في محاولة منه للإجابة عن كشف من دبر الانقلاب العسكري، ومن الذي أراد له أن يرتدى ثوب الثورة، والمستفيد الأكبر من الانقلاب العسكري، أكد نعوم تشومسكي أن أطرافًا عدة اجتمعت نواياها وتوحدت أهدافها حول ضرورة إزاحة الإخوان من أجل مصالحهم دون الاهتمام بمصالح مصر.
وأشار تشومسكي، في مقال له بعنوان “من يقف وراء ما يجري في مصر” أن جنرالات مبارك هم أنفسهم من انقلب على النظام الوليد، وهم من أخرجوا مبارك لأنهم لم يتفقوا مع الإخوان على صيغة للتفاهم، فالإخوان أرادوا أن تكون المميزات والهيبة للجيش المصري وأراد الجنرالات الهيبة للمجلس العسكري؛ والفرق واضح.
وأوضح أن فكرة الانقلاب العسكري مطروحة على مائدة العسكر من قبل أن يلقى عمر سليمان خطاب تخلى مبارك عن السلطة… لأن الجيش يملك مملكة اقتصادية كانت تحتمي في الرئاسة التي حجبتها عن أعين الجميع لعقود متتالية، وخسارة العسكر لمؤسسة الرئاسة سيجعل الباب أمام الإخوان مفتوحا لرؤية كنز اقتصادي، لو انتزع تدريجيا من الجيش سيساعد الإخوان على الأقل في تنفيذ مشروعهم الاقتصادي دون التعرض لأزمات يعانى منها المصريون.
وتابع “للأسف الشديد لم ينتظر العسكر كثيرا، وما تركوا السلطة إلا لينتزعوها مرة أخرى، من خلال افتعال الأزمات التي لا يوجد أي شك في أنها مفتعلة، واشتركت فيها منظمات ولوبي مبارك وخليجيون و.. و..”.
وفي البحث عن الدور الأمريكي أضاف تشومسكي أن هذا الانقلاب لم يكن ليحدث دون موافقة البيت الأبيض لأن الخلافات بين مرسى وأوباما أثبتت لأمريكا أن مصر لم تعد منطقة نفوذ أمريكي أو على الأقل كما كانت، فقد كان مبارك يتبع أسلوب السياسة الناعمة مع الغرب، وتعودوا منه على تلبية أي مطلب بما فيها التي تضر بالأمن القومي المصري.
أما مرسى والذي لا ينتمي للمؤسسة العسكرية فلم يوافق على الجملة التي عرضت عليه ليقولها أثناء المؤتمر الذي كان سيعقد بينه وبين أوباما أثناء زيارته لأمريكا وهي (وستعمل مصر وأمريكا على إيجاد حلول لكي ينعم الشعبان الفلسطيني والإسرائيلي بالأمن الدائم والسلام الشامل)، والهدف من الجملة هو الضغط على مرسى فقط لذكر كلمة “إسرائيل” والتلفظ بها ولو مرة واحدة تكن اعترافا منه بدولة “إسرائيل”، وهو الذي ذكرهم بالقردة والخنازير في عهد مبارك.
وأضاف “هنا توترت العلاقات في السر وبدأ كل طرف البحث عن حلول.. اتجه مرسى إلى الصين وروسيا والهند وباكستان والبرازيل وألمانيا وفرنسا وبريطانيا بل وإيران، وبدأت الاتفاقيات العسكرية مع الهند، والاتفاقيات النووية مع روسيا، والصناعية مع البرازيل والصين، والزراعية مع السودان، وتقديم عروض زراعية أخرى لكثير من دول إفريقيا، وأدركت أمريكا أن سبل الضغط على مصر ستتلاشى تدريجيا إن لم يُبعد الإخوان عن الحكم دون سقوط الدولة واتخذت هذا الطريق..
ودلل تشومسكي على ذلك بقوله: “يكفى أن يقول وزير خارجية أمريكا لنظيره الخليجي إن الإخوان خطر عليكم كعائلة مالكة ليعلن الخليج عداءه لمصر سرا وعلنا.. وهذ أيضا ما حدث.. والجنرالات في كل الأحوال كانوا لا يفضلون السير في ركاب الإخوان”.
وأكد تشومسكي أن أطرافًا عدة اجتمعت نواياها وتوحدت أهدافها حول ضرورة إزاحة الإخوان.. ونفهم أيضا أن الجميع يبحثون عن مصالحهم لا عن مصلحة مصر… أما الإخوان فسابقوا الزمن من أجل فرض أمر واقع لا يمكن الانقلاب في ظله ولكن سبقتهم أدوات الشر.
واختتم مقاله جازما أن الإخوان ومن معهم لم يخسروا كل شيء ولم يكسب الانقلابيون بعد أي شيء، هذا هو الواقع، لا يزال الإسلاميون قادرين على الحشد بأعداد كبيرة وفي أماكن تغطي مصر، والعالم يرى ما يحدث لا ما يفرضه الانقلابيون على مؤيديهم كأمر واقع.
وقال: “أمسكت أمريكا العصا من المنتصف ولا تزال، والسؤال الأخير هل من الممكن أن يعود مرسى؟
لن يصمد الانقلاب أمام عزلة دولية، ولا أمام أزمة اقتصادية، ولو بألف كذبة إعلامية. والمهم هنا.. هل سيصمد الإسلاميون على حشودهم ومطالبهم..
هنا فقط يمكن أن نقول إن عودة مرسى ليست أمرا مستبعدا، ولكن ذلك لن يحدث دون صفقة، ولا أقول مبادرة، فخلف كل مبادرة صفقة، ونتمنى ذلك، فمزيد من الدماء سيزيد الوضع تعقيدا لا محالة.