جرموني*: ظنوا أنه كلما تطورت التقنية والتكنولوجيا سيموت الدين العكس هو الذي حصل إذ تحول الدين مع الانترنيت إلى إحياء جديد حاوره عبد الصمد إيشن

 

هل الانترنيت يؤدي إلى تدهور القيم وانحدار الاعتقاد الديني؟

بينت في كتابي كيف برز الإنترنيت في العالم العربي، وتحدثت عن التجربة الأمريكية مع الكنيسة الالكترونية وهناك بعض الدعاة في أوروبا استخدموا هذه الوسائل، وتمكنوا بفضل الانترنيت من التواصل بعدد كبير من الناس. وهو نفس الشيء الذي وقع في العالم العربي والاسلامي. والباحثون يتكلمون عن الحياة الثانية ولكن أنا أقول الحياة الأولى أي أن الانترنيت هو ما يشكل حياتنا الأولى، والدين كذلك ليس معزولا عن هذا التحول الذي بتنا نعيشه في جميع المجالات.

الدين أثر في الانترنيت سواء بالخطاب أو الدعاة، وأصبح له تواجد قوي وأصبحت لنا مواقع ومنصات دينية تستقطب جمهورا واسعا كالإسلام اليوم، إذ يستقطب 100 مليون زائر.

كان يعتقد بعض الباحثين أنه كلما تطورت التقنية والتكنولوجيا سيموت الدين، العكس هو الذي حصل، إذ تحول الدين مع الانترنيت إلى إحياء جديد، بل أكثر من ذلك هذا التحول ساهم في عملية عولمة الدين. ونجد في هذا الصدد تحول عدد كبير من الناس إلى الديانة الإسلامية.

ما هي آثار الثورة الإعلامية التي حدثت بداية الألفية الثالثة، على القيم الدينية في المجتمعات الإسلامية، خاصة المغرب؟

تحول المشهد الديني من التسعينيات إلى الآن، وهذا التحول لا يعني موتا للدين ولا يعني قطيعة مع الدين في المجتمعات العربية، عكس ما وقع في المجتمعات الغربية. ولكن مع الثورة الرقمية شهدنا إعادة تعريف الدين وبقيت عنده نفس المكانة، لكن تم إعادة تطبيقه اجتماعيا بطرق متعددة بسبب تعدد الفاعلين، إذ لم نعد أمام مؤسسات دينية رسمية لوحدها بل دخل فاعلون متعددون كالحركات الإسلامية في هذا المشهد. ومن التسعينيات إلى الآن وقع انفتاح العالم العربي على القنوات الفضائية وأصبحت 1200 قناة فضائية عندنا.

هذا الانفتاح تم استثماره اقتصاديا، سواء في المجال الحياة العامة أو المجال الديني، إذ كان هناك متعهدون استثمروا في العامل الديني حيث أنشأوا قنوات فضائية خاصة بالدين (حوالي أكثر من 150 قناة). وفي هذا السياق كان للانفتاح الإعلامي على المجال الديني دواعي سوسيوسياسية واقتصادية.

وعندما نتحدث عن الاعلام الديني فهو كل خطاب ذي مضمون ديني: إما موعظة أو درس أو قراءة قرآن ونشيد وذكر ومحاضرات وندوات. وظهر الدعاة الجدد عبر الفضائيات ونقصد بالجدد أنهم قطعوا كل علاقة مع المؤسسات الدينية الرسمية في بلدانهم وأصبحوا يؤطرون باستقلالية مع بروز الثورة الرقمية. فلا تجد عمرو خالد أو محمد حسان أو ياسين العمري الآن يدعون إلى حركة أو هيئة بل يدعون إلى الدين الإسلامي بشكل مجرد.

الدعاة الجدد اليوم مع الثورة الرقمية أصبحوا يتمتعون بلغة خطابية وبقدرة على التواصل وبلغة دينية غير متشددة.

كيف يمكن لما سماه د.ساري حنفي بـ”الفضاء العمومي الإسلامي” في مقدمة كتابكم “الدين والإعلام: في سوسيولوجيا التحولات الدينية” أن يخدم المجتمع وينميه نحو الأفضل؟

بالاعتماد على الدراسات الواردة في كتابي يمكن أن نصرح بالإيجاب، لماذا؟ لأنه وقعت أربعة خاصيات مع هذه الفروق الإعلامية التي وقعت في العالم الإسلامي. وأولها نزع القداسة عن المؤسسات الدينية الرسمية.

ولكي تفهم جيدا معنى نزع القداسة عن المؤسسات الدينية الرسمية وغيرها، كحركات الإسلام السياسي، فإنه يتعين علينا أولا، أن تبسط مسألة سيرورة بناء شرعية الدولة ومؤسساتها في السياق التاريخي إذ يتبين من خلال العديد من الدراسات والأبحاث التي تداولت هذا الموضوع، أن الدولة العربية (خصوصا ذات النقل التاريخي) في لحظة تشكلها “كانت في أمس الحاجة للدين لكي تحدث نوعا من التجانس الثقافي والإجماع الأخلاقي لخلق المعيارية الاجتماعية للمعتقدات والقيم الأساسية. بيد أن الدولة العربية في سياق التحولات التي عرفتها مجتمعاتها، جراء عدة عوامل وشروط وحيثيات.. لا يسمح المجال لإبرازها، لم تستطع أن تقدم نموذجا لدولة يتعايش فيها الديني والسياسي بطريقة متعددة ومستوعبة للجميع الشيء الذي ولد أزمة على مدار السنوات الأخيرة.

الخاصية الثانية، من المطلق إلى النسبي، لا يمكن فهم عمق التحول الذي حصل في المشهد الديني، دونما الرجوع إلى مختلف الكتابات التي برزت في الأونة الأخيرة، والتي كانت تتحدث عن موجات التحديث التي انتشرت في العالم، من خلال مجموعة من المفاهيم المركزية، لعل من بينها تحطيم كل الأفكار الدوغمائية.

الخاصية الثالثة، ظهور أنماط جديدة من التدين (التدين الفردي نموذجا)، إذا كان العنصران السابقان (نزع القداسة عن المؤسسات الدينية الرسمية وغيرها، وحلول المقولات النسبية)، يشكلان بعض مواقف وتصورات الأجيال الجديدة من المجتمع العربي والإسلامي، فإن الأهم في هذا التحول، هو ما يمكن ملاحظته في نوعية الممارسات والسلوكات اليومية التي تؤشر على نمط جديد من التدين؛ لعل أهمها مفهوم “التدين الفردي”، فماذا نقصد بذلك؟ إن مفهوم التدين الفردي جاء نتيجة للتحولات الكبرى التي عرفها الحقل الديني، وهو يعني أن الفرد المسلم، خصوصاً الشاب، يصبح مرجعاً لنفسه في الاستمداد والتلقي والممارسة والتوجيه والسلوك والتمثل، حيث يسقط كل المرجيعات والسلطة الدينية.

الخاصية الرابعة، بروز النزعة الاستهلاكية للدين، وذلك من خلال التخلي عن كل المرجعيات الكبرى، والنظرة الشمولية في التغيير والتأثير، واستبدالها بمقاربة خالية من كل إديولوجيا، وذلك جراء السيولة الكبرى للمفاهيم العولمية، مثل “البراغمانية” والحقيقي هو المفيد” و”البقاء للأصلح”، و”ما ينفع الناس هو الأقوى”.

وكل ذلك، جرى بشكل لا واع في مخيال ووجدان العقل العربي المسلم لكن أهم تجل لكل ما سبق، سيظهر في ما سيوفره السوق الاقتصادي من إمكانيات هائلة لتسويق المنتجات الثقافية والرمزية بما فيها الدين عبر مدخل الإعلام الديني، في بيئات متعددة ومختلفة ومتشابكة ومعقدة أحيانا أخرى، هكذا سيجري تكييف العرض الديني مع التوقعات الحقيقية أو المحتملة لجمهور مستهدف بدقة. إذ إن الجمهور يريد الجاهز والآني والمستظرف، بدل انتظار الذي يأتي أو قد لا يأتي.

ــــــــــــــــــــــــــــ

*أستاذ علم الاجتماع بجامعة مولاي اسماعيل بمكناس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *