لصلتهما المباشرة بها، ويبدو أن توجه الخليفة الراشد، ابتداء، هو عدم الإضرار بالأرض وبأهلها، وكانت توجيهاته إلى المزارعين وأرباب الأرض صريحة للمحافظة على الأرض وعدم إنهاكها: استمرار خيرها(5 ).
أما الزراع وهم في الأصل المكلفون بدفع ضريبة الأرض فقد حث عمر رضي الله عنه عماله على الرأفة بأهل الخراج عند الجباية، وأوصاهم بإقامة العدل والابتعاد عن الظلم. وأن يُسار في الناس بالسيرة الحسنة والصلاح لأمرهم(6 ). وعند جباية الخراج لا يكلفوهم فوق طاقتهم( 7)، وراعى عمر ابن الخطاب طاقة الأرض وظروف دافعي الضريبة، وطلب من العمال تأخير أخذ الخراج إلى الغلة رفقا بهم.
– كما تميزت إجراءاته التنظيمية بإلزامية الاقتطاعات الجبائية من زكاة وخراج وجزية وعشور وسائر الجبايات الأخرى، يقول الإمام مالك: «الأمر عندنا أن كل من منع فريضة من فرائض الله، فلم يستطع المسلمون أخذها، كان حقا عليهم جهاده حتى يأخذوه منه( 8).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم متحدثا عن مانعي الزكاة في آخر الحديث «من أعطاها مؤتجرا فله أجرها ومن منعها، فإنا آخذوها، وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا تبارك وتعالى»(9 )، قال الإمام الشوكاني: «وشطر ماله» هو حجة في أخذها من الممتنع ووقوعها موقعها( 10)، وقال السيد سابق: «أما من امتنع عن أدائها – مع اعتقاده وجوبها – فإنه أثم بامتناعه… وعلى الحاكم أن يأخذها منه قهرا ويعزره»(11 ).
ومما تقدم يتبين أن قيام الخليفة الراشد عمر بن الخطاب بإنشاء جهاز إداري مالي يسعى لحفظ الموارد الجبائية للدولة، وتنظيم توزيعها بحيث يضمن للدولة استقرارا ماليا وإداريا على المدى البعيد، وإنشاء بيت المال في المدينة لإيداع الأموال الواردة من الغنائم والجزية والخراج والصدقات وغيرها من الموارد الجبائية، يجعل الخليفة الراشد عمر بن الخطاب بشهادة ثلة من علماء المالية المعاصرين أول من وضع قواعد المالية وقعد قواعد الموازنة العامة في الدولة الإسلامية، وأتبع ذلك بنظام دقيق للرقابة والتقييم، وبذلك فقد شكل النظام المالي الذي أسسه الخليفة الراشد عمر بن الخطاب القواعد الكبرى والمبادئ الأساسية للمالية العامة المعمول بها حاليا في جميع دول المعمور.
———————-
(1 ) الأحكام السلطانية للماوردي، ص:20، ومقدمة ابن خلدون، ص:223.
(2 ) المدونة الكبرى لسحنون، 1/860
(3 ) كتاب الأموال لأبي عبيد، ص:128.
(4 ) كتاب الخراج لأبي يوسف، ص:152.
(5 )كتاب الخراج لأبي يوسف، ص:222.
(6 ) نفس المصدر، ص:77.
(7 ) كتاب الأموال لأبي عبيد، ص:189.
(8 ) الموطأ للإمام مالك، كتاب الزكاة: باب ما جاء في أخذ الصدقات والتشديد فيها 2/380.
(9) سنن النسائي، كتاب الزكاة: باب عقوبة مانع الزكاة، ص:380.
(10 ) نيل الأوطار من أسرار منتقى الأخبار للشوكاني:8/34.
(11 ) فقه السنة للسيد سابق:1/393.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *